عيشها زي ما بدك مش زي ما بدهم!

صورة لقطاع غزة
صورة لقطاع غزة

التغيير هو الفعل الذي يطلبه الناس كافة، لكن من يقوم به هو المواطن الفاعل الذي يُصر على ممارسة حياته بالشكل الذي يراه مناسبًا، بغض النظر عن موافقة المجتمع له طالما أن الفعل هذا في إطاره القانوني! ولا يعني هذا أن الفعل يتعارض مع العادات والتقاليد المتبعة في الحيز المكاني الذي يعيش فيه، بل أنها كانت متاحة وموافق عليها، لكن العادات تلك طغت وتبدلت من خلال تحكم السلطة بمعناها وإعادة صياغتها وتبديلها بحيث تصبح العادات والتقاليد سيف حياء مسلط على رقاب العباد، وتصبح بالتوازي أداة تحكم وزجر غير مباشرة يستغلها الحاكم في قمع أي فعل ينادي بالتغيير ولو كان فعلًا فرديًا غير مسيس ولا يهدف أساسًا إلى أي فعل ثوري، وهذا هو ديدن الدكتاتوريات التي تعرف مدى أهمية وعي الفرد بحقه في المشاركة في عملية التغيير مهما كان هدفها.

أما عن الغالبية التي تطلب التغيير بشكل سلبي وتنتظر أن يقوم به وكلاء عنهم، فهؤلاء مواطنون كُسالى، استكانوا إلى المصلحة الذاتية جدًا في ظل انهيار عام في مستوى القيمة، وأنا هنا أتحدث عن فعل التغيير غير المرتبط بالمواجهة مع الحاكم، أي بعيدًا كل البعد عن الأذى الذي قد تسببه عملية المشاركة في حراك جماهيري ثوري، بل أتحدث عن المشاركة في التغيير الاجتماعي والعادات الممارسات اليومية التي يقوم بها الناس بشكل خاطئ.

فعملية انسحاب المواطن من المشهد الاجتماعي يفتح المجال على مصراعيه لقوى التغيير المضادة لتمارس فعلها على الأرض بشكل أعمق، حيث يصعب بعد ذلك مواجهة الحقيقة الجديدة على الأرض من قبل أدوات التغيير المختلفة ومن ضمنها الأدوات الناعمة التي يمارسها أهل الثقافة والفن والمسرح، إن هذه الأدوات بحد ذاتها لا تُحقق التغيير، بل هي أداوت تعزز من وعي المواطن بضرورة إحداث ذلك التغيير.

اقرأ أيضاً: دراسة: عملية إعمار غزة تعاني ضعفا في النزاهة والرقابة

لهذا أعتقد أننا كأفراد نشكل أهم أدوات التغيير الحقيقية والفاعلة على الإطلاق، وأن الحركة الفردية هي المحرك الأساس لتنامي الفكرة الجماعية في المجتمع، أي أننا كأفراد من نصنع التغيير، باستغلال وجودنا الفيزيائي في عملية التأثير والتغيير في العادات والتقاليد المفروضة والنمط الفكري المحيط بنا، بحيث نستغل مظهرنا وهواياتنا وقناعاتنا التي لا تتعارض مع القانون حتى نكون جزءًا من حالة التغيير التي بالعادة تبدأ من خلال الفرد الذي لا يكتفي بالمناداة، بل يقرر أن يكون جزءًا أساسيًا في الفعل، وهو ما يشبه الفرق بين من يكتب الشعار، ومن يخرج في الشارع يصرخ بذلك الشعار.

أي أنت كفرد حر في مجتمع فيه يكفل ولو الحد الأدنى من حرية الممارسة الفردية، عليك أن تستغل تلك المساحة، فأنتِ كامرأة تستطيعين أن تقودي الدراجة الهوائية في الشارع، اذهبي من الآن وافعلي ذلك، أنتَ تريد أن تلبس الشورت في الشارع عليك أن تشتري ذلك الملبس وتلبسه فورًا، أنتِ تحبين ألوان معينة وملابس مختلفة ارتديها، تحتاجين لأن تمارسين عملًا طبيعيًا في مكان عام، افعلي ذلك، رشي العطر، تناولي المشروبات على ناصية الطريق، وأنت كرجل تستطيع أن تأخذ أمك أو زوجتك، أو أختك لنزهة في ساعات الليل والنهار، يردن أن يمارسن بعض الألعاب أو النشاطات دعهن يفعلن ذلك، وما دمت مؤمن بحريتك الشخصية وحقك في ممارستها فلتفعل!

اذهبوا إلى الحفلات الموسيقية، أقيموها، شاركوا في مناسبات عامة افعلوا ذلك بأنفسكم، كونوا بتكوينكم الجسماني جزءًا من الحالة، لا تجعلوا المحيط بأفكاره يدخل على مساحتكم الشخصية، حصنوا أنفسكم بقناعاتكم التي لا تتعارض مع القانون، وليس مع العادات والتقاليد التي صنعها لك الفكر المضاد وفرضها عليك، وبهذه الممارسات الفردية سوف تتكون جماعات صغيرة تمارس نفس السلوك وتستقوي ببعضها وتشكل نواة للتغيير الاجتماعي الحقيقي المستمر.

يحدثني صديق قديم أن خطيبته قبل ثمانية أعوام قد جاءت لزيارة أهله في مدينته، وبينما جاء وقت العصر طلبت خطيبته أن يأخذها خطيبها في مشوار داخل المدينة لتتعرف إليها، ومن ثم يعزمها على فنجان قهوة، وللمفارقة فإن تلك المدينة – في ذلك الوقت – لم يكن يوجد فيها مقهى أو مكان عام يسمح بأن تجلس فيها امرأة ورجل ليشربوا فيه القهوة بشكل لائق، وبعد المشوار أصيب صديقي بحيرة فهو يريد أن يجلس ويشرب القهوة مع خطيبته التي قطعت مسافات طويلة من أجل هذا اللقاء ولا يستطيع!  فقرر أن يبتاع كأسين من القهوة من أحد الأكشاك على الرصيف، وطلب من صاحب الكشك كرسيين، وجلس الصديق وخطيبته في وسط الرصيف.

يخبرني صديقي أنه في البداية استغرب المارة المنظر لأنه غير مألوف بالنسبة لهم، لكنه استمر في الجلوس والاستمتاع بالحالة الخاصة رغم العيون التي كانت تنظر لهم باستغراب، وقتها قرر صديقي أن يكون هو وخطيبته وكأسين القهوة والكرسيين أدوات تغيير فعلية على الأرض، يخبرني صديقي أنه بعد أسبوعين من ذلك اليوم، اُفتتح في المكان مقهى صغير ووضع صاحبه الكراسي والطاولات على الرصيف وأصبح الرجال يصطحبون نسائهم في جلسات على الرصيف تمتد إلى ما بعد منتصف الليل، وبعدها بشهر اُفتتح في نفس المكان محل للأيس كريم، وبعدها بسنة اُفتتح في المدينة أربعة مقاهي تقدم الخدمة للعائلات والسيدات في المدينة، وبهذا أثبت ذلك الصديق أن الفرد هو أساس النظرية التي تُطبق على الأرض، وأنه فقط بحاجة إلى أن يبني الوعي الكامل بالحالة المحيطة به؛ من أجل أن يُساهم بشكلٍ فعَّال في أن يكون فاعًلا فيها وقائدًا لعملية التغيير.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo