القضاء الفلسطيني "يختنق" بمئات آلاف القضايا

القضاء الفلسطيني
القضاء الفلسطيني

تعاني المحاكم الفلسطينية من تكدس مئات آلاف القضايا المدورة منذ سنوات التي تنتظر التنفيذ أو الفصل فيها، الأمر الذي يضيّع حقوق المتخاصمين فيها، ويدفع بعضهم للجوء إلى أخذ الحق باليد "العنف" بدل القانون أو الاحتكام للقضاء العشائري.

آلاف القضايا متكدسة

ووفق تقرير جهاز الإحصاء للعام 2020، فقد بلغ عدد القضايا في المحاكم النظامية في الضفة الغربية غير المفصول فيها نحو 421 ألف قضية.

ويظهر تقرير الجهاز أن مجموع القضايا المدورة من السنوات السابقة والواردة للمحاكم النظامية خلال عام 2020 (698714) قضية، وتم الفصل في (277497) قضية منها.

أما في قطاع غزة، فقد بلغ عدد القضايا في المحاكم النظامية غير المفصول فيها في قطاع غزة، نحو 44 ألف قضية.

ويشير تقرير جهاز الإحصاء إلى أن مجموع القضايا المدورة من السنوات السابقة والواردة للمحاكم النظامية في غزة خلال عام 2020 ( 111424) قضية، تم الفصل في (67519) قضية منها.

ويظهر تقرير مجلس القضاء الأعلى للعام 2020، أن عدد القضاة في الضفة بلغ 207 قاضيا، أما في قطاع غزة فقد بلغ 29 قاضيا.

اقرأ أيضاً: هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية: عرضنا شخصيات بمناصب عليا على القضاء

وبيّن تقرير المجلس أن عدد المحاكم في الضفة وغزة 39 محكمة، بالإضافة إلى محاكم متخصصة، حيث يوجد بالضفة الغربية محكمة جرائم الفساد ومحكمة استئناف ضريبة الدخل ومحكمتا الجمارك البدائية والاستئنافية، ويوجد محكمة استئناف ضريبة الدخل في غزة.

حقوق ضائعة

وتعليقا على ذلك، قال الباحث الحقوقي في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، عمار جاموس لـ"زوايا"، إن السبب وراء الاختناق القضائي هو قلة عدد القضاة في المحاكم، ونقص عدد الموظفين والميزانيات والاعتمادات المالية للنفقات التشغيلية والمكاتب لدى القضاء، كما لا يوجد نظام العمل القضائي المسائي المعمول به في بعض الدول.

بالإضافة إلى عدم حضور الشهود من أجهزة الضبط القضائي الذين يتبعون الأجهزة الأمنية أو مفتشي الوزارات إلى المحكمة للإدلاء بشهاداتهم، مما يؤدي الى تأجيل الجلسات بالتالي تأخر إصدار القرار بالدعوى، خاصة بالدعوى الجزائية التي غالبا يكون فيها شهود إدانة، أي الأشخاص الذين أخذوا إفادة المتهم.

ورأى أن من أسباب تراكم القضايا في المحاكم غياب قضاء التسوية ولجان التوفيق والمصالحة، قبل رفع الدعوى لدى المحكمة للبت فيها، حيث ينظر في القضية ويحاول الإصلاح بين الأطراف المختلفة، وفي حال فشلت تذهب القضية للمحكمة النظامية.

وللتخفيف من "الاختناق القضائي"، اقترح جاموس، بمعاملة القضاء على قدم المساواة مع السلطتين التنفيذية والتشريعية، لأن البعض ينظر له على أنه مرفق أو دائرة في السلطة الفلسطينية، ويجب احترام قرارات المحاكم خاصة من قبل أفراد السلطة التنفيذية، كما يجب إقرار اعتمادات مالية كافية لتطوير القضاء وتوسيعه.

وأكد أن تكدس القضايا المنظورة أمام المحاكم ينعكس سلبا على حقوق المواطنين، لأن العدالة المتأخرة هي إنكار للعدالة، لذلك هدفنا ليس فقط الوصول للعدالة، بل الوصول للعادلة الناجزة، دون التأثير على ضمانات المحاكمة العادلة.

واعتبر أن تأخر البت في الدعوى المنظورة أمام المحاكم قد يدفع البعض للجوء إلى أخذ الحق بطرق أخرى دون القانون، مثل اللجوء الى القضاء العشائري أو أخذ الحق باليد.

ضعف إدارة الدعوى

أما القاضي السابق المحامي الدكتور أحمد الأشقر، فعدد خلال حديثه لـ "زوايا" أسبابا لتكدس القضايا بالمحاكم، وذكر منها سوء وضعف العمل الإداري بالقضاء، حيث يظهر عدم قدرة الجهاز الإداري على ضبط العمل داخل المحاكم وضعف قدرته على التوزيع العادل للقضاة في المحاكم، إضافة الى النقل المتكرر لهم، وعدم وجود تشريعات متطورة تعالج أسباب بطء سير إجراءات المحاكم.

ومن أسباب التأخر في إصدار القرارات القضائية، حسب الأشقر، هو :عدم حضور شهود السلطات العامة سواء في القضايا الجزائية أو في الدعوى المدنية والإدارية التي تتطلب استدعاء شهود الموظفين في الوظيفة العامة للإدلاء بشهاداتهم".

ووضع الأشقر مجموعة من الحلول للتغلب على "الاختناق القضائي"، منها تشكيل مجلس القضاء الأعلى بشكل مهني وفقا لقانون السلطة القضائية قبل تعديله، وتمكينه من امتلاك صلاحيات دستورية على المستوى المالي والإداري، ومعاملته كسلطة دستورية، وعدم ربط موازنته من قبل جهات وزارية، وتخصيص العدد الكافي من القضاة والموظفين، وأن يعمل المجلس بمبدأ الثواب والعقاب للقضاة، وأن يستخدم صلاحياته بحيث يتم مكافأة القاضي الذي يقوم بعمله على أكمل وجه، ومحاسبة القاضي المقصر، بكل مهنية وموضوعية بعيدا عن الحسابات الفردية.

اقرأ أيضاً: استقلالية موؤودة.. تغول السلطة التنفيذية على قضاء فلسطين

ويجب الشروع بالشراكة مع نقابة المحامين لوضع تصورات لتعديلات قانونية تطال كافة القوانين الإجرائية بحيث يصار إلى وضع مسودات مشاريع قوانين تتم فيها معالجة كافة الأسباب التي تؤدي إلى الاختناق القضائي مثل: بطء التبليغات، وعدم حضور الشهود.

وطالب الأشقر بمنح صلاحيات أوسع للقاضي في إدارة الدعوى، خاصة الجزائية منها، ورفع يد أي سلطة من السلطات الأخرى عن التدخل في الشأن القضائي.

ونفى الأشقر أن يكون هناك دور للمحامين في تأخير القضايا، معللا ذلك بأن القضاة يمتلكون الحق في حرمان أطراف الخصومة من طلب التأجيل لذات السبب أكثر من مرة، أي أن التأجيلات سببها ليس للمحامي، بل لخلل في إدارة الدعوى من قبل القاضي.

غزة.. جهد يبذل لإنهاء الاختناق القضائي

من جانبه، أكد أمين سر نقابة المحامين في غزة زياد النجار في حديثه لـ "زوايا"، أن هناك عدة عوامل تسببت في الاختناق القضائي بغزة، منها الحروب المتتالية على غزة والتي أدت لإغلاق المحاكم، بالإضافة إلى الأوضاع الاجتماعية والسياسية جراء الانقسام.

وأضاف أن نقص عدد القضاة، وضعف الجهاز القضائي بشكل عامل، بسبب ضعف القضاة، الذين تم تعيينهم على أسس غير سليمة، انعكس سلبا على القضايا وتركمها.

وبيّن النجار أنه منذ عام ونصف يوجد جهد كبير يبذل في غزة لتقليص عدد القضايا المدورة من السنوات السابقة، ويوجد سياسة جدية للفصل بكم كبير في الملفات القديمة، أي التي قبل عام 2019، دون التأثير على جودتها.

ورأى أن الحل لتجنب تكدس القضايا مستقبلا، يجب زيادة عدد القضاة ورفد القضاء بقضاة مهنيين واستبدال البعض منهم لان بعضهم لا يصلحون ان يكونوا في مكانهم.

ضرورة الفصل بين السلطات

وإلى جانب تلك الأسباب رأى مدير المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" إبراهيم البرغوثي، أن أسبابا أخرى تقف وراء "الاختناق القضائي"، أهمها تآكل ثقة المواطن بالقضاء وتعززها لدى القضاء العشائري.

وتآكل ثقة المواطن بالقضاء، نتيجة تراكمية لجملة أسباب أهمها "عدم استقلالية وحيادية القضاء نتيجة التشريعات التي صدرت مؤخرا، وآليات تعيين القضاء وفق شرط السلامة الأمنية، أي اختيار القاضي بموافقة الأجهزة الأمنية، وتبعية القاضي لأوامر الإدارة القضائية، مما ينعكس سلبا على مستوى الكفاءة والنزاهة والحيادية لدى القاضي"، كما ذكر البرغوثي.

وقال البرغوثي في حديثه لـ "زوايا"، إن خضوع أحكام القضاة لتأثيرات خارجية أو داخلية "داخل القضاء"، أي أنها لا تكون وفق القانون، بالتالي تصبح عرضة للاستئناف والطعونات، التي تأخذ وقتا ما يجعل أمد الدعوى يستغرق زمنا طويلا.

وطالب البرغوثي بتوفير إرادة سياسية صريحة للعمل بمبدأ الفصل بين السلطات، لأنه بدون ذلك "لا أمل في القضاء"، ويجب إلغاء كل القرارات بقوانين التي مست قوانين السلطة القضائية، وأثرت على البنية والأداء في القضاء، مثل القرار بقانون لتعديل قانون السلطة القضائية.

كما أكد البرغوثي على ضرورة التغيير الجذري في آليات وشروط تعيين القضاة، بحيث تعطى الأولوية للنزاهة والكفاءة والحياد، وإلغاء "مبدأ السلامة الأمنية" في تعيين القضاة، وحظر أي تدخل في عمل القاضي سواء من الإدارة الداخلية أو من خارجها، لضمان استقلاله واستقراره.

واعتبر أنه في حال توفر الاستقرار والاستقلال والكفاءة والحياد لدى القاضي، فسيكون القاضي منتج وعادل ومهني مما يوفر وقت المراجعات، وتكون أحكامه ذات جودة قانونية بالتالي تأخذ وقتا قصيرا.

ونوه البرغوثي إلى ضرورة توفير بيئة عاملة تحترم القانون والأحكام القضائية، لأن عدم تنفيذ الحكم القضائي يعني تكدس القضايا، مشددا على ضرورة مراعاة التوزيع المهني للقضاة لاستثمار الكفاءات البشرية في القضاء.

تجدر الإشارة إلى أن "زوايا" تواصلت مع مجلس القضاء الأعلى، للوقوف على كيفية معالجة تكدس القضايا في المحاكم، لكن طلبنا قوبل بالرفض.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo