تقرير محنة الصيادين بين سوق غزة الفقير والحاجة للتصدير

الصيادين في غزة
الصيادين في غزة

رغم ما يعانيه الصيادون في قطاع غزة من اعتداءات اسرائيلية داخل البحر وخسائر متلاحقة وفقر أسرهم، فضلاً عن عدم قدرتهم على تسويق الأسماك مرتفعة الثمن محلياً، نتيجة للأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها القطاع.

فقد ثمة هناك بصيص أمل لهؤلاء الصيادين، في تسويق أنواع وكميات محددة من الأسماك للضفة الغربية عبر التجار المصدرين، مما يعوضهم جزءاً ولو بسيطاً من تعبهم وخسائرهم، ولكنهم يشتكون –في نفس الوقت- من استغلال بعض التجار لهم أثناء شراء أسماكهم بأسعار متدنية وبيعها في الضفة بأسعار مرتفعة.

وبالمقابل، هناك شكوى للمستهلك الغزي من عدم كفاية الأسماك المعروضة لحاجتهم بسبب تصديرها وغلاء أسعارها، الأمر المرتبط بشكوى أصحاب المطاعم أيضاً، من عدم قدرتهم على توفير وجبات الأسماك لزبائنهم بأسعار جاذبة.

وفضلاً عن ذلك، هناك أيضاً شكوى التجار "مستوردي الأسماك" من إجراءات وزارة الزراعة في تحديد أنواع وكميات الأسماك التي تخرج من القطاع، حيث بررت الأخيرة ذلك لسياستها في الموازنة بين طموح الصيادين في السوق التصديري وبين توفير المنتج للسوق المحلي.

إحصاءات وأرقام

 وقبل الولوج في التفاصيل وطرح الشكاوي الواردة من جميع من سبقوا ومعالجتها، فقد حصلت "زوايا" على إحصاءات وأرقام رسمية من الإدارة العامة للثروة السمكية حول  كميات الأسماك المصطادة من بحر غزة والكميات التي يتم تسويقها محلياً والمصدرة والمستوردة، وهي كالتالي:

كمية الأسماك المصطادة من بحر غزة من يناير إلى اكتوبر 2021

1-كمية الأسماك المصطادة من بحر غزة من يناير إلى اكتوبر 2021.jpeg

كميات التصدير من غزة للضفة من يناير إلى اكتوبر 2021

2-كميات التصدير من غزة للضفة من يناير إلى اكتوبر 2021.jpeg

كميات الأسماك المستوردة من مصر من يناير إلى اكتوبر 2021

3-الأسماك المستوردة من مصر من يناير إلى اكتوبر 2021.jpeg


ووفقاً لوزارة الزراعة، فأنه يعمل في مهنة الصيد البحري نحو 4452 صياداً، يعيلون قرابة ٧٠٠٠ فرداً، حيث يملكون 1583 مركباً من مختلف الأنواع.

وقالت وزارة الزراعة على لسان وكيلها في غزة أيمن اليازوري، أن وزارته لا تسمح بتصدير الأسماك ذات الكميات الكبيرة والأسعار المنخفضة، كونها في متناول أيدي المواطنين، مشيراً إلى أن هناك توجيه من قبل الحكومة في غزة بضرورة عدم تصدير الأسماك “ذات الطابع الشعبي” وهناك لجنة فنية مشكلة داخل الوزارة لمتابعة لهذا الأمر.

وأكد اليازوري لـ"زوايا" أن وزارته معنية، بأن تكون فئة الصيادين مُسندة ومستفيدة وواقفة على قدميها تؤدي عملها الوطني، مشيراً إلى أن هناك أسماك نخبوية وعالية الثمن وقليلة الثمن مثل "الجمبري واللوقس" وغيرها، تسمح الوزارة للصيادين وتجار الأسماك بتسويقها للضفة الغربية ضمن معايير وضوابط محددة.

كما أشار إلى أن هناك أسماك- حسب اليازوري- تُستزرع في القطاع بكميات جيدة مثل "الدنيس" ليس لدى وزارته مانع في تسويقها للضفة أو تسويقها للخارج.

ولكن اليازوري، شدد على أنه عندما يكون الأمر مرتبط بالأسماك ذات الطابع الشعبي مثل "السردين" والتي كميتها تكون أحياناً كبيرة نسبياً وأسعارها منخفضة، فإنه لا يمكن السماح بخروجها من قطاع غزة، لأن ذلك ضمان لوصولها للمواطن البسيط، مضيفاً "وإلا ماذا نستفيد وغزة تسكن جوار البحر ولا تأكل السمك؟".

الحاجة لزيادة التصدير

ويصطف الصياد والتاجر وممثليهم سواء نقابة الصيادين أو جمعية التوفيق التعاونية لصيادي الأسماك، صفاً واحداً في مطالبتهم لوزارة الزراعة بزيادة الحصة التصديرية من أسماك قطاع غزة إلى الضفة الغربية.

وبالرغم من تظلم الصياد محمد الهسي، من تدني الأسعار التي يتم فيها بيع الأسماك للتجار من أجل تصديرها، إلا أنه يعتبر ذلك أحسن حالاً من بيعها في أسواق القطاع بأسعار أدنى بكثير ولا تلبي احتياجاته، متسائلاً " لماذا يباع كليو السردين بسعر 5-7 شيكل، بينما سعره الطبيعي يجب أن يكون 12-15 شيكل.

ويقول الهسي "إن السرحة في لنشات الجر تكلف الصياد من 5000-5500 شيكل ما بين سولار وزيت للموتور وثلج و طعام للصيادين خلال عملهم الذي يزيد عن 15 ساعة في اليوم ما بين صيد الأسماك داخل البحر والبيع خارجه"، لافتاً إلى أن توقف التصدير يكبدهم خسارة لكل هذه التكاليف.

وعلى سبيل المثال، قارن الهسي بين سعر "الجمبري" المُصدر وبين وسعره في السوق الغزي فقال " كيلو الجمبري الذي نُصدره يصل سعره 60-70 شيكل، فعندما نصيد 30 كيلو مثلاً، فإننا نتحصل على 2700 شيكل يُمكنها أن تغطي التكاليف، أما سعر كيلو الجمبري في سوق غزة بالكاد يصل إلى 40 شيكل، حيث عندما نصيد 30 كيلو مثلاً، فلا يتعدى سعره 1200 شيكل فقط" .

وأحتسب الهسي في مقارنته السابقة، ما يدفعه من رسم دلالة 3.5% وللجمعية التعاونية 5%، في حين قال "إن ما تحصله وزارة الزراعة من التجار هي رسوم رمزية لا تذكر"، على حد تعبيره. 

اقرأ أيضاً: تطبيق الحد الأدنى للأجور.. قطاع غزة خارج التغطية

ويقوم بعملية تسويق الأسماك من غزة للضفة أربعة تجار فقط، فقد ذكر أحدهم وهو خليل علوان أن "الدنيس" المستزرع محلياً في قطاع غزة، يعد أهم منتج تصديري من الأسماك للضفة الغربية، حيث أن -الدنيس المستزرع - يكفي حاجة غزة، وأن ما يفيض منه يتم تسويقه للضفة، لافتاً إلى أن التجار المستوردين في الضفة يركزون طلبهم على المزيد من الأسماك البحرية المشكلة أكثر من الدنيس المستزرع.

وأوضح علوان لـ"زوايا" أن لديه فريق يتوجه لموانئ الصيادين في محافظات القطاع، حيث يقوم بشراء الأسماك من الصيادين، ويتم فرز ما أسماه "سمك نمرة1" ومن ثم يتم تحميل الطلبية للشحن للضفة، منوهاً إلى أن الطلبية الواحدة للتصدير بالعادة، تتكون من "40-50 صندوق دنيس مستزرع، و10 صناديق سمك بحري مشكل فقط".

ولفت علوان إلى أن وزارة الزراعة تتحكم في الصنف والكمية التي يتم تصديرها من القطاع، حيث أنها تمنع تصدير السمك الشعبي مثل "السردين"، زاعماً أنه إذا توقف التصدير فإن الصياد لن يسرح لمهنته في البحر، حيث أن تكاليف "السرحة" الواحدة للصيادين مُكلفة، قد تصل إلى أكثر من 5000 شيكل.

ورفض علوان حديث بعض الصيادين بأنه يتم استغلالهم وشراء الأسماك منهم بأسعار مخفضة، مستدلاً بما يقوله الصيادين للتجار بلسانهم "أنه إذا توقف التصدير فلن نسرح للبحر"، وليس أدل على ذلك أننا لا نشتري منهم السمك رخيصاً، فضلاً عن أن مساحة الصيد التي يقلصها الاحتلال من حين لآخر، تضر بالصيادين ومصدري الأسماك على حد سواء، حسب تعبيره.

إسناد نقابي ومبررات

ويساند الصيادين وتجار الأسماك في مطالبهم، ممثليهم في "نقابة الصيادين" و "جمعية التوفيق التعاونية لصيادي الأسماك" بالزيادة في كميات التصدير حسب الوفرة والمتاح، حيث ذكر أحمد العجلة منسق المشاريع ومدير العلاقات العامة في جمعية التوفيق، أنهم طالبوا اللجنة الحكومية المشكلة بهذا الخصوص من وزارتي الاقتصاد والزراعة ومباحث التموين، بعدم التقيد بالكميات المخصصة للتجار وإنما "بفتح كميات التصدير حين الوفرة في الأسماك".

وتطرق العجلة في حديثه لـ"زوايا" إلى دورهم كجهة إشراقية مع وزارة الزراعة لتسويق الأسماك من غزة للضفة، فقال " يتم تجميع كمية الأسماك وتعبئة التجار طلبات التصدير لدى وزارة الزراعة، وتحويلها إلى جمعية التوفيق لحجز دور لهم على المعبر، وذلك بعد مصادقة اللجنة الحكومية المختصة على الكمية والشروط الفنية لشحنة السمك"، مضيفاً " أحياناً تكون قرارات اللجنة متغيرة من يوم لآخر، بحيث يمكنها زيادة كمية شحنة التصدير للتجار، حال كان هناك وفرة في الأسماك ".

وكما الصياد الهسي، حاول العجلة عقد مقارنة فقال " إن كفاية غزة من سمك الغزلان في اليوم طن واحد فقط، ويكون سعره متدني وغير مجدي يتراوح من 20-25 شيكل، حيث يفترض أن يكون سعره الطبيعي 35 شيكل، ولكن عندما يتم تسويقه للضفة، يكون سعره ليس أقل من 45 شيكل"، متسائلاً "لماذا يصل سعر الجمبري في غزة 25- 30 شيكل، بينما في الوضع الطبيعي يجب أن يباع بسعر 45 شيكل؟"، علماً أن الجمبري الذي يتم تصديره، ليس هو الذي يفترض أن يباع في غزة بسعر 45 شيكل، وإنما ذو السعر 80 شيكل فأكثر والذي ليس بمقدور الغزيين شراؤه".

وأكد العجلة، أن كل ما يتم تصديره، هي فقط الأسماك الكبيرة وغالية الثمن مثل "الجمبري والكلماري  والسلطعون الكبير"، منوهاً إلى أن المشطاح الواحد من السمك الذي يتم تصديره يكلف صاحبه من 1200-2000 شيكل، حيث أن كل كيلو من السمك المُصدر يضاف إليه من 12-15 شيكل تكون بمثابة تكلفة مواصلات.

بدوره، أكد نقيب الصيادين نزار عياش، أن نقابته طالبت وزارة الزراعة مراراً وتكراراً، بزيادة كمية التصدير للأسماك البحرية بنسب تضمن المنفعة للصيادين والتجار وأسرهم، وبما يعود بمردود اقتصادي على المجتمع الفلسطيني في غزة، وبما يوفر الأسماك الطازجة للشق الثاني من الوطن.

وبرر عياش لـ"زوايا" طلبهم، بأن ما أسماها "الأسماك الغالية" لا يستطيع المواطن الغزي شراؤها لضيق الحال، عاداً أنه في حال عدم التصدير تنخفض أسعار الأسماك، وتتوقف الكثير من المراكب عن العمل لعدم تغطية المردود لمصاريف المحروقات وغيرها .

أما بالنسبة للاكتفاء من الأسماك، فقد أكد عياش أنه يوجد نقص في المطلوب لسد الاحتياج المحلي، ولكن لا توجد مقدرة للمواطن الغزي على شراء الأسماك غالية الثمن.

وتطرق عياش إلى أن كميات الأسماك التي يتم إستيرادها من مصر تباع في السوق المحلي وتسد جزءاً من احتياج السوق الغزي، ولكنه –في نفس الوقت- اعتبر أن إدخالها يشكل ضراراً على الصيادين ومن شأنه أن يدني أسعار أسماكهم.

رافد اقتصادي

من ناحية تحليلية،  أكد الصحفي محمد الجمل الكاتب والمحلل في الشأن الاقتصادي، أنه من المفترض أن يشكل قطاع الصيد البحري جزء مهم في رفد الاقتصاد المحلي وتحسينه، من خلال توفير احتياجات السوق المحلية من جانب، ومن خلال تخصيص جزء من هذا الصيد للتسويق للضفة الغربية، التي لا تمتلك شواطئ بحرية، وبالتالي تعتبر أسواقها مكاناً ملائماً لتسويق الأسماك.

لكن الجمل اعتبر في حديثه لـ"زوايا" بأن قطاع الصيد المنهك للأسف "يفتقد لتنظيم حقيقي يوازن بين حاجة السوق ووضع الصيادين"، مشيراً إلى أن كميات الأسماك المتذبذبة التي ينجح الصيادون في إخراجها من البحر لو عرضت كلها في السوق لن تسد أكثر من 60% من حاجة المواطنين.

وأضاف: وهذا يفسر التوسع المستمر في عمليات الاستزراع السمكي، ويتطلب من جهات الاختصاص تبني استراتيجية تسويقية غير ثابتة، تتغير بتغير الفصول ونوعيات الأسماك، بمعنى أن يخضع التصدير لضوابط وفق الكميات التي يتم صيدها، فلا يعقل أن يتم تصدير كميات من الأسماك تحتاجها السوق المحلي، وفي نفس الوقت نحن بحاجة لدعم الصياد.

ويرى الجمل أن المعادلة الأسوأ فيما سبق، هي استغلال بعض التجار للصيادين، فكميات الأسماك التي تعرض صباح كل يوم في مزادات علنية هي حصيلة تعب وجهد يستمر أكثر من 12 ساعة، يتخلله الكثير من المصروفات التي يدفعها الصيادون في رحلتهم الخطرة، لكننا نجد أن بعض التجار يشترون الأسماك بأسعار زهيدة من الصيادين، ويبيعونها في أسواق الضفة بأضعاف ثمنها، وهذا يتطلب أيضاً أن تقوم جهات الاختصاص بفرض رقابة على الأسعار لحماية الصياد ووقف استغلاله، وتغريم كل تاجر يثبت استغلاله لحاجتهم.

وأكد الجمل أنه من الواضح أن كميات الأسماك التي يتم صيدها في شواطئ قطاع غزة، تتراجع عام بعد عام، ولا يمكن الاعتماد على الصيد في توفير احتياجات السوق المحلي وكذلك التصدير، لذلك لا بد من التوسع بالاستزراع السمكي، خاصة أسماك المياه المالحة مثل "الدنيس والقاروص والجمبري" وغيرها من الأنواع التي نجحت في المزارع السمكية.

وتابع: من المهم تبني طرق تربية حديثة توفر التكلفة، وهو ما بدأ بالفعل عبر تربية الأسماك في أقفاص بحرية، فهذا المجال يعتبر من أفضل مجالات الاستثمار المستقبلي، التي ستقدم دعم جديد وحقيقي للاقتصاد المحلي، وتجعل أسواق الضفة الغربية تأخذ احتياجها من الأسماك من قطاع غزة، بدلاً من الاستيراد من الاحتلال.

وأكد الجمل أنه وحتى لا يتعرض الصيادين للظلم، ويفقدوا مصادر دخلهم في حال حدث توسع في الاستزراع، يمكن دعمهم بمشروعات صغيرة ليصبحوا هم رواد في هذا المجال، فهم أولى من غيرهم بإدارة مزارع الأسماك المستقبلية، كونهم يمتلكون خبرات في هذا المجال، خاصة اذا ما تحدثنا عن أقفاص بحرية تحتاج دخول البحر مرتين كل يوم لوضع الأعلاف والمتابعة

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo