صناعة القوارب بغزة.. مهنة تنقرض بدون إنقاذ

صناعة القوارب بغزة
صناعة القوارب بغزة

في حين يندفع صيادو قطاع غزة إلى البحر يجابهون المخاطر والصعاب لتوفير لقمة عيشهم، تبرز الحاجة الماسة لتوفير مُعدات الصيد الخاصة بإصلاح وصيانة قواربهم المهترئة والقديمة، والتي تضمن لهم الاستمرار في مهنتهم الوحيدة، حيث يمنع الاحتلال الإسرائيلي إدخال أجزاء مهمة من هذه المعدات.

فعلى الرصيف الجنوبي لميناء غزة البحري، يتخذ العشريني "عطية مقداد" ومجموعة من الفنيين المعاونين له مكاناً للعمل في صيانة القوارب، وذلك ضمن مشروع ينفذه اتحاد لجان العمل الزراعي بدعم من الاتحاد الدولي للمنظمات الخيرية "أوكسفام".

صناعة القوارب بغزة

فمقداد من القلائل الذين ورثوا صناعة القوارب وصيانتها عن والده وجده، حيث كانت هذه الصناعة قائمة على الخشب، وتحولت فيما بعد إلى "الفيبر غلاس"، والذي يحتاج إلى موافقات واشتراطات إسرائيلية معقدة لإدخالها للقطاع.

وتمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي دخول "الفيبر غلاس" عبر المعابر الرئيسية، بدعوى "الاستخدام المزدوج"، وهو ما أدى إلى ارتفاع ثمن العبوة الواحدة (20 كيلو) إلى ما يزيد عن 1000 شيكل بعد أن كانت 300 شيكل فقط.

ويقول مقداد "أنه لقلة الحرفيين في هذا المجال، يجوب القطاع من شماله إلى جنوبه متنقلاً بين مرافئ الصيد لصيانة القوارب حسب الحاجة والطلب"، مشيراً إلى أنه رغم صغر سنه، فإنه يعرف أغلب قرنائه من "صنايعية" القوارب في القطاع، والذين لا يتعدى عددهم العشرون، حيث تتنوع قدراتهم وخبراتهم من شخص لآخر ومنهم من يكبره بكثير.

مقداد أحالنا للاتصال على كبيرهم الذي علمهم صناعة السفن الحاج عبد الله النجار (60 عاماً) في رفح أقصى جنوب القطاع، والذي أفاد بأنه يقوم منذ أربعة أعوام بصناعة مركب كبير يعتاش عليه أبناؤه من بعده، مبيناً –كما قال- أن هذا القارب سيكون آخر عهده بهذه المهنة، حيث أن قاربه "الخشبي" الذي يبلغ طوله 16 متراً، قد كلفة حتى الآن ما يقارب 40 ألف دولار، نظراً لارتفاع أسعار الخشب تحديداً، علماً أنه منذ عام 2012 لم يتم تصنيع أي قارب جديد، حسب النجار.

صناعة القوارب بغزة

وذكر النجار بأنه حاول قدر المستطاع طيلة فترة عمله في صناعة القوارب لنحو 30 عاماً، تعليم أولاده هذه المهنة، ولكن الظروف الاقتصادية وغلاء المعدات والمواد الخام وقلة الإبحار حالت دون تشربهم لها، متمنياً أن تقوم بهذا الدور الجهات الحكومية والمؤسسات الدولية والمحلية المعنية بقطاع الصيد، وذلك من خلال تمويل وتنفيذ مشاريع ودورات متخصصة لتعليم الشباب مهنة صناعة القوارب، من أجل المحافظة عليها من الانقراض والاندثار.

اقرأ أيضاً: محنة الصيادين بين سوق غزة الفقير والحاجة للتصدير

يذكر أيضاً أنه وفي مدينة خان يونس جنوبي القطاع، وبتمويل من مؤسسة بيت الخير غير الحكومية، ينشغل أهل المنطقة بصناعة قارب بحري كبير الحجم، بطول 21 متراً، وعرض 4-6 أمتار، مستخدمين أخشاب (الكينيا) النادرة في القطاع، وأدوات يدوية محلية بدائية لصناعته.

يشار إلى أن صناعة السفن في قطاع غزة صناعة قديمة، حيث امتهنت كثير من العائلات الفلسطينية التي تسكن على ساحل البحر صيد السمك والتنقل من غزة وإليها عبر ميناء "انثيدون" القديم، الذي ما زالت آثاره مدفونة تحت رمال الشاطئ أمام منطقة الشمالي في مخيم الشاطئ بمدينة غزة.

 إحصاءات رسمية

ووفقاً لإحصاءات رسمية حصلت عليها "زوايا" من الإدارة العامة للثروة السمكية التابعة لوزارة الزراعة، فإن عدد القوارب بكافة أنواعها في محافظات قطاع غزة المختلفة تبلغ 1400 قاربا يعمل عليها ما يقارب 4000 صياد يُعيلون أكثر من 7000 فرداً.

وتوضح الزراعة أن عدد القوارب التي تم استعادتها من الاحتلال العام الماضى 2021 هو 8 حسكات ولنش جر، في حين أن عدد القوارب التي لا تزال قيد المصادرة هو30 حسكة.

كما تم صيانة عدد 106 حسكات العام الماضي والعام الحالي 2021-2022، فيما لازال هناك حاجة لصيانة ما يقارب من 200 حسكة، حيث أن عدد مشاريع الصيانة التى تمت للمراكب من قبل جهات داعمة هو 3 مشاريع فقط، علماً أن المواد الممنوعة ادخالها من الاحتلال لغزة هي: الفيبر غلاس، أجهزة البحرية، الموتورات، وقطع الغيار"، حسب وزارة الزراعة.

وفيما يلي عدد الصيادين وقوارب الصيد وأنواعها المختلفة في محافظات القطاع الخمسة، وفقا لبيانات حصلت عليها "زوايا" من الإدارة العامة للثروة السمكية بوزارة الزراعة.

عدد الصيادين ومراكب الصيد وأنواعها في مرافئ قطاع غزة حتى فبراير 2022م

المحافظة

عدد الصيادين

نوع آلة الصيد

غزة

1639

لنش جر

15

لنش شنشولة

42

حسكة شنشولة

120

حسكة سنار

100

حسكة ملطش

206

مجداف

200

الشمال

275

حسكة ملطش

30

مجداف

30

دير البلح

716

حسكة شنشولة

40

حسكة سنار

20

حسكة ملطش

88

مجداف

70

خان يونس

764

لنش شنشولة

4

حسكة شنشولة

80

حسكة ملطش

28

مجداف

50

رفح

557

لنش شنشولة

5

حسكة شنشولة

60

حسكة سنار

20

حسكة ملطش

70

مجداف

60

المجموع

3951

1338

صناعة مُكلفة

بدوره، يؤكد جهاد صلاح مدير الصيد البحري في الإدارة العامة للثروة السمكية في حديث لـ"زوايا"، وجود عجز كبير في عدد حيازات الصيد وأهمها القوارب بكافة أنواعها، مشيراً إلى أن مئات القوارب متوقفة عن العمل في مرافئ الصيد المختلفة للقطاع، حيث يرجع ذلك إلى تلف بعضها، والبعض الآخر تضرر بفعل الاستهداف من زوارق الاحتلال.

صناعة القوارب بغزة

وذكر أن تكاليف إصلاح وصيانة هذه القوارب مُكلفة جداً لا يقوى عليها الصيادون الذين في معظهم فقراء، مبيناً أن عمل الصيانة يتطلب أمرين اثنين هما: توفير الدعم للصيانة وتوفير حرفيين صناعة قوارب، وهذان الجانبان يعانيان من ضعف اهتمام المؤسسات الداعمة بهما.

وذكر أن وزارته أشرفت قبل سنوات على مشروع تدريب حرفيين وفنيين في مجال صناعة وصيانة القوارب، وتأمل في تكراره حتى يتسنى المحافظة على ديمومة هذه المهنة من الاندثار، داعياً الجهات المعنية بقطاع الصيد البحري والصيادين، إلى توجيه مشاريعها في هذا الإطار، إضافة إلى تمويل المشاريع التي تُحسن من الحياة المعيشية للصيادين.

اقرأ أيضاً: أهالي الشيخ جراح: قضاء الاحتلال أداة تنفيذية بيد المستوطنين

وتطرق صلاح إلى أن وزارته عملت جاهدة خلال الفترة الأخيرة مع كافة الجهات الحقوقية والدولية إلى استعادة ثمانية حسكات صادرها الاحتلال، حيث مازال يحتجز نحو 30 قارباً ويُنكر وجود مواتير ومعدات صيد أخرى مصادرة لديه، متمنياً أن تنجح الجهات الدولية الوسيطة بين غزة والاحتلال في إدخال قوارب جديدة ومعدات صيد والتي يحظر الاحتلال إدخالها منذ سنوات.

الصيادين.. الأكثر فقراً

وعن صيانة القوارب للصيادين، يرى زكريا بكر مسؤول الصيادين في اتحاد لجان العمل الزراعي –المشرف على المشروع سالف الذكر- أنهم في طور تنفيذ ما أسماها "الدورة الأولى" والتي تشمل صيانة نحو 30 حسكة، لافتاً إلى أن دورتين أخريين ستليهما للوصول إلى صيانة ما يقارب 100 حسكة للصيادين.

وأوضح بكر لـ"زوايا" أن تدخلهم في هذا المجال نابع من كون الصيادين غير قادرين على تحمل أعباء الصيانة والإصلاح لمراكبهم المتوقفة عن العمل، والتي تكلف نحو 2000 دولار للحسكة الواحدة، فضلاً عن أن المشروع يخدم فئة العاملين في صيانة القوارب، ويشجع على الاستمرار في هذه المهنة، التي توقفت في غزة بسبب ارتفاع التكلفة وانعدام الصيد، مما أدى الى تراجع عدد المهنيين العاملين في هذا المجال.

وأكد بكر على أهمية تظافر الجهود الحكومية والأهلية، لإحياء مهنة صناعة القوارب، وذلك عبر مشاريع تدريبية وتشغيلية في آن واحد، وذلك للإبقاء على الإرث التاريخي لهذه الصناعة الهامة، عاداً أن الصيادين من أكثر الشرائح فقراً في المجتمع الفلسطيني والتي يجب الوقوف إلى جانبهم، للاستمرار في مهنتهم من ناحية، والتصدي لاعتداءات الاحتلال عليهم من ناحية أخرى.

وتطرق بكر إلى أن الاحتلال ينغص على الصيادين معيشتهم ويلاحقهم ويعتدي عليهم داخل البحر، كذلك يمنع إدخال معدات الصيد والصيانة، ويفرض قيوداً مشددة على إدخال المحركات القوية المستخدمة في القوارب، ويشترط ألا تتعدى قوة المحرك 25 حصاناً، لافتاً إلى أن الصيادين يحتاجون إلى محركات تبلغ قدرتها 40 حصاناً على الأقل.

ومن الجدير ذكره، أن الاحتلال الإسرائيلي فرض حصاراً مشدداً على قطاع غزة منذ عام 2007، ويمنع بموجبه دخول العديد من المواد الأساسية والأدوات والاحتياجات الخاصة بالصناعات المختلفة، وتخلل تلك الأعوام أربعة حروب قاسية أعوام 2008 و2012 و2014 وآخرها صيف 2021 الماضي، أدت إلى تدهور الحالة الإنسانية والاقتصادية في القطاع بشكل كبير.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo