تقرير "أمنستي" ... ضربة في أصل وجود"إسرائيل"

منظمة العفو الدولية
منظمة العفو الدولية

1. ضربة في أصل وجود إسرائيل

جاء تقرير منظمة العفو الدولية (امنستي) ليشكل ضربة قوية وصادمة لدولة الاحتلال الاسرائيلي, ليس في اجراءاتها العدوانية, بل في اصل وجودها وقيامها, اذ انه اعتبرها الدولة القائمة العنصرية, والعنصرية هنا تعادي وتناقض كل القيم الانسانية والحضارية والقانونية.

هناك المئات من التقارير التي صدرت ووصمت اسرائيل بكل الصفات المعيبة والمشينة, مثل دولة الاحتلال والمتعالية على القانون الدولي والرافضة للقيم الانسانية والدولة القائمة على الوحشية والتطهير العرقي, بما لا يسع المقال لذكر كل هذه الاوصاف.

ان اهمية وخطورة التقرير تكمن في انه لا ينظر فقط الى الجرائم والانتهاكات الاسرائيلية باعتبار انها تخالف القانون الدولي, بل انه يضرب في اصل وجود الاحتلال من حيث قيامه على مبدأ الجريمة وتقنينها والدفاع عنها , استمرارا للنظام الذي أسسته الحركة الصهيونية في فلسطين على أساس أنه نظام احلالي استيطاني قام منذ نشأته  على مبدأ التطهير العرقي  والتهجير والتدمير والقتل. أن تقرير المنظمة الدولية ذهب ابعد من ذلك حين اعتبر أن اسرائيل قامت في اصلها كقوة احتلال , الا انها ايضا لم تقم بالتزاماتها كقوة احتلال في مراعاة القانون الدولي وخرقت كل القوانين لتثبت وجودها على حساب الشعب الفلسطيني من خلال استخدام كل الوسائل الوحشية.

ان التقرير شاهد على تاريخ دولة الاحتلال الطويل والمحترف في ارتكاب الجرائم والتستر عليها, انه ليس مجرد سرد لوقائع او استعراض للإحصاءات والارقام, بل هو منهج علمي احترافي يستند لبحث تاريخي وميداني علمي وموضوعي استغرق أربعة اعوام , عمل عليه ثلة من خيرة الخبراء والباحثين الدوليين المختصين في متابعة قضايا العنصرية والاحتلال في مختلف مناطق العالم. لقد أعلن بوضوح وبدون تردد او مواربة  "ان إسرائيل هي دولة تمييز عنصري ونظام أبارتهايد".

إن الملفت للنظر في محتوى تقرير (أمنستي) أنه لم يقصر تشخيصه في الاراضي الفلسطينية على مجرد انتهاكات بقدر ما اعتبر ما يجري باعتباره صراعا شاملا للأرض الفلسطينية كلها، إضافة إلى اللاجئين في الشتات , فنظام الأبارتهايد الإسرائيلي يطال الـ 13 مليون فلسطيني حيثما وجدوا».

ان وسم دولة الاحتلال بأنها دولة الفصل العنصري  قد أضحى حقيقة دامغة مثبتة بالأدلة والقرائن التي لا يمكن مواجهتها أو دحضها، لا سيما وأن هذا الوسم يأتي من قبل مؤسسات قانونية وحقوقية معتبرة وذات باع طويل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.

ان مجلة مثل نيوزويك (Newsweek) الأميركية الشهيرة التي تقف دوما الى جانب اسرائيل وتدافع عنها وتبرر لها جرائمها وتصرف خصومها بالإرهابيين والكارهين لإسرائيل, اضطرت للاعتراف بخطورة ما أوردته منظمة امنستي , ونشرت على صفحاتها اهم واخطر الاستنتاجات الواردة وهي" ان سياسات إسرائيل جزء من "هجوم منهجي وواسع النطاق موجه ضد السكان الفلسطينيين، وأن الأعمال اللاإنسانية أو المهينة التي ارتكبت في سياق هذا الهجوم قد ارتكبت بقصد الحفاظ على هذا النظام، وترقى إلى جريمة الفصل العنصري ضد الإنسانية".

غير أن دولة الاحتلال التي طالتها مئات التقارير التي هاجمتها في كل سياساتها واجراءاتها منذ العام 1948 قد تبلدت" وأصبحت تتعامل مع هذه التقارير بنوع من الاستخفاف والتعالي واتهام من يقف وراءها بكل الاوصاف والنعوت مثل معاداة السامية وكراهية اسرائيل ودعم الارهاب !!

2. الملخص لجرائم الاحتلال

التقرير هو عبارة عن  رصد دقيق ومركز لمجمل الجرائم المنفذة ضد الشعب الفلسطيني في كل الأراضي المحتلة من الضفة وغزة ومناطق 48،ويصل الى نتيجة حاسمة وحازمة ان إسرائيل دولة ابارتهايد وانها ترتكب الجرائم بشكل ممنهج ومنظم ومستمر , وان هذه الجرائم تصل الى درجة جرائم ضد الانسانية وتناقض القانون الدولي بشكل صارخ.

 لقد اشتمل  التقرير تعريف عمليات القمع والقتل والعزل والحصار وهدم المنازل والاستيطان وجدار الفصل، على أنها سياسات فصل عنصري وبأنها جرائم حرب وضد الإنسانية،  والاخطر من ذلك ان كل مؤسسات دولة الاحتلال, سواء كانت مدنية أو عسكرية تشارك في ارتكاب هذه الجرائم وتضع القوانين والتشريعات فضلا عن الاجراءات العملية لتنفيذها والتي انتهجت منذ العام 1948.

 ان من اهم الجوانب التي يمكن قراءتها من بين السطور في تقرير "امنستي" أنه يفند ويدحض المزاعم الاسرائيلية أما الرأي العام العالمي عن «الدولة الديمقراطية» وعن رغبتها في السلام مع الفلسطينيين والتعايش مع الجيران  ومحاربة الإرهاب.

ان الفصل العنصري هو واحدة من الجرائم الكبرى المجبولة عليها دولة الاحتلال, فسجلها حافل بالمجازر وسرقة الاراضي وبناء المستوطنات, وبالتالي فان المكون العظمي واللحمي لهذه الدولة ما هو الا مجموعة من الوسائل الوحشية المقننة بقانون الغاب.

ان جرائم اسرائيل لا تعد ولا تحصى, ولا يكاد يمر يوم في الاراضي الفلسطينية الا وترتكب جريمة جديدة , وان الصور المرعبة التي يتلقاها العالم عن الحروب التي شنت على قطاع غزة وخلف الالاف من الضحايا والبيوت المدمرة ما هو الا نموذج مصغر لمسلسل الجرائم المتنوعة والمتعددة والمغلفة بغلاف الدفاع عن النفس ومحاربة الارهاب.!!

3. النفاق الدولي

مثل هذا التقرير يجب ان يوقظ الضمير العالمي للدول التي تدعي حرصها على احترام حقوق الانسان ومنع كل اشكال الاحتلال والعنف والاستيلاء على حقوق الغير بالقوة, لكن ما يصدم فعلا ان ما يسمى بالمجتمع الدولي مر على هذا التقرير مرور الكرام, بل انه حاول ان يتهرب من توجيه أي نقد لاسرائيل او الطلب منها – على الاقل – مراجعة قوانينها وسياساتها.

اقرأ أيضاً: "أمنستي" تمنح الفلسطينيين هدية لاستثمارها ضد "إسرائيل".. فهل تُستغل؟

ان الاتحاد الأوروبي، الذي يتفاخر بأنه المناصر لحقوق الانسان والمدافع عن حرية الشعوب, قد تعامل مع التقرير بنوع من الاستخفاف ومحاولة الالتفاف على النتائج الواردة فيه من خلال القول انه "حريص" على واحترام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من قبل الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، والمساءلة عن الانتهاكات المرتكبة".

ان بعض الدول الغربية سارعت الى وصف التقرير باللاموضوعية والانحياز لصالح الفلسطينيين ضد إسرائيل، رغم ان التقارير الصادرة عن أمنستي بخصوص دول اخرى تنال حظا كبيرا من المواقف والتصريحات بل ورفعها الى منابر الامم المتحدة ومجلس الامن من اجل فرض عقوبات عليها !!.

ان دولا كثيرة مثل العراق والسودان وليبيا وايران سبق وان  تعرضت الى اشكال مختلفة من العقاب والملاحقة بسبب اتهامات وهمية لم يقم عليها دليل, بينما اسرائيل التي تسبح في بحر من الجرائم الفاقعة والساطعة لا تجد من يستنكر افعالها او يتجرأ على نقدها واستنكارها.

ان تقرير امنستي دليل دامغ على تجذر النفاق في المجتمع الدولي وعلى غياب مصداقيته وانحيازه للظلم على حساب الضحايا.

ان هؤلاء الذين يتشدقون ليل نهار بالديمقراطية والبكاء على حقوق الانسان وحق الشعوب المظلومة عليهم ان  يشعروا بالعار والخجل من افعالهم وسياساتهم المشينة.

4. حالة الهلع والرعب في اسرائيل

أما اسرائيل فقد اصابتها الصدمة بسبب التقرير وما ورد فيه من اتهامات حادة لم تسمعها بهذه النغمة من قبل , لذا فقد سارعت الى الكشف عن انيابها وتجنيد كل وسائل الاعلام لديها لشن حرب ضارية على التقرير ومن يقف خلفه. ولخص المراسل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت» إيتمار إيخنر الهلع الذي اصاب دولة الاحتلال بقوله إن «تقرير أمنستي الواقع في 211 صفحة من المتوقع أن يكون واحدا من أصعب التقارير ضد إسرائيل».

أما سفير اسرائيل في الولايات المتحدة مايكل هرتسوغ، فهاجم التقرير بقوله ان "تقرير أمنستي بريطاني، ينتمي لتصنيف نزع الشرعية الأيديولوجية عن حق إسرائيل في الوجود كدولة قومية لليهود". واكدت وزارة خارجية الاحتلال أن "إسرائيل ترفض رفضا باتا كل الادعاءات الكاذبة في التقرير الذي يجمع ويكرر أكاذيب، ادعاءات ومزاعم باطلة".

وقد بدأت الماكنة الاعلامية الاسرائيلية تسليط هجومها على المنظمة الدولية بقولها انها تريد اقناع العالم بعدم "شرعية" اسرائيل وانه لا مكان لها تحت الشمس , كما زعمت أن «الحملة ترمي أيضا إلى التأثير على المدعي العام في المحكمة الدولية، في محاولة لدفعه نحو رفع لوائح اتهام ضد مسؤولين إسرائيليين على ارتكاب جريمة الأبارتهايد".

ان اسرائيل لم تجد ما تدحض به براهين وادلة التقرير الا بهجوم باهت وضعيف  لا يستند الى حقائق واثبات مضادة. 

يمكن القول ان اسرائيل قد تعودت على الكثير من التقارير التي تهاجم سياساتها في الاراضي الفلسطينية لكنها لم تتعود على التقرير التي تضرب في عصب وجودها وتصفها بأنها دولة فصل عنصري , وهي التي عملت طوال عقود على اقناع العالم بأنها الضحية وأن الفلسطينيين هم من يسعون الى ابادتها ومحوها عن الوجود.

5. حان الوقت للمحاسبة والمحاكمة

كما يقول كثير من الخبراء في القانون الدولي فان تقرير منظمة العفو الدولية هو مادة قانونية بشهادة دولية على أن اسرائيل دولة فصل عنصري، ويصنف جرائم الفصل العنصري بموجب نظام روما واتفاقية جنيف عام 1949 من الجرائم ضد الانسانية.

تكمن أهمية التقرير في انه دليل دامغ وبرهان غير قابل للجدل على الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة في الأرض المحتلة، وأنه يمكن توظيف التقرير واستخدامه أمام الجنائية الدولية والعدل الدولية وأي قضاء عالمي آخر، كما يمكن استخدامه للهيئات والمؤسسات الدولية خاصة اتفاقات الأمم المتحدة لحقوق الانسان لكشف القناع عن الوجه المعتم لدولة الاحتلال وتعرية صورتها "الجميلة" التي خدعت الكثير من الدولة والمؤسسات بأنها واحة الديمقراطية في الشرق الاوسط وأن جيشها من اكثر الجيوش اخلاقية في العالم.

لقد تضمن التقرير مجموعة من الدعوات مثل دعوة الجنائية الدولية للنظر بجريمة الفصل العنصري، ومناشدة الدول لتقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري للعدالة، ودعوة الحكومات الى عدم تزويد إسرائيل بالأسلحة , مما يفسح الفرصة امام جولة جديدة لمحاسبة اسرائيل على جرائمها.

صحيح ان التجربة ليست مؤملة ", اذ ان هناك عشرات التقارير الدولية التي دمغت اسرائيل بارتكاب الجرائم فضلا عن مئات التقارير التي صدرت عن الامم المتحدة ومجلس الامن لم تجد طريقها للتنفيذ , لكن ذلك لا يمنع من المحاولة لاستغلال هذا التقرير استغلالا جيدا في رسم صورة جديدة للصراع في الاراضي الفلسطينية

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo