يخاطب الحكومات لا الشعوب

تحليل دراسة: السلك الدبلوماسي الفلسطيني غادر دعم التحرير إلى شبه الدولة

الخارجية الفلسطينية
الخارجية الفلسطينية

يواجه المشروع الوطني الفلسطيني تحدياتٍ داخليةً وخارجية، تنشأ أهمها من انحسار الطابع التمثيلي لمنظمة التحرير مقابل ازدهار السلطة الوطنية التي استحدثتها عملية أوسلو للسلام بالأساس لضمان أمن إسرائيل إلى حين التوصل إلى اتفاق دائم.

ورغم تعهد جميع الفصائل في سبتمبر 2020 بتوحيد جهودها لمواجهة التطبيع وتعزيز المشروع الوطني، ترى دراسة سياسية استعرضت أربع مؤلِّفات في شبكة السياسات الفلسطينية (الشبكة)، أن تداخل اختصاصات السلطة الوطنية ومنظمة التحرير وصلاحياتهما سوف تستمر على الأرجح في تعقيد المصالحة الوطنية بين السلطة بقيادة فتح وبين حماس، التي لم تنضم بعد إلى منظمة التحرير والتي ما برحت تعارض اتفاقات أوسلو الموقعة بين إسرائيل والمنظمة.

واستعرضت الدراسة السياسية التي اعدتها أربع خبيرات :" زها حسن، نادية حجاب، إيناس عبد الرازق، منى يونس"، الأساسَ القانوني الذي يقوم عليه السلك الدبلوماسي والقواعدَ التي تحكمُ عملَه ووظائفه، والعلاقةَ بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية وتقاسمهما مسؤوليات إدارة السلك.

وركزت الدراسة على ثلاثة أحداث لتقييم مدى انخراط السلك الدبلوماسي مع الشتات وفهم هيكل السلك الدبلوماسي في منظمة التحرير وفهم طبيعة عمله وإسهامه في المنظمة ككل وهي: مسعى إقامة الدولة الفلسطينية بين عامي 2011 و2012؛ وقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس سنة 2017؛ وانتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية لعام 2018".

ظلت منظمة التحرير الفلسطينية طوال العقد التالي لإنشاء السلطة الوطنية في 1994 مسؤولةً رسميًا عن الدبلوماسية، ولا تزال تحتفظ حتى يومنا هذا بصلاحية التفاوض على الاتفاقات الدولية بالنيابة عن الشعب الفلسطيني أجمع.

وبموجب الاتفاقية الفلسطينية الإسرائيلية المؤقتة بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة (اتفاقية أوسلو الثانية) الموقعة سنة 1995، يُحظر على السلطة الوطنية إقامة العلاقات الخارجية.

ويمنح القانون الأساسي، وأول شبه دستور، للسلطة الوطنية الفلسطينية لسنة 2002، رئيس السلطة صلاحيةَ تعيين الدبلوماسيين وقبول أوراق اعتماد البعثات الأجنبية.

ومع مرور الوقت، نشأ توترٌ بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية.

وتستأثر منظمة التحرير وحدَها بالسلطة القانونية وبصفة الاعتراف الدولي التي تؤهلها لتوقيع الاتفاقات والمعاهدات الثنائية؛ ولا يمنح القانون الأساسي الخاص بالسلطة الوطنية صلاحيةَ توقيع الاتفاقات للسلطة التنفيذية.

اقرأ أيضاً: دراسة: السلطة تحول الراتب من حق الى أداة ابتزاز

وبحسب الدراسة السياسية يتضح من تقسيم العمل بين السلطة الوطنية ومنظمة التحرير في مسائل العلاقات الخارجية أن المحور الأساسي الذي يستديم سيادة المنظمة يكمن في كون رئيس المنظمة ورئيس السلطة شخصٌ واحد، وطالما أن الرئيس يشغل أيضًا منصب رئيس منظمة التحرير، فإن سيادة المنظمة ستظل مضمونة، ولن تتعارض هياكل العلاقات الخارجية الزائدة عن الحاجة المشتركة بين السلطة والمنظمة.

وكشفت مقابلات أجرتها الباحثات القائمات على الدراسة عن وجود فجوةٍ بين هؤلاء الذين ما يزالون يحسبون أنفسهم ممثلين لمنظمة التحرير مكلَّفين بالتمثيل والتحرير وبين الموظفين الأحدث تعيينًا الذين ينظرون إلى أنفسهم كموظفين بيروقراطيين، كما تَبين أيضًا أن البعثات تواجه صعوبات في التعامل مع الانقسام بين فتح وحماس، ومع انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن التنسيق الأمني مع إسرائيل.

والأهم من ذلك، أن الكثيرين من المُقابَلين (ضيوف الدراسة) شعروا أنهم يفتقرون إلى التوجيه السياسي من رام الله لأنها لا تستطيع الافتكاك من إطار عمل أوسلو رغم أن إسرائيلَ ماضيةٌ بلا هوادة في استعمار الأرض وتدمير مشروع الدولة.

كما كشفت المقابلات عن غياب الوضوح داخل السلك إزاء تعيين الدبلوماسيين. وبحسب ما قيل، فإن قرار التعيين النهائي يصدر من لجنة الترشيحات التي تضم مكتب الرئيس والصندوق القومي الفلسطيني ووزارة الخارجية. ففي الماضي، كان هناك القليل من التدريب المتاح، والكثيرُ من الدبلوماسيين طوَّروا مهاراتهم وهم على رأس عملهم، وبالاقتداء بالدبلوماسيين الأقدم منهم. غير أن الوضع مختلفٌ الآن إذ بات الدبلوماسيون الشباب يتلقون تدريبًا منهجيًا أكثر.

وترى الدراسة أن هناك فهم قاصر لسياسة القوة حيث ينصبُّ تركيز دبلوماسيو منظمة التحرير في الغرب والمنطقة العربية على الحكومات أو الدبلوماسيين الآخرين، في حين أن الشعبَ نفسه هو مصدر الدعم الفعلي والكامن.

وعلى عكس السفارات والبعثات التقليدية، يُفترض بالسلك الدبلوماسي أن ينهضَ بالبرنامجِ السياسي لمنظمة التحرير دعمًا لحل الدولتين وخدمةً للمنظمة باعتبارها الممثلَ الوحيد للشعب الفلسطيني أجمع. ومع ذلك، فإن نقل معظم مسؤوليات منظمة التحرير إلى السلطة الوطنية، بما فيها الإشراف على البعثات الدبلوماسية وإدارتها، يعني أن البعثات غَدَت أشبَه ببعثاتٍ تابعةٍ لشبه دولة إذ تضم أقسامًا تُعنى بالتبادل الثقافي والعلاقات التجارية والشؤون القنصلية بدلاً من أقسامٍ تدعم حركة التحرير.

وتبين الدراسة السياسية أن الدبلوماسيين يواجهون تحدياتٍ عديدةً على رأسها الانقسامُ بين فتح وحماس، الذي تسبَّب في جملةِ مشكلات مثل إحداث فرص غير مرغوبة لأطراف خارجية كالأمم المتحدة لتتدخل "بالنيابة عن" الفلسطينيين، كما يواجه الدبلوماسيون تحديًا كبيرًا آخر يتمثلُ في مراقبةِ الدورِ الذي تلعبه إسرائيلُ في دولةِ الابتعاث على المستويين الرسمي والمجتمعي، حيث دأبَ الدبلوماسيون الإسرائيليون على تحسين علاقاتهم في دولِ الابتعاث وعلى تقويض علاقاتها بالفلسطينيين في الوقت نفسه.

وترى الدراسة أن تمسُّكَ منظمة التحرير/السلطة الوطنية الدائمَ بإطارِ أوسلو والإخفاقَ في إنجاز المصالحة الوطنية يفرض تحديات كبرى على جميع المدافعين عن الحقوق الفلسطينية، بمن فيهم المجتمع المدني الفلسطيني وحركة التضامن مع فلسطين والدبلوماسيين الفلسطينيين، وأضحى برنامج منظمة التحرير السياسي القائم على حل الدولتين موضعَ تساؤلٍ وشكّ بالنظر إلى أن إسرائيلَ، شريكها التفاوضي المزعوم، ماضيةٌ بخطى حثيثة في ترسيخِ سيطرتها على الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية التي ضمتها رسميًا سنة 1980، واستدامةِ حصارها المُطبِق على غزة، بموافقة صريحةٍ الآن من الولايات المتحدة.

وطالب القائمون على الدراسة منظمة التحرير الفلسطينية بأن تقود مبادرةً لإعادة النظر في المشروع الوطني لتأمين الحقوق الفلسطينية والإسهام في مواجهة التحديات التي تعترض الفلسطينيين وحركتهم، مثل حملة التطبيع الإسرائيلية والتداعيات الصحية والاقتصادية الناجمة عن كوفيد-19.

كما دعت إلى تفعيل الدائرة السياسية للمنظمة حتى تتولى دورها في إدارة السلك الدبلوماسي إدارةً مباشرة، وكذلك دعوة المجلس المركزي لمراجعة غاياتِ السلطة الوطنية الفلسطينية ووظائفَها، بما في ذلك علاقتها بالدائرة السياسية لمنظمة التحرير التي ينبغي أن تؤكدَ سلطتها على السلك الدبلوماسي.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo