منصور عباس و"يهودية" الدولة.. سقوط بغطاء الواقعية

منصور عباس
منصور عباس

لاقت تصريحات رئيس القائمة العربية الموحدة في الكنيست منصور عباس الأخيرة التي قال فيها إن "دولة إسرائيل ولدت دولة يهودية وستبقى دولة يهودية"، موجة من الغضب والاستنكار من قبل الأوساط الشعبية والحزبية والرسمية الفلسطينية في الضفة وغزة والداخل المحتل، لكنها ليست التصريحات والتصرفات الأولى التي سلكتها القائمة العربية الموحدة، والتي لاقت استنكارا ورفضا واسعا.

وتمثل "العربية الموحدة" الحركة الإسلامية الجنوبية في الداخل المحتل، والتي بدأت مسارها الخاص بالانشقاق عن القائمة العربية المشتركة التي تضم جميع الأحزاب الفلسطينية التي تشارك في انتخابات الكنيست، ثم انضمت إلى التكتل الحكومي الأكثر تطرفا وعنصرية في دولة الاحتلال، برئاسة نفتالي بينيت.

وفي إطار هذا الانضمام الأول من نوعه، صوتت "العربية الموحدة" على قرارات وقوانين عنصرية مناهضة لحقوق فلسطينيي الداخل، كالتصويت لصالح تمديد منع لم شمل عائلات فلسطينيي الداخل، والتصويت لصالح إسقاط مقترح قانوني لتعليم اللغة العربية في المدارس بالداخل المحتل.

 ويعتبر كثيرون نهج "العربية الموحدة" غريبا على الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، ومناهضة لحقوقه المدنية والوطنية.

سقطة سياسية خطيرة

النائب في الكنيست عن القائمة المشتركة سامي أبو شحادة، رأى أن تصريحات منصور عباس سقطة سياسية خطيرة له ضمن عدة سقطات في الأشهر الأخيرة، إذ أنها فصلت مكانة وحقوق فلسطينيي الداخل عن يهودية الدولة، بالتالي مسّت بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بشكل عام، وحقوق فلسطينيي الداخل بشكل خاص.

اقرأ أيضاً: منصور عباس لاعب نرد أم مقامر مغامر؟

وقال أبو شحادة في حديث لـ"زوايا": "تصريحات منصور عباس استسلام لواقع البنية العنصرية لـ "إسرائيل" بادعاء الواقعية، لكن له أبعاد خطيرة جدا على شعبنا وقضيتنا، لان شعبنا لم يقرر الاستسلام، ويعي موازين القوى ولديه قراءة جيدة جدا للواقع، وقرر أن لا يقبل بالفوقية اليهودية على أرض فلسطين، وألا يقبل أن تتعامل "إسرائيل" معنا كالأيتام على موائد اللئام، ولا يقبل العقلية العنصرية التي دشنت المشروع الصهيوني، بل يناضل للعدالة والمساواة وحقوق الإنسان لكل من هو موجود على أرض فلسطين الآن".

محاولة لنيل رضا الجلاد

واعتبر أن منصور عباس يحاول نيل الرضا والإعجاب من الجلاد، والتساوق مع سياسات حكومة بينيت العنصرية، وكونه جزء من ائتلاف (بينيت-ليبرمان-ساعر) اليميني المتطرف، ورغم كل ذلك فإن محاولته "فاشلة وبائسة".

وبيّن أن كل مرة تكون فيها سقطة سياسية لمنصور عباس، يأتي الجلاد بتحدٍ آخر له، مثلما فعل بقيادات الليكود العرب مثل أيوب قرا الذي قال له لا يكفي أن تعترف بيهودية "إسرائيل" وتقبل الفوقية اليهودية، بل إذا أردت الرضا عليك أن تخدم في الجيش، وكل مرة يضعون له سقفا آخر لاجتياز نيل الرضا، ولن يحصل عليه.

وحول قراءة الواقع العنصري لدولة الاحتلال، قال أبو شحادة إن البنية العنصرية لهذه الدولة هي أمر واقع، وهناك أغلبية سياسية فيها مستفيدة من هذا الواقع العنصري الذي يمنع من المساواة، ويمنع الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الفلسطينية، بالتالي قراءتنا لهذا الواقع يجب أن تكون بهدف تغييره وليس الإقرار به.

وأكد وجود حالة من الإجماع بين الأطر السياسية للفلسطينيين في الداخل المحتل، في الاعتراض على يهودية الدولة، كما تظهر أيضا كافة الاستطلاعات الرأي وجود أغلبية ساحقة من الفلسطينيين في الداخل ضد هذه التصريحات، لأن لها أبعادا سياسية عميقة على مستقبلهم.

مبادر بائس

من جهته، اعتبر المحامي والناشط في حركة "أبناء البلد" في الداخل المحتل بلال النعامنة، أن سلوك وتصريحات منصور عباس، مساس بكل ما هو فلسطيني، بتبنيه الرواية الصهيونية، وقد انجر للخطأ وبدأ يغرق أكثر وأكثر في ذلك.

اقرأ أيضاً:  كاتبة أمريكية: الإسرائيليون يشكون في منصور عباس والفلسطينيون يصفونه بالخائن

وقال النعامنة لـ"زوايا" إن الحركة الوطنية في الداخل دائما إلى جانب بعضها، وتتشارك في الثوابت الوطنية، ولا يوجد أحد مستعد للتنازل عنها مع كامل الخصوصية لوضع فلسطينيي الداخل، لكن ما يقوم به منصور عباس هو قطع لكل الخطوط الحمراء.

ورأى أن اعترافه بيهودية الدولة تعتبر أكثر بؤسا، وقد أخرج نفسه والحركة الإسلامية الجنوبية التي يمثلها من الحركة الوطنية في الداخل، إن أي الاعتراف بيهودية الدولة يعني أن فلسطينيي الداخل ليس لهم حقوق، وأن الحقوق للإسرائيليين.

ووصفه بأنه مبادر بائس في هذا التصريح، الذي يضاف لتصريحات مشينة أخرى له، غريبة عن المجتمع الفلسطيني في الداخل، وليست من لغته ولن تكون.

وقال: "منصور عباس يدعي الواقعية، ولكن هذه التصرفات ليس واقعية، بل إن الواقعية أنه يوجد احتلال ونريد تغييره".

وأضاف أن التجربة على مدار عشرات السنوات السابقة تقول إنه من أجل الحصول على حقوق مدنية، يجب عليك تقديم التنازلات لـ"إسرائيل"، وبالرغم من كل ما وعد به منصور عباس من حيث الخدمات والميزانيات للمجتمع الفلسطيني في الداخل، إلا أنه لا تزال هناك فروقا كبيرة بين العرب واليهود في الداخل".

تنكر لنضال فلسطينيي الداخل

أما المنسق العام لحملة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية عوض عبد الفتاح، فرأى في حديثه لـ"زوايا" أن نهج منصور عباس نابع من نهج الحركة الأم وهي الحركة الإسلامية الجنوبية، والذي بدأ منذ زمن المؤسس عبد الله نمر درويش الذي توفي قبل عامين، وكان ضمن أسرة الجهاد المسلح ثم أطلق سراحه، وانقلب وتغير بشكل كبير لاحقا.

وحسب عبد الفتاح، فإن عباس بتصريحاته "تنكر للدور النضالي التاريخي لفلسطينيي الداخل، خاصة منذ نشوء التيار الوطني الديمقراطي الذي وضع على برنامجه مواجهة يهودية الدولة، وتحدى "أوسلو" الذي استسلم للصهيونية وترك فلسطينيي الداخل وحيدين خارج الصراع".

وعن أضرار هذه التصريحات، قال إنها تعتبر "تساوقا مع مخططات "إسرائيل" لطمس الهوية الوطنية وطمس لنضال فلسطينيي الداخل، وتعزز تجزئة الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، وتخلق تناحرا داخليا، وتتخلى عن قضية فلسطين كقضية جماعية، أي هي بمثابة إعطاء شرعية بفتوى عربية إسلامية لدولة اليهود الاستعمارية".

وأضاف: "دولة اليهود تعني أنه لا حق للاجئين بالعودة إلى وطنهم، وتؤبّد دونية العرب في الداخل، وتتنكّر لحقوقهم، وتنزع القضية الوطنية عن قضية فلسطينيي الداخل، أي أنهم ليسوا جزءا من الصراع، بالتالي يحق لـ"إسرائيل" أن تكتفي بإعطائهم الفتات مقابل اليهودي الذي يأخذ كل شيء، وله الحق في كل شيء، لأنه يفتت الوعي ويرهّل النضال، وهذا النهج جرب في الخمسينيات من القرن الماضي وفشل".

وحول سبب ظهور هذا السلوك، أوضح عبد الفتاح أن هذا النهج لم يكن لينشأ لولا ترهل الحالة الفلسطينية كلها، ووجود اتفاقية "أوسلو" التي رسخت هذا النهج، ولم يكن ليجرؤ منصور عباس على ذلك لو كانت الحركة الوطنية الفلسطينية قوية.

الحل لمواجهة نهج منصور عباس

ولمواجهة هذا الانجراف، قال عوض عبد الفتاح إن الحل يكمن في استنهاض الحالة الفلسطينية، وأن تسعى الأطر المختلفة المعارضة لـ "أوسلو" إلى أن تتوحد وتنمو وتقود زمام المبادرة، كما حصل في هبة أيار الماضي، لتشكل تيارا ثالثا لإسقاط هذا النهج سواء في الداخل أو لدى السلطة.

وختم بالقول: "يجب إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، وإعادة الرؤيا الوطنية التحررية التي كانت سائدة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما كانت منظمة التحرير تناضل لكل فلسطين تحت رؤية واحدة وبرنامج واحد يلهم كل الشعب الفلسطيني ويوحده، لأنه عندما تخلت عن ذلك البرنامج تقسّم الشعب واستطاعت "إسرائيل" فرض نظام سيطرة متعدد الأوجه في الضفة وغزة والداخل، لذا فالواجب تشكيل وحدة وطنية مقاتلة مناضلة، ومقاومة مدنية شعبية تحت سقف واحد".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo