تقرير منصور عباس لاعب نرد أم مقامر مغامر؟

منصور عباس
منصور عباس

يسود الحلبة السياسية الفلسطينية في أراضي الـ48 نقاش جدلي ساخنٌ أحدثته ما وُصفت بالمقاربة الجديدة التي تنتهجها الحركة الإسلامية-الجناح الجنوبي، وتمثلت بدخول ذراعها النيابي في الكنيست على خط الانخراط في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الجديد، وهو كسر للنهج السياسي المعهود للأحزاب العربية في الداخل.

شراكة باتجاه واحد

النائب العربي في الكنيست الأسبق طلب الصانع قال في حديث خاص بموقع "زوايا" إن المشاركة العربية في صناعة القرار الاسرائيلي أمر مهم من حيث المبدأ، لكنّ السؤال هو "أي شراكة هذه؟، هل هي الشراكة الصُّورية لمنح شرعية لليمين الاسرائيلي ومنهجه وتوجهاته؟ أم شراكة حقيقية تساهم في التأثير والتغيير بما ينسجم مع المساواة والعدالة الاجتماعية والسلام وإنهاء الاحتلال؟".

وهنا، يعتبر الصانع أن شراكة زعيم القائمة العربية "الموحدة" منصور عباس المحسوب على الحركة الإسلامية، هي شراكة باتجاه واحد يقوم على دعم حكومة يمينية في نهجها السياسي المتطرف مع "تنازل كامل" من القائمة العربية بالقضية السياسية والاكتفاء بالقضايا المطلبية وهذا أمر مرفوض؛ لأن "جماهيرنا الفلسطينية بالداخل" ناضلت وعانت وصمدت نتيجة احتفاظها بهويتها الوطنية والقضايا الوطنية. كما أنها انتفضت قبل أسبوعين ليس على خلفية قضايا مطلبية وإنما سياسية، وفق الصانع.

وتابع طلب الصانع: "الآن منصور عباس في هذا الاتفاق الائتلافي لحكومة (بينيت-لابيد) لم يرد ذكر القضية السياسية الفلسطينية أو قانون القومية أو قوانين عنصرية احتلالية صاغت الواقع المؤلم للفلسطينيين بالداخل".

وهو ما اعتبره الصانع انسجاماً من قبل "الموحدة" مع التوجه اليميني الإسرائيلي الذي يريد التعاطي مع فلسطينيي الـ48 على أساس المُواطّنة وفي قضايا حياتية مطلبية مع شطب الحقوق الجماعية والقضية السياسية الفلسطينية، وهذه قضية الخلاف بين القائمة العربية "المشتركة" من جهة و"الموحدة" من جهة أخرى.

مع العلم أنه سبق لأحزاب عربية أن دعمت في الماضي حكومة إسرائيلية لمرة واحدة، ألا وهي حكومة رئيس الوزراء الأسبق يتسحاق رابين مطلع تسعينيات القرن الفائت.

لكنّ الصانع أوضح أنه حينها كان هناك فصل كامل بالقضايا السياسية سوى الاعتراف بمنظمة التحرير "الفلسطينية" والمفاوضات ووقف الاستيطان وما شابه ذلك، لدرجة أن الاحزاب العربية حينها قد ساهمت في صنع اتفاق "أوسلو"، بحسب الصانع، فضلاً عن القضايا المطلبية "الهامّة" مثل قضية "المُواطّنة" والاعتراف بالقرى العربية في أراضي الـ48، وتجميد هدم المساكن العربية، والمساواة في "التأمين الوطني".

اقرأ أيضاً: مختصون: بناء مصر مدينة سكنية بغزة “شو إعلامي”

وأكد الصانع أنه تم طرح هذه القضايا من الأحزاب العربية سابقاً وتم الحصول عليها، ولكن دون التنازل عن القضايا والثوابت المبدئية. وهنا موضوع النقاش الدائر في الوسط العربي في هذه الاثناء.

"طريقتنا جعلتنا لاعب النرد لأول مرّة"!

في المقابل، يدّعي رئيس القائمة العربية "الموحدة" منصور عباس أنه يتبنى الآن مقاربة جديدة تجعل من الفلسطيني في أراضي الـ48 لاعب نرد فعّال في صياغة المشهد السياسي الإسرائيلي، وأنه حقق ذلك عبر منهجيته الجديدة بعيداً عن "التقليدية التي لم تنفع الفلسطينيين بشيء"، على حد قوله.

بيدّ أنّ النائب الأسبق في الكنيست طلب الصانع ردّ على هذا المبرر بالقول، إن طريقة عباس ليست "متميزة"؛ لأنه دائماً كان بالإمكان التنازل عن الثوابت الوطنية وانخراط الفلسطينيين في الجيش الإسرائيلي مقابل قضايا مطلبية.

وهنا، شدد الصانع على أن طرح منصور عباس ليس مختلفاً وهو مرفوض، كونه متناغم مع ما تصبوا إليه المؤسسة الصهيونية وهو "أسرلة" واحتلال الوعي بموازاة احتلال الأرض.

وأضاف: "نحن مواطنون في إسرائيل، لكن نؤكد انتماءنا لقضيتنا وشعبنا وهذه مسألة مبدأية وليست هامشية".

وبين الصانع أنه حينما دعم أعضاء عرب في الكنيست للمرة الأولى مطلع التسعينيات حكومة رابين آنذاك، فإن هذا، لم يتضمن جعلهم جزءاً من الحكومة الاسرائيلية؛ "لأننا لسنا ركناً في المنظومة السياسية الاحتلالية والاستيطانية والتمييزية والقمعية".

وأكد دعم الأحزاب العربية آنذاك لحكومة رابين من الخارج، بحيث لا يكون على حساب قضايا وطنية.

أما أن نكون جزءا من المنظومة الاسرائيلية بمشروعها الكامل هذا غير مقبول، وإلا سيكون معناه أن "نشارك المنظومة باستقلال إسرائيل ورموزها، وهذه ليست قضايا موقع إجماع فلسطيني بالداخل"، يقول طلب الصانع.

ولكنّ، ماذا عن مطالب منصور عباس مقابل انخراطه في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي؟

يجيب الصانع، أنه بناء على تتبع كيفية التفاوض وصولاً إلى الائتلاف الحكومي الجديد، نجد أن زعيم حزب "يمينا" نفتالي بينيت بالرغم من أنه يمتلك ستة أعضاء في الحكومة الجديدة وقد حصل على رئاسة الحكومة مُناصفة لعامين وكذلك حقيبة الداخلية، إلا أنه لم يوقع على اتفاق الائتلاف حتى حصوله على عضوية في لجنة تعيين القضاة، أي أنه تم التوقيع بعد استنفاد المفاوضات.

ويكمل الصانع: "بينما في حالة منصور عباس، فهو لم يحصل على أي منصب وزاري جدي وقام بالتوقيع مقابل إجراء مفاوضات لاحقاً بعد عملية التوقيع حول قضايا مطلبية تخص فلسطينيي الـ48".

ولفت الصانع أن المفروض من عباس أن يفاوض ويتفق ثم يوقع، لكنه وقع على أساس أن تتم المفاوضات بشأن مطالبه بعد التوقيع، بالرغم من أن "حكومة التغيير" لن يكون عمرها طويلاً لأنها غير مستقرة. وقد تحدث انتخابات خامسة بعد أشهر من ولادتها.

وبالتالي، ما تم طرحه على منصور عباس بشكل فعلي هو رئاسة لجنة في الكنيست وبعض القضايا المطلبية، وهذه لا تستحق التوقيع على الدخول إلى ائتلاف حكومي برئاسة بنيت-لابيد، كما يؤكد الصانع.

وأشار إلى أنه كان بالإمكان الحصول عليها من خارج الائتلاف مقابل الامتناع عن التصويت، أو الدعم الخارجي وفي هذه الحالة يكون لعباس حيز واسع من المناورة يحفظ ماء وجهه دون أن يكون منسجما مع المنظومة السياسية في إسرائيل.

مجرد "وعود فضفاضة وإنشائية"!

وبناء على ذلك، يقول طلب الصانع إن ما نصه الاتفاق الائتلافي، مجرد "وعود فضفاضة انشائية باستثناء قضايا عينية"، مؤكداً أن عباس لم يحصل حتى على تجميد لقانون "كيمنتس" العنصريّ الذي يستهدف هدم البيوت العربيّة بالداخل الفلسطيني ويطال حوالي 500 ألف عربيّ في أراضي الـ48.

وبالتالي هذه مواضيع طُرحت للنقاش بعد التوقيع بين القائمة "الموحدة" والقائمين على الحكومة الإسرائيلية الجديدة في حال تشكيلها ونيلها المصادقة بالكنيست.

وتابع الصانع: "ونحن ندرك كيف تتعامل العقلية الإسرائيلية حتى بعد توقيع الاتفاق، رأينا الاتفاق الموقع بين نتنياهو وغانتس كيف كان مصيره، فما بالك عن اتفاق تم توقيعه قبل مناقشة بنوده بين (الموحدة) وأركان الحكومة الاسرائيلية المرتقبة".

ويخلص الصانع إلى القول إن ما تم التعهد به لمنصور عباس هو مجرد فتات وليس إنجازاً جدياً، وأن كثيراً منه مجرد وعود غير قابلة للتنفيذ.

وشدد على أنه بالرغم من أهمية الشراكة العربية والتأثير ونيل شرعيتها في "إسرائيل"، إلا أن طريقة الأداء من منصور عباس كانت "خاطئة"؛ إذ أنه كان بإمكانه الحصول على كل ما ذكر من شروط وضعها مقابل الامتناع عن الاعتراض ضدها، أو الدعم من الخارج وليس الانخراط في ائتلاف حكومي وأن يكون جزءاً من المنظومة السياسية الإسرائيلية.

"الموحدة" جزء من الائتلاف لا الحكومة!

من جهته، قال المختص بالشؤون الحزبية في أراضي 48 عمر ربيع لموقع "زوايا" إن القائمة العربية "الموحدة" هي جزء من الائتلاف الحكومي الاسرائيلي الجديد، لكنها لست جزءاً من الحكومة، معتبراً أن ثمة فرق بين الأمرين.

وأوضح ربيع- بصفته كان حاضراً في تغطية المفاوضات الائتلافية الإسرائيلية- أنه طرح سؤالاً باللغة العربية على منصور عباس أمام الصحفيين الإسرائيليين فور وصوله إلى مكان المفاوضات، حول ما إذا سيكون جزءاً من الحكومة أو الائتلاف؛ فأجابه عباس بشكل قطعي بأن "الموحدة" جزء من الائتلاف لا الحكومة، وهو تصريح أخذ صدى كبيراً في الإعلام العبري.

اقرأ أيضاً: د. سمير غطاس لـ “زوايا”: مصر تحولت من دور وسيط إلى شريك بين الفلسطينيين والاحتلال

وهذا يعني، وفق عمر ربيع، أن منصور عباس لا يريد أن يكون جزءاً من السلطة التنفيذية أي الحكومة، فهو لا يريد وزارة ولا منصباً تنفيذياً، بل يسعى فقط إلى البقاء تحت سقف الكنيست أي "السلطة التشريعية".

ولكن على نقيض بقية الأحزاب العربية، اختار عباس أن يقطع الشارع إلى الجهة المقابلة ويكون لأول مرة جزءاً من ائتلاف داعم لحكومة إسرائيلية، وهذا هو الجديد، بحسب ربيع.

وتابع: "واظبت الأحزاب العربية على الوقوف في صف المعارضة وسعت دوماً لتقصير أعمار الحكومات الاسرائيلية سواء كانت يسارية أو يمينية؛ لأن الأحزاب العربية تقليدياً ترى نفسها فلسطينية، ولا يوجد أي إسرائيلي حتى لو يساري يلبي الطموحات الفلسطينية".

"منصور عباس يقف لأول مرة في الجهة المقابِلة"

بيدَ أنّ منصور عباس يقف للمرة الأولى في الجهة المقابلة ويدعم الحكومة وهذا هو الاختلاف، وفقاً لتقدير عمر ربيع.

ولفت إلى مسألة هامة تجعل عباس ضمن الائتلاف الحكومي وليس في داخل الحكومة، حيث تتمثل بما يسمى القانون "النرويجي" الذي تم سنه في "إسرائيل" بالسنوات الأخيرة، إذ أنه يلزم الوزراء ومن يعملون بالجهات التنفيذية على تقديم استقالاتهم من الكنيست؛ منعاً للمساس بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاثة (القضائية والتشريعية والتنفيذية)؛ خاصة بعد جدل أثاره وزير الداخلية الإسرائيلي السابق قبل سنوات حيث كان عضو كنيست أيضاً.

وبهذا المعنى، فإنه لو ذهب منصور عباس إلى تقلد مناصب بالحكومة، لكان ملزما بالاستقالة من الكنيست، وهو الأمر الذي لا يرغب به، بل يريد البقاء في الكنيست ويدعم الحكومة الجديدة من تحت سقفه، وأن يكون طرفا في الاتفاقيات الائتلافية بـ"إسرائيل" كوسيلة يحقق من خلالها ما يصفها بـ"مكتسبات" دون إدماج أي مطلب قومي أو سياسي يتعلق بالفلسطينيين؛ لأنه سيلقى معارضة كبيرة جدا لها من شركائه في الائتلاف الذي يحوي أحزاباً يمينية متطرفة.

الاتفاقات الاتئلافية غير مُلزِمة في "إسرائيل"

الواقع، أنه بالرغم من وعودات من أقطاب الحكومة الاسرائيلية المرتقبة لصالح "الموحدة" بتجميد قانون هدم المساكن العربية لا إلغائه، إلا أنه حتى حصول منصور عباس على تعهدات إسرائيلية بهذا الخصوص لن يكون ضامناً.

ويؤكد عمر ربيع أن الاتفاقيات الائتلافية بـ"إسرائيل" غير ملزِمة حتى لو كانت مكتوبة وموقعة من جميع أعضاء الكتل المشاركة بالحكومة، وهذا يعني أنه يمكن التنكر لشروط عباس دون أي محاسبة قانونية أو سياسية.

"مشاركة عبّاس في اللعبة السياسية هو مكتسب"!

وبهذا المعنى، لا ضمانات لمنصور عباس، لكن الشيء "المهم" بمنظوره أنه ذهب إلى هذه الخطوة من منطلق أن مجرد وصوله لهذه المرحلة وأن تلجأ إليه أحزاب يمينية للحصول على رضاه ودعمه لـ"حكومة التغيير" حتى توقيعه على الائتلاف، فهذا يعني شرعنة للصوت العربي من قبل اليمين لأول مرة، وأنه إقرار اسرائيلي بأهمية الحضور العربي وتأثيره في المشهد السياسي الإسرائيلي، بطريقة يمكن البناء عليها لصالح فلسطينيي الـ48، حسب رأي مُنظّري "الموحدة".

وهذه هي المنهجية الجديدة التي يعتبرها منصور عباس "ناجحة" مقارنة مع طريقة الأحزاب العربية "التقليدية" على مر سنوات، والتي كانت تظهرها "أحزابا هامشية دون تحقيق أي إنجازات للمجتمع العربي"، بمنظور عباس. وهنا، يعتقد الأخير أن مجرد قبول أحزاب إسرائيلية بمشاركته في اللعبة السياسية هو "مكتسب".

يتحقق "المكتسب" دون تجاوز للحد الأقصى

في السياق، أفادت جهات سياسية من "القائمة المشتركة" لـ"زوايا" أنه كان بإمكان منصور عباس أن يحقق هذا المكتسب دونما انخراط كامل بالمشروع الصهيوني، وذلك باتباع الحد الأقصى الذي انتهجه نواب الجبهة الديمقراطية في الكنيست (توفيق زياد، تمار جوجانسكي وهاشم محاميد) ونائبا الديمقراطي العربي (عبد الوهاب دراوشة وطلب الصانع) وذلك حينما امتنعوا عن الدعم المباشر لحكومة رابين لكنهم حالوا دون إسقاطها من اليمين الصهيوني عام 1993 بعد انسحاب كتلة "شاس" منها على خلفية أوسلو. بينما ذهب منصور عباس إلى خطوات بعيدة عن النهج التقليدي الذي اتبعه توفيق زياد وزملاؤه في تلك الحقبة السياسية.

الائتلاف الحكومي متفق على ملف وحيد هو "إنهاء حكم نتنياهو"

جدير ذكره، أن حكومة "التغيير" بزعامة بنيت-لابيد هي غير متجانسة وتحوي أحزاباً متناقضة أيدلوجياً وسياسياً.

ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تقام فيها حكومة وحدة في "إسرائيل" تجمع يساراً ويميناً، إلا أن الغريب بالحكومة الجديدة أنها على عكس الحكومات التي جمعت اليسار المعتدل واليمين المعتدل، فإنها تضم أقسى اليسار مثل "ميرتس"، وأكثر الأحزاب اليمينية تطرفاً هو "يمينا"؛ ما يجعلها أحزاباً ائتلافية مختلفة على كل الملفات، باستثناء ملف وحيد اتفقت عليه، ألا وهو "إزاحة نتنياهو عن السلطة".

المصدر : زوايا - خاص

مواضيع ذات صلة

atyaf logo