السرطان الأعلى في الخليل: ماعلاقة نفايات الاحتلال؟

مخلفات الاحتلال في مكبات الضفة الغربية
مخلفات الاحتلال في مكبات الضفة الغربية

يؤكد أطباء وأخصائيون لـ "زوايا" أن محافظة الخليل تليها بيت لحم هما الأعلى بنسبة الإصابة بالسرطان مقارنة بالمحافظات الأخرى، إذ يُقربون المجهر أكثر على بلدة يطا شرق الخليل، ذلك أنها الأكثر تصدراً لنسبة المصابين بالسرطان بالنسبة لعدد السكان، وهو ما يولد تساؤلاً: لماذا؟، وهل من علاقة مع مخلفات الإحتلال "المجهولة" التي يتم قذفها فوق وتحت الأراضي المفتوحة في المنطقة الجنوبية؟
 

إشكالية "الأرقام الحقيقية" لمرضى السرطان

وبالنظر إلى أحدث تقرير صادر عن وزارة الصحة، قبل أيام، حول مرض السرطان في فلسطين خلال عام 2020، فإنه سجل معدل حدوث 115.8 إصابة لكل 100 ألف من السكان في الضفة الغربية، بواقع 50.7% إناث مقارنة بالذكور المصابين بالمرض.

لكنّ الإشكالية في تقارير وزارة الصحة السنوية، التي تصدر للإعلام، تبدو حذرة في عقد مقارنات بين المحافظات، وإنما تكتفي بالتفصيل بين الضفة وغزة فقط، علاوة  على عقد مقارنة جندرية بين الذكور والإناث وأنواع السرطانات الأكثر شيوعاً. وأقر مصدر من وزارة الصحة الفلسطينية لـ "زوايا" أن أعداد المصابين بالسرطان والنسب الخاصة بالمحافظات، يُعتبر موضوعاً "شائكاً"، وخاصة ما يتعلق بالنسب الحقيقية الخاصة بكل محافظة.

أخصائي الجراحة العامة والمنظار د.جهاد شاور، اعتبر في حديث لـ "زوايا"، أن تقارير وزارة الصحة "غير دقيقة"، ولا تجمل كامل التفاصيل، بحكم تجربته ومعاينته الواقع في الخليل، كطبيب وأيضاً ترؤسه أحد المستشفيات الخاصة بالمدينة في أوقات عديدة.

اقرأ أيضاً: النباشون بغزة.. مهنة الفقراء لا تخلو من المخاطر!

وأشار إلى أنه، بالمقارنة بين معاينته المباشرة للحالات المصابة بالسرطان في الخليل عام 2020، وبين الأرقام الواردة في تقرير وزارة الصحة، فإنه يستنتج بأن هذا التقرير يفتقر إلى الدقة؛ ذلك أن وزارة الصحة تعتمد نماذج خاصة، وتقوم بتوثيق الحالات التي تعاينها المستشفيات التابعة لها فقط. وتساءل: "لكن ماذا عن مرضى السرطان الفلسطينيين الذين يتوجهون إلى مستشفيات إسرائيلية وغيرها؟".
 

"الحالات المصابة بالسرطان في الخليل أعلى من التقرير الرسمي"

ويعتقد الدكتور جهاد شاور أن هناك إشكالية في الأرقام الحقيقية لعدد المصابين بالسرطان في فلسطين، إلا أنه مع ذلك، أعرب عن جزمه بأن نسبة المصابين بالسرطان في الخليل هي الأعلى على مستوى المحافظات؛ لأسباب عدة، أبرزها القرب من موقع مفاعل "ديمونا" النووي الإسرائيلي، علاوة على مخلفات إسرائيلية، من أنواع مختلفة، يتم رميها في أراضي الجنوب.

وشدد الدكتور جهاد شاور على أن هناك شيئاً ما، يتسبب أن يزيد نسبة السرطانات في الخليل، مستذكراً أن فريقاً أمريكيا أجرى بحثاً قبل سنوات على تربة الخليل، فوجد أنّ نسبة التلوث في تربة الخليل يفوق الطبيعي بثلاثين مرة. وأعرب شاور عن أسفه لعدم وجود مختبرات مجهزة فلسطينياً لمتابعة هذا النوع من الفحوصات.

وتمنى الدكتور شاور أن يكون لدينا مركز وطني للسرطان يتولى عمليات الأبحاث والتوثيق الحقيقي لأعداد المصابين بالسرطان، مشيراً إلى أن هذا المرض "خطف زوجته عام 2014"، وهو ما جعل الموضوع عائلياً بالنسبة له، فضلاً عن كونه طبياً يخص مهنته.
 

لماذا يلقون المخلفات في أراضينا؟

من جهته، أكد الخبير بالبيئة د.مروان حداد لـ "زوايا" أن هناك كميات كبيرة من المخلفات الإسرائيلية يتم رميها في الخليل عموماً، تليها بيت لحم وبيت جالا.

وبشأن خطورة هذه المخلفات الإسرائيلية وطبيعتها، أوضح الدكتور حداد أنه للإجابة على هذا السؤال، لا بد من طرح تساؤلي عكسي وبسيط، مفاده: "لماذا يلقونها في أراضينا ما دامت مخلفات غير خطيرة؟!".

وتابع حداد: "واضح أن هذه المخلفات تحتوي على مواد خطيرة، ما يدفعهم إلى التهرب من المسؤولية القانونية وغير الصحية، وبالتالي "الأسهل رميها في محافظات الضفة وخاصة جنوبها.. نعم، أنا أشك بهذه المخلفات، ولها خطورة على الصحة". 

أشار الدكتور حداد إلى تقارير قدرت حجم المخلفات الإسرائيلية السنوية بواقع 240 ألف طن، ويتم قذف أغلبها في جنوب الضفة الغربية (الخليل وبيت لحم). واكد ان المواطنون يتحدثون عن سيارات وشاحنات بأعداد كبيرة، تقوم كل يوم بإلقاء هذه المخلفات في أراضينا، مبدياً استغرابه عن سبب عدم قدرة السلطة على منع هذه السيارات المحملة بالمخلفات الإسرائيلية "الخطيرة".

وانتقد د.مروان حداد الدور الرسمي، بالقول: "وكأن عين شايفة وتقوم بتعداد الكميات، وعين اخرى تتظاهر بأنها لا ترى".

الخليل أكبر مكب للنفايات الإسرائيلية..لماذا؟

ويُفسر الدكتور حداد، جعل الخليل المكان الأكبر للمخلفات الإسرائيلية، لوجود مساحات شاسعة في أراضي الجنوب، في حين أن منطقة شمال الضفة تفتقر للأراضي الفارغة الواسعة لأن أغلب مساحتها يسكنها فلسطينيون، ومن الصعب إلقاء النفايات الإسرائيلية فيها.

وأوضح أنه قبل سنوات، كان الإحتلال يُلقي نفاياته في منطقة سلفيت، لكن هذا شهد تراجعاً، وتحول التركيز الاكبر نحو جنوب الضفة، نظراً لاشتماله على أرض مفتوحة وواسعة.
 
الواقع، أن الإشكالية تكمن في عدم وجود تحاليل مخبرية فلسطينية قادرة على تحديد حجم الخطر.. لكن، لماذا يجهد الإحتلال نفسه بالإتيان بنفايات ومخلفات من أماكن بعيدة، وصولاً إلى أراضينا الفلسطينية بالضفة، ويدفعون مقابل ذلك أموالاً طائلة فقط لإفراغها في أراضينا؟
 

تواطؤ أطراف فلسطينية!

وعبر الدكتور حداد عن جزمه بأن أطرافا فلسطينية متواطئة مع الاحتلال في رمي هذه النفايات في الأراضي الفلسطينية دون حسيب أو رقيب، وإلا ما هو تفسير استمرار الاحتلال بقذف مخلفاته الخطيرة في أراضي الضفة، وخاصة الجنوب، منذ سنوات طويلة، تحت أعين السلطة وعلم الجميع، "ولا أحد يضع في الإناء حجر".
 
ودق الدكتور حداد ناقوس الخطر لهذه المخلفات الإسرائيلية؛ ذلك ان مخاطرها لا تكون الآن أو في السنة الاولى، وإنما تزداد خطورتها مع مرور الزمن، سنة وراء سنة، نتيجة تخمرها وتحللها وامتدادها للمياه الجوفية والتربة، فهذا أذى كبير. وتابع: "منذ زمن وأنا تحدث بالموضوع، لكن للأسف نحتاج إلى موازنات للحفر وأخذ العينات وإخراج تقارير دقيقة بشأن مخاطر المخلفات الإسرائيلية المذكورة، غير أنّ سلطة البيئة عملت أكثر من فحص، لكن لا نعلم إلى ماذا توصلت".
 
وقد وثق موقع
"زوايا"، روايا لسكان من يطا وبني نعيم شرق الخليل، تفيد أنهم يلاحظون بعض الحفر المغمورة بباطون مُسلح، ومرفقة بإشارة حمراء، وهو ما يدعوهم إلى الافتراض بأن الاحتلال قد وضع بها مخلفات خطيرة.
 

تخصصية المناطق الفلسطينية حسب نوع المخلفات الاسرائيلية

في المقابل، قال مدير مكتب سلطة جودة البيئة في الخليل بهجت جبارين لـ "زوايا"، إن الاحتلال الإسرائيلي يعتبر الضفة الغربية مكاناً لممارسة أنشطته المختلفة، بما فيها كب النفايات الصناعات الخطيرة، إضافة إلى تلك التي تكلف معالجتها أموالا طائلة، فيتم التخلص منها في الضفة. 

وأضاف جبارين أن كافة أراضي الضفة من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها هي مواقع لكب نفايات الإحتلال، مشيراً إلى تقسيم الإحتلال لهذه المناطق حسب "التخصصية" وصنف النفايات الذي يتم القاؤها في كل منطقة..فمثلاً، يلقي الاحتلال في شمال رام الله، النفايات المتعلقة بنفايات الأبنية والردم ومكبات النفايات الإسرائيلية المختلفة، بينما يستهدف الأغوار بنفاياته الخطيرة التي تختلط بالتربة. وأما شمال الضفة الغربية، فيخصها بالنفايات الصناعية الكيماوية. في حين يلقي النفايات النفايات الكهربائية والإلكترونية في جبل الخليل، وهذه نفايات خطيرة دولياً.
 

أكثر من 300 ألف طن من النفايات الاسرائيلية الخطرة سنوياً

وحسب جبارين، فإنّ الإحتلال ينتج أكثر من 300 ألف طن من النفايات الخطرة سنويا ومعظمها يتخلص منها في الضفة، مشيراً إلى أنّ ما يتعلق بالنفايات الإلكترونية والكهربائية  التي تُلقى في أراضي الخليل شهريا، فإن حجمها لا يقل عن 15 ألف طن سنوياً، وأن 90 بالمئة من النفايات في الخليل هي إسرائيلية.
 
وبخصوص النفايات الصناعية والكيميائية، أكدت سلطة جودة البيئة لـ
"زوايا"، أنه تم ضبط  عدة شحنات محملة بهذه النفايات، وقام الطرف الفلسطيني الرسمي بارجاعها للاحتلال من خلال سكرتارية اتفاقية بازل، والتي يُعد الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي طرفين بالإتفاقية.
 

سلطة البيئة: لم نجد دليلاً على نفايات نووية

وحول الحديث عن نفايات نووية في جبل الخليل، قال جبارين إن لدى سلطة جودة البيئة اجهزة لفحص نسبة الإشعاعات، وأنهم قاموا بعمل فحوصات بالمواقع التي تم الحديث عنها في وسائل اعلام، لكنهم لم يتمكنوا من إيجاد أي دليل على ذلك حتى اللحظة.

واستبعد جبارين ذلك، لأن الاحتلال يحاول التخلص من النفايات النووية في الخارج وليس بالداخل، من منطلق خشيته على المستوطنين الجاثمين على الأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية.
 
لكنّ جبارين حذر من النفايات الكيماوية الصناعية والكهربائية والإلكترونية، والتي تحتوي على عناصر ثقيلة وهي مسرطنة وتنتقل إلى التربة والإنسان والحيوان. ونوه إلى أنّه بالتقدير العالمي، فإن التلوث البيئي يحتل نسبة خمسين بالمئة من الأسباب المؤدية لمرض السرطان.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo