توظيف حزبي في غزة والضفة

تحليل دراسة: السلطة تحول الراتب من حق الى أداة ابتزاز

موظفين بانتظار رواتبهم
موظفين بانتظار رواتبهم

يعيش موظفو السلطة الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة حالة من القلق والانتظار الدائم، نتيجة لحالة عدم الاستقرار والتقلبات السياسية التي تمر بها السلطة، سواء في علاقتها بالاحتلال والدول المانحة، أو نتيجة للصراعات السياسية الداخلية وتسييس الوظيفة العامة واستغلالها.

ويعد هاجس الراتب أحد القضايا البارزة التي تطغى على النقاشات العامة بشكل دائم، حيث يشعر العديد من الفلسطينيين بالقلق المستمر بشأن رواتبهم، وتتفاعل مستويات عالية من الجماهير على وسائل الإعلام الاجتماعي حول موضوع الراتب.

المحللان السياسيان "طارق دعنا، ولميس فراج" وخلال ورقة سياسية أعداها لشبكة السياسيات الفلسطينية طالبا الحكومة الفلسطينية العمل على معايير تضمن حق الفلسطيني في العمل في الوظائف العامة بغض النظر عن توجهاته أو انتماءاته السياسية، مؤكدين أن السلطة الفلسطينية تتبع أساليب في تسييس الوظيفة العامة والرواتب وتستغلها في المقايضات السياسية.

ويكشف المحللان السياسيان أن تسييس السلطة للوظيفة العامة والراتب في القطاع العام برز بشكل جلي في تمكين الشبكة الزبائنية للسلطة وخدمة المصالح الخاصة للرئاسة ونخب السلطة المتنافسة، حيث جرى استغلال الوظيفة والراتب بشكل استراتيجي في صراعها مع سلطة حماس وغزة.

فعقب الانقسام السياسي، طلبت السلطة من الموظفين العموميين في غزة الاستنكاف عن العمل عقب فوز حماس في الانتخابات، مع استمرار دفع رواتبهم، والبالغ عددهم آنذاك حوالي 70 ألف موظف، استنكف منهم نحو 60%، في المقابل لجأت حركة حماس في غزة إلى تعيين 28 ألف موظف، ولم تستطع الاستمرار في دفع راتبهم بشكل كامل، حيث كان يتم دفع جزء من الراتب في بعض الأحيان.

ويؤكد المحللان السياسيان أن السلطتين في رام الله وغزة حاولتا فرض هيمنتهما على الوظيفة العامة، وإقصاء كل من لا ينسجم وشروط الحزب المسيطر، وعلى إثر ذلك تم فصل عدد من العاملين في وزارة التربية والتعليم خلال عامي 2008 و2009، تحت العمل بسياسة "شرط السلامة الأمنية".

وخلال تشكيل حكومة التوافق الوطني العام 2014 على إثر اتفاق المصالحة بين حكومة الضفة الغربية ومثيلتها في غزة، وإعلان اتفاق الشاطئ، تم تبني آليات التعامل مع الموظفين في غزة، وعودة الموظفين المستنكفين عن العمل في غزة إلى العمل، إلا أن هذا الاتفاق فشل، واستمرت السلطة بدفع رواتب المستنكفين عن العمل، كما استمرت هذه الحكومة بتطبيق شرط السلامة الأمنية كشرط للحصول على وظيفة، أو حتى أي امتيازات لمَن كانوا أصلا داخل الوظيفة، كترقيات أو علاوات وغيرها.

وتشير الورقة السياسية إلى أن عام 2017 شهد سلسلةً من العقوبات التي فرضتها حكومة الضفة الغربية على غزة كنتيجة للمناكفات السياسية بين الحزبين، تمثلت العقوبات في عدة أشكال أبرزها قطع رواتب الموظفين وما تبعة من أثر جلي على كافة القطاعات الاقتصادية، كما استمر العمل بالعقوبات التي جاءت بإحالة عدد من الموظفين إلى التقاعد المبكر.

ويقول محمد الهزايمة وهو مدير الموازنة العامة في وزارة المالية في رام الله إن النصف الأول من عام 2018 شهد استمرارًا لتلك العقوبات وإجراء خصومات على رواتب 32 ألف موظف في غزة (19 موظف عسكري، و13 ألف موظف مدني) حيث كان يحول فقط 50-70% من رواتبهم.

اقرأ أيضاً:المتحدث باسم وزارة العمل رامي مهداوي: تطبيق قانون الضمان الاجتماعي سيعود للواجهة من جديد

وتطرقت الورقة إلى بداية تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، حيث كان عدد الموظفين في القطاع العام 39 ألف موظف (25 ألف موظف مدني، 14 ألف موظف أمني)، جرى تعيينهم بطريقة عشوائية تخللها اعتبارات المحسوبية، والمحاباة، واعتبارات حزبية وسياسية، إضافة إلى تعيين العديد من الأشخاص غير المؤهلين في مراكز وظيفية عليا، وأحيانا دون وجود وظائف شاغرة.

وأوضحت أن هذا الواقع استمر على مدار التسعينات، وفي سنوات الانتفاضة الثانية عام 2000، حيث استمرت فوضى التوظيف في السلطة الفلسطينية ، ووصل عدد موظفين القطاع العام عام 2003 حوالي 124 ألف موظف (71 ألف مدني، 53 ألف أمني)  بتكلفة رواتب الموظفين 665 مليون دولار.

وكشفت الدراسة السياسية أن رئيس السلطة الوطنية هو من يعين وكلاء الوزارات، والمدراء، والمحافظين، ورؤساء السلطات والهيئات العامة، والمؤسسات العامة غير الوزارية ومعظمهم من أتباع حركة فتح، وأن جميع هذه التعيينات افتقرت الى المهنية، وتم ربطها أساساً بالولاءات السياسية.

وبرغم الادعاء بالقيام بإصلاحات واسعة النطاق وبناء المؤسسات على أسس مهنية، استمرت الحكومات الفلسطينية المتتالية بحسب الورقة السياسية إلى تبني معيار تسييس الوظيفة العامة وتحديد مستحقي الراتب بناءًا على اعتبارات مصلحية خاصة، مما كان له بالغ الأثر في توسعة الشبكات الزبائنية والعلاقات الشللية.

وتلعب الصراعات الداخلية بين رموز السلطة وتدخلات الأجهزة الأمنية المتعاظمة في المؤسسات المدنية الدورَ الأساسي في العملية، ويأتي ذلك كجزء من المنافسة المتصاعدة بين مراكز القوة في السلطة من أجل تقوية قواعدها وزيادة نفوذها.

ويشير تقرير أمان للعام 2018 إلى أن "قرارات إحالة موظفين للتقاعد المبكر 'إجباريا' كشفت استغلال بعض المسؤولين لها بهدف تصفية حسابات حزبية أو شخصية حيث تمت إحالة البعض للتقاعد المبكر قسريا بالرغم من أن تقييمهم كان جيدا، كما أنها شجعت وجود وممارسة الواسطة لاستثناء بعض الموظفين بتأثير وتدخل شخصيات متنفذة."

واعتبر المحللان السياسيان لشبكة السياسات الفلسطينية رواتب القطاع العام أحد اهم مصادر التفاوت الاقتصادي واللامساواة في المجتمع الفلسطيني، نتيجة لوجود فجوات واسعة في رواتب الموظفين، سواء كانت فجوات داخل المؤسسة، أو عند مقارنة الدرجة الوظيفية بين المؤسسات الحكومية المختلفة، حيث يتقاضى أكثر من نصف العاملين في القطاع العام راتب 2,200 شيقل  (664 دولار) فأقل، في حين تصل بعض رواتب مدراء المؤسسات العامة أكثر من 10 آلاف دولار شهريًا.

وبين المحللان أن الفجوة تزداد اتساعًا عند مقارنة القطاع الأمني بالمدني، والذي يصل إلى حوالي 15% لصالح العاملين في قطاع الأمن، الأمر الذي قد يشكل بيئة حاضنة لتفشي أشكال الفساد، والتي تظهر جلياً من خلال استغلال الترقيات والتعيينات في الوظائف العليا ومنحها لغير مستحقيها، بحيث يطغى أسلوب الواسطة والمحسوبيات واحتكار الدرجات الوظيفية العليا من قبل بعض النخب والموالين لهم.

وطالبت الورقة السياسية الحكومة الفلسطينية إعادة بناء الهياكل التمثيلية وإبطال سياسة حكم الحزب الواحد، وتفعيل مفاهيم المشاركة في اتخاذ القرارات والمراقبة والمحاسبة، وكذلك إقرار بطاقات الوصف الوظيفي تحديدا لموظفي الفئات العليا، والرقابة على الالتزام بها.

كما دعت منظمات المجتمع المدني، دعم الحركات النقابية المطلبية، والضغط باتجاه تحقيق العدالة في الأجور وتخفيض الفجوة بين الرواتب، وتنفيذ حملات ضغط رادعة لسياسات الإقصاء أو فرض التقاعد القسري وتسييس الوظيفة العامة.

مصدر الدراسة

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo