النمو المستحيل.. قطاع الاتصالات الفلسطيني بمواجهة الاحتلال الرقمي

خطوط الارسال
خطوط الارسال

يشكل النمو المدفوع بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في فلسطين وسيلةٌ ممكنة لتحقيق الإزدهار الاقتصادي، وتحقيق تقرير المصير الوطني، ولكن ديناميات القوة التي تحدد معالم هذا القطاع، والمتمثلة في الهيمنة الإسرائيلية ومجتمع المانحين الدولي والسلطة الفلسطينية والرأسماليين الفلسطينيين المغتربين تُقيِّدُ قدرَته على التنمية وإحداث تغييرٍ اقتصادي مستدام في حياة الفلسطينيين.

وخلال ورقة سياسية أعدها "ديفيد مصلح" المستشار الاقتصادي الفلسطيني الألماني لشبكة الدراسات السياسية أكد أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الفلسطيني لن يزدهر طالما واصلت إسرائيلُ احتلالَها العسكري والرقمي للفلسطينيين، حيث لا تزال الحكومة الإسرائيلية، بوصفها سلطة احتلال، تمارس سيطرتها الكاملة على المجال الكهرومغناطيسي لفلسطين، بالرغم من اعترافها الرسمي بحق الشعب الفلسطيني في امتلاك نُظم اتصالات مستقلة بموجب المادة 36 من الملحق الثالث لاتفاقات أوسلو لعام 1995.

وتكشف الورقة السياسية أن إسرائيل  حرصت على أن تكون وظيفة خطوط الاتصالات الفلسطينية بمثابة امتداد للشبكات الرئيسية الإسرائيلية التي تجوب الضفة الغربية لربط المستوطنات الإسرائيلية العشوائية، فمكالمات الخطوط الأرضية داخل فلسطين المحتلة والصادرة منها، تمر عبر إسرائيل، ولا يملك الفلسطينيون مفتاح إنترنت مستقل، ولا بوابة اتصالات دولية مستقلة.

وأوضحت الورقة أن دولة الاحتلال تتذرع دائما بالمخاوف الأمنية لمنع التجار الفلسطينيين من استيراد معدات متطورة للاستخدام التجاري، كما تمنع شراء المعدات التكنولوجية إلا من خلال الموردين الإسرائيليين، بل إن وزارة الاتصالات الإسرائيلية تُنظِّم السوق لمجموعة الاتصالات الفلسطينية وأوريدو فلسطين، بحيث يتوجب على هذه الشركات الفلسطينية أن تتقدم بطلب إلى الوزارة من أجل الحصول على نطاقات عريضة أوسع وموجات خلوية أطول.

وتعزي الورقة تخلف البنية التحتية لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلى الحظر الإسرائيلي المفروض على مدّ الألياف الضوئية لمنازل الفلسطينيين، وتقييد الاستخدام الخلوي لترددات الجيل الثاني في غزة والجيل الثالث في الضفة الغربية.

اقرأ أيضاً: ترشيح الشيخ وفتّوح لمواقع بالمنظمة: مآخذ شخصية أم جوهرية؟

ويُقدِّر البنك الدولي الخسائر التي تكبدها سوق الاتصالات الخلوية الفلسطينية في الأعوام 2013-2015 ما بين 436 و1150 مليون دولار كنتيجة مباشرة للقيود الإسرائيلية.

ولتجاوز العراقيل الإسرائيلية عكفت السلطة الفلسطينية طوال العقدين الماضيين على اتباع استراتيجية تنموية لإقامة صناعة تكنولوجيا معلومات واتصالات فلسطينية من خلال الانخراط في النمو الإنتاجي وتوسيع قدراتها في إدارة الريوع لِما لها من أهمية خاصة لقدرة السلطة الفلسطينية على تغيير ديناميات القوة من أجل اكتساب حرية اقتصادية أكبر.

وبحسب الورقة السياسية عملت السلطة جاهدةً من أجل استحداث طبقة رأسمالية وطنية ستبني لاحقًا صناعة تكنولوجيا معلومات واتصالات قائمة على السوق، كما استجاب مسؤولو السلطة لدعوة من الفلسطينيين المقيمين في بلدان الخليج الذين تعهدوا، في البداية، بممارسة دور فعال في تشييد البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الفلسطينية.

وبموجب الاتفاق، مُنح الرأسماليون الفلسطينيون المغتربون - الذين أسَّسوا شركة الاتصالات الفلسطينية، الحقَّ المشروط في  التراخيص مقابل استثمارات طويلة الأجل في تنمية القدرة الإنتاجية، بما فيها تعزيز التعلم التكنولوجي واستحداث فرص عمل مُجزية.

ويبين "ديفيد مصلح" المستشار الاقتصادي في ورقته أن الرأسماليين الفلسطينيين المغتربين سعوا إلى تفادي الانتقادات العامة تجاه تعاونهم مع إسرائيل وتشجيعهم عليه، ولهذا غلب الطابع غير الرسمي على تحالفاتهم مع إسرائيل، ما أثر سلبا على  العمل في دور وزارة الاتصالات كنقطة اتصال مركزية ووحيدة بين كلا الطرفين، في المقابل ضمن  النفوذ والسيطرة الاسرائيلية على التنمية في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية الفلسطينية.

وتسيطر إسرائيلُ سيطرةً كاملة على استحداث مكاسب التكنولوجيا الفلسطينية وتوزيعها، وتضمن هيمنةَ شبكات الاتصالات الإسرائيلية، بما فيها نُظم المراقبة، فيما لا تزال السلطة الفلسطينية غير راغبة في تهيئة ظروف الإطار التنظيمي، ولم تسعَ إلى تعزيز دور وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهذا يُسهم في نهاية المطاف في تنفيذ سياسات وزارة الاتصالات الإسرائيلية في ظل التسوية السياسية الحالية.

ويعني هذا الواقع بحسب الدراسة بأن السلطة الفلسطينية لم تعزز سياسات ريادة الأعمال؛ وكل ما تمكنت من تحقيقه هو تقدمٌ على المدى القريب والمتوسط في تنمية قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية بهدف جني ربح أعلى.

وطالبت الدراسة بمواصلة الضغط السياسي على إسرائيل حتى تُخفِّف قيود الاستيراد، ولا سيما المفروضة على تكنولوجيا الجيلين الرابع والخامس، بالإضافة إلى إنشاء منصة تُمكِّن أصحاب المصلحة من التواصل ومواءمة جهودهم في تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

كما دعت السلطة لتكليف جهة مستقلة بإجراء دراسات لتقييم السوق كي تضمن اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة، وتعزيز العلاقات مع الشركاء الإقليميين والعالميين، لاكتساب خبرةً قيّمة في تطوير قدراتها في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولا سيما فيما يتعلق بسياسات التعليم الفعالة وغير المكلفة، والطرق المبتكرة للتغلب على أوجه القصور في التسويق.

المصدر : متابعة -زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo