سبل النهوض بالصحة

دراسة: السلطة أهملت الواقع الطبي المأساوي لصالح الأمن

نقل وفيات كورونا
نقل وفيات كورونا

خلصت دراسة بحثية، إلى جملة من التوصيات التي يمكن العمل عليها لتطوير قطاع الصحة الفلسطيني الذي يعاني ظروفاً صعبة، جراء عدة أسباب أولها غياب الرؤية الفلسطينية، وتجاهل السلطة الفلسطينية لتطوير هذا القطاع واهتمامها بقطاع الأمن على حساب الخدمات العامة للمواطنين، بالإضافة إلى اتفاق أوسلو وقيوده، إلى جانب قيود الاحتلال الإسرائيلي.

وجاء في الدراسة التي أعدتها الباحثة الدكتورة يارا عاصي ، أن جميع الشخصيات التي أجريت مقابلات معهم من فئات مختلفة من المجتمع، تشاركوا في قلقهم إزاء افتقار الفلسطينيين إلى الرؤية، وما يترتب على ذلك من صعوبة تخيلِ مستقبلٍ مغاير للواقع الحالي حيث التنمية والمساعدات مشروطة بالتزام السلطات الفلسطينية بمتطلبات مجتمع المانحين الدولي.

ولفتت إلى أنه منذ إبرام اتفاقات أوسلو في 1993، ظل نموذج التنمية في الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) وغزة يولي الأولوية لأجندات المانحين السياسية على حساب حقوق الفلسطينيين واحتياجاتهم. يمكن لغياب الرؤية أيضًا أن يؤدي إلى اللامبالاة والانفصام عن الواقع، كما قال أحد المقابلين متحسِّرًا

اقرأ أيضاً:  الكاتب السناوي: البابا شنودة يعتبر الحج لكنيسة القيامة الآن خيانة للمسيح

"يتحول الشعور بطريقة ما إلى كرهٍ تجاه البلد - وفي مرحلة معينة، تتساءل، لماذا أتمسَّك بهذا المكان بهذا القدر إذا كنت لا أستطع أن أبقى على قيد الحياة فيه، ناهيك عن أن أزدهر؟"

وأكدت الدراسة أن الواقع الصحي في فلسطين متدهور وهو ما عبر عنه أحد الطلبة الجامعيين من غزة خلال مقابلة: "إنه لأمر مخيف أن تدرك في لحظةٍ ما أنك قد تموت بسبب نظام الرعاية الصحية الفاسد. فرُبَّ مرضٍ يمكن لأي بلد أن يتعامل معه، إلا بلدي يعجز عنه."

وأشارت إلى أن وزارة الصحة الفلسطينية ورثت نظامًا معطلًا لا يزال مجزأ حتى هذا اليوم وبدعم من المانحين، تمكنت الوزارة من إدخال تحسينات كمية على صعيد معدلات التطعيم ومتوسط العمر المتوقع، بالرغم من انقسامها إلى وزارتين في الضفة الغربية وغزة على خلفية الانقسام السياسي بين حركتي فتح و حماس. وفيما يتعلق بالمحددات الاجتماعية للصحة، لا تزال هناك فجوة كبيرة بين ما هو مطلوب وما هو متاح. 

وكشفت الدراسة عن ثلاثة محاور مترابطة تحدُّ من التنمية الداخلية في قطاع الصحة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، لاعتمادها على الاستعانة بمصادر خارجية في توفير العديد من الخدمات الصحية، وجود مؤسسة صحية أبوية وتطبيبية بشكل مفرط، وغياب الفرص المستقبلية للعمل في مجال الطب.

وأشارت الدراسة إلى أن جميع العاملين في مجال الطب والصحة العامة الذين تمت مقابلتهم موضوع أكدوا أن الاستعانة بمصادر خارجية كأحد العقبات الرئيسية التي تعوق الصحة الفلسطينية، وهو سببًا ونتيجةً لغياب التنمية الفلسطينية في قطاع الصحة. إضافة إلى افتقار الضفة الغربية وغزة إلى التخصصات الطبية بالرغم من تدريب بعض الفلسطينيين في الخارج ولكنهم يعودون للهجرة، لأن بإمكانهم أن يتقاضوا رواتب أعلى وأن يتمتعوا بنوعية حياة أفضل خارج فلسطين. 

وخلصت الدراسة إلى أنه في حين أن واقع الاحتلال يُقيد صحة الفلسطينيين بأساليب فريدة، فإن هناك مبادرات يمكن أن تُسهم في الارتقاء بصحة العامة وبناء نظام صحي أكثر استجابة، يبدأ بتأكيد أهمية العافية الوقائية والشاملة - بما فيها الصحة العقلية والبدنية، وصحة الأطفال، وصحة المرأة، وصحة ذوي الإعاقة - في نشر الصحة والرفاه في المجتمع، سيؤدي ذلك إلى تقليل الاعتماد على الخدمات الصحية المتقدمة المتاحة خارج الضفة الغربية وغزة فقط، وسيتطلب توظيف قوى عاملة أكثر تنوعًا وتمثيلًا. بالإضافة إلى إصلاح التعليم الطبي ليعكس واقع الأماكن التي سيعمل فيها الأطباء المتخرجون. وضرورة تقديم الحوافز للأطباء الفلسطينيين والعاملين في المجال الطبي المتدربين في الخارج لتشجيعهم على العودة ومزاولة الطب من خلال تأمينهم بوظيفة وراتب. 

وينبغي تقديم حوافز إضافية إذا تمكَّن هؤلاء من تدريب طلاب الطب في فلسطين. ولا بد من إدراك التحديات التي تسببها هجرة الأدمغة، ولذا ينبغي تخصيص التمويل الرسمي من الدولة ومن موارد المانحين لمكافحة هذه الظاهرة على وجه التحديد. إلى جانب العمل مع المؤسسة الطبية، بما في ذلك وزارتي الصحة في الضفة الغربية وغزة، لتطوير نموذج جديد ومستقل للطب والصحة العامة والعافية في فلسطين، يعمل على إشراك أصحاب المصلحة من خارج النظام الصحي المتحجر الذين بوسعهم أن يدعموا الشرائح السكانية المحرومة، والأهم من ذلك، أن يقلصوا اعتماد الفلسطينيين على النُظم الصحية الإسرائيلية والأجنبية.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo