سبل تخطي الأزمة

تقرير ارتفاع أسعار السلع يضع القدرة الشرائية للفلسطينيين على المحك

مواطنون يتسوقون
مواطنون يتسوقون

صاحب أزمة ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية عالمياً، استغلال بعض التجار في الأراضي الفلسطينية ذلك برفع أسعار السلع المخزنة لديهم، فيما تعالت دعوات المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمقاطعة السلع التي يتم رفع أسعارها.

01.jpg

 

02.jpg

أما الناشط خالد دويكات فقد كتب على صفحته في فيسبوك (خلال الأيام القليلة الماضية، قرأت تقريبا ما يزيد على الألف منشور وتعليق عن ارتفاع الأسعار الجنوني في كلّ مرّة كنت أسأل نفسي، ترى لو نشر الحراكيون دعوة لاعتصام مركزي للاحتجاج على هذا الوضع، هل سيحضر صاحب هذا المنشور أو صاحب ذلك التعليق؟؟!!!! سأصدقكم القول، وجدت الإجابات مُحبٍطة للغاية، وذلك وفقا لما مررنا به من تجارب سابقة، نحن نكتفي بتغيير المنكر بقلبك فقط ( أضعف الإيمان)، ونتجاهل تغيير المنكر بيدك ولسانك ( التي لها الأولوية).. لا وطن، ولا مصاري!!! إنّ الفساد احتلال،،، الله غالب)

03.jpg

كما دعت نقابة العاملين في البنوك إلى وقفة احتجاجية وسط رام الله للمطالبة بالحقوق العمالية.

وتعد قضية ارتفاع الأسعار قديمة جديدة بالنسبة للفلسطينيين، الذين يعانون من واقع اقتصادي صعب بعد جائحة كورونا، فعلى سبيل المثال تعد أسعار المحروقات في فلسطين الأغلى بين دول الجوار، وكذلك أسعار الاتصالات والمياه والكهرباء، والمركبات.

مثلا نجد أن أسعار المحروقات في فلسطين تبلغ ضعف أسعارها في الأردن، فسعر السولار في الأردن يبلغ ما يعادل 2.8 شيقل، بينما لدى السلطة الفلسطينية 5.5 شيقل.

أهمية التدخلات الحكومية على مستوى البعيد

وترى جمعية حماية المستهلك (جمعية أهلية) أنه من الضروري أن تكون تدخلات الحكومة لخفض الأسعار على المستوى البعيد وليس الاكتفاء بالتدخلات الآنية، وذلك عبر بناء صوامع للقمح، ومحطات تكرير البترول الخام ومصانع أسمنت، ومحطات توليد الكهرباء، إلى جانب وضع خطط استراتيجية لحماية المستهلك.

وقال الناطق باسم الجمعية د. محمد شاهين لـ"زوايا" إن ارتفاع الأسعار العالمي مرتبط بجائحة كورونا وزيادة تكاليف الشحن، مما يؤثر على الفلسطينيين بشكل مباشر خاصة محدودي الدخل، لذلك بادرنا بلقاء مع وزارة الاقتصاد لمناقشة كل الأسباب التي تؤدي الى ارتفاع الأسعار خاصة المواد الأساسية، وكان هناك تجاوب من الوزارة، وطرحنا مقترحات لحماية المستهلكين.

ولمعالجة الأزمة، اقترحت الجمعية خفض الضريبة، ودعم السلع الأساسية، وتطوير قضايا الرقابة والمتابعة والتفتيش للسوق، وعقد لقاءات مع التجار لحثهم على عدم رفع الأسعار، وفق شاهين.

وأكد أنه من الضروري أن يكون لدى وزارة الاقتصاد بيانات حول رخص الاستيراد والمخزون من السلع، لمنع الاحتكار أثناء الغلاء العالمي، وبالتالي الإبقاء على سعرها القديـ إضافة إلى ضرورة إصدار لائحة استرشادية ثابتة للسلع الأساسية حتى لا يتم التلاعب بأسعارها.

وأوضح أن ارتفاع الأسعار يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين بشكل عام وليس فقط محدودي الدخل، قائلا: "لدينا مشكلة قديمة حديثة متعلقة بشراكاتنا بنفس السلة الغذائية مع الإسرائيليين الذين دخلهم يبلغ أضعاف دخل الفرد الفلسطيني، مما يضعف القدرة الشرائية للأسر محدودة الدخل والوفيرة الدخل".

تشكيل خلية أزمة

وحول دور وزارة الاقتصاد، أوضح مدير عام دائرة حماية المستهلك في الوزارة إبراهيم القاضي، أن الوزارة عقدت اجتماعا الاثنين الماضي (1/11/2021) مع ممثلين عن التجار والقطاع الخاص، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة من وزارتي الاقتصاد والمالية وممثل عن التجار والمستوردين وممثل عن الصناعات الوطنية، لمتابعة أي ارتفاع على أسعار السلع، وتم الاتفاق مع التجار على إبقاء سعر السلع والمنتجات كما هو دون رفع، وفي حال وصلت شحنات جديدة من الخارج بأسعار جديدة سوف تدرس اللجنة الأسعار الجديدة وإمكانية تغييرها.

وبيّن القاضي في حديثه لـ"زوايا" أن الوزارة اتخذت عدة إجراءات أيضا، منها تشكيل خلية الأزمة بهدف إعادة ضبط سعر الدواجن، وتم ضبط السعر بـ 15 شيقل للكيلو غرام، معتبرا أن الحديث عن وجود ارتفاع للأسعار غالبتيه غير صحيح، ولا يزال التجار ملتزمون بنفس الأسعار القديمة.

اقرأ أيضاً: الشيخ جراح يعري قضاء الاحتلال بالرفض وينتظر الإسناد الكامل

وبشأن الشكاوى التي وصلت حول ارتفاع الأسعار، أكد القاضي أن 171 شكوى وصلت الوزارة عبر خط 129 الخاص بالشكاوى، بالإضافة إلى الشكاوى التي وصلت مباشرة على الأرقام الشخصية لمدراء حماية المستهلك في المحافظات.

متوسط إنفاق الأسرة الفلسطينية شهرياً

ويبلغ متوسط إنفاق الفرد الفلسطيني الشهري حوالي 170 ديناراً أردنياً (قرابة 800 شيقل)، بواقع 220.1 ديناراً أردنياً في الضفة الغربية مقابل 91.2 ديناراً أردنياً في قطاع غزة، وفق آخر تقرير صدر عن جهاز الإحصاء الفلسطيني عام 2017 حول مستويات المعيشة في فلسطين.   

ويشكل إنفاق الفرد في فلسطين على الطعام 30.5% من مجمل الإنفاق الشهري، بواقع 29.1% في الضفة الغربية 35.7% في قطاع غزة، تليها نسبة الإنفاق على وسائل النقل والاتصالات بواقع 18.5%، و8.7% على المسكن، وكانت أدنى نسبة من الإنفاق على مجموعتي النشاطات الترفيهية والثقافية والعناية الشخصية بنسبة 1.5% و2.1% على التوالي في فلسطين.

وبناء على نتائج مسح إنفاق واستهلاك الأسرة الفلسطينية 2017عام، بلغ متوسط الإنفاق النقدي للأسرة المكونة من (5.5 من الأفراد) على مختلف السلع والخدمات 934.9 ديناراً أردنياً (4200 شيقل).  
 

مردود انخفاض سعر صرف الدولار على الأسعار

ويرى خبراء الاقتصاد أن انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الشيقل بشكل غير مسبوق منذ سنوات طويلة، يشكل ميزة للمستوردين من الخارج، لأنهم يقومون بالتحويل من عملة الشيقل إلى الدولار بأقل سعر، وهو ما يقلل من كبح جماح أي ارتفاع في الأسعار بالعالم.

من ناحيته، يرى د. زاهر براهمة مدير منطقة الشمال في البنك الوطني والمختص بالتحكيم في النزاعات المالية والمصرفية، أن انخفاض سعر صرف الدولار أثر سلبا على الفئات التي تتلقى رواتبها بهذه العملة.

ومن ناحية التجار، فيشير براهمة إلى أن انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الشيقل "يجب أن يكون مدعاة للمستوردين بألا يرفعوا الأسعار، لأن انخفاضه يعتبر أكثر من نسبة التضخم العالمية".

وانخفض سعر صرف العملة الأمريكية مقابل الشيقل أكثر من 10%، ما يستوجب أن تكون محاربة ارتفاع الأسعار في فلسطين أشد من الدول الأخرى، لأن سعر الصرف تقريبا ثابت لدى تلك الدول.

وأعرب براهمة في حديثه لـ"زوايا" عن ترجيحه بتراجع القدرة الشرائية للمواطنين امام ارتفاع الأسعار خصوصا "أننا نتحدث عن عدم استقرار سياسي في الإقليم ويوجد حكومة إسرائيلية هشة قد تنهار في أي وقت، ووجود أزمة مالية لدى السلطة بسبب توقف أموال الدول المانحة". 

وأضاف: "في نفس الوقت لدينا قوة مساندة وهي فئة العمال في داخل أراضي المحتلة عام 1948، وهم الذين يحركون السوق بشكل حقيقي، أما موظف القطاع الحكومي والخاص، فيذهب نصف رتبه إلى سداد القروض".

توقعات بتضخم جامح

وحول توقعات براهمة لمسار الأسعار في الفترة المقبلة، فأوضح أنه "قد تنتج تداعيات جديدة لأزمة الغلاء الحالية ما يعني تفاقمها اكثر فأكثر، إذ أن التضخم الحالي الذي يجتاح العالم بأسره من النوع المفرط، والذي يفوق نسبة الـ10% بعد تخطي النوع الاول وهو النوع المتسارع والذي يعتبر صحياً، اذا ما كان يوائم النمو الاقتصادي السنوي وبما لا يتجاوز الـ3%".

وأضاف "يبدو أننا على أعتاب التضخم من النوع الثالث الذي يفوق الـ10% وهو النوع الجامح، حيث يقاس مؤشر هذا التضخم من معرفة مؤشر أسعار المستهلك، وكذلك من تكاليف أسعار المنتجات".

وحول مسببات تسارع وتيرة ارتفاع الأسعار على المستهلك وتداعياتها على محدودي الدخل، وعلى مؤسسات الدولة بشكل عام، أورد براهمة عدة نقاط أولها: نشوء أزمات مثل الارتباك المباشر بسلاسل الامدادات للسلع.

وثاني المسببات: وجود أزمة قديمة مستجدة متفاقمة، وهي أزمة الطاقة، والكهرباء تحديداً، فيما بين أوروبا والصين، حيث يعتمد إنتاج الكهرباء على إنتاج الفحم الحجري من المناجم، بنسبة 70% و30٪؜على الغاز المستورد.

وثالثاً: حالة التعافي من الجائحة وما تبعها من تعاف اقتصادي، أدى إلى نهوض جامح للطلب على السلع، ما شكل صدمة كبيرة للعديد من الدول، لكي توائم بين الطلبات وفقدان حالة التصنيع السليمة، بالتزامن مع ترهل سلاسل الامدادات، ما شكل حالة فجوة كبيرة بين الطلب والعرض، حيث كان الطلب المتنامي مصحوبا مع قلة المعروض من السلع خاصة الغذائية، والذي شكل فارقا ملحوظا في الأسعار.

ورابعاً: بناء على حالة الهلع المتزايدة تضاعفت حالة الطلبات من قبل الدول وكبرى الشركات والتجار حول العالم لتلبية حاجات مواطنيها، ولتحقيق أكبر عائد من فوارق الأسعار.

4 حلول لأزمة ارتفاع الأسعار

أما الباحث المؤسس في مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية (المرصد) فراس جابر، فرأى في حديثه لـ"زوايا" أن الحل لأزمة ارتفاع الأسعار هو أولاً تغيير شكل الاقتصاد الى اقتصاد تضامني اجتماعي اشتراكي، للقضاء على الاحتكار والتحكم بالأسعار.

ثانياً: زيادة وتنويع الصناعة والانتاج الزراعي الفلسطيني، لتوفير معظم احتياجات السوق الفلسطيني، وتوفير الدعم للمُصنع والمزارع بحيث يشمل هذا الدعم التحكم في الأسعار بما يتناسب مع دخل المواطن.

ثالثاً: الانفكاك عن كل اقتصاد دولة الاحتلال والغلاف الجمركي معها، لان أي رفع جمركي من قبل الاحتلال على أي سلعة يتم تلقائيا رفع ثمنها على المواطن الفلسطيني. مع العلم أن الحد الأدنى للأجور في دولة الاحتلال يبلغ 6 آلاف شيقل، فيما يبلغ لدى الفلسطينيين الحد الأدنى للأجور 1800 شيقل.

رابعاً: إقرار نظام ضريبي عادل، من ضمنه إلغاء الضريبة على السلع الأساسية، مثل الزيتون والقمح، حتى تصبح في متناول كل المواطنين وتعويض هذه التخفيضات من ضريبة القيمة المضافة برفع الضرائب المنتجات الكمالية مثل العطور والساعات والتبغ والمركبات الفاخرة والمشروبات الكحولية وغيرها.

ورأى جابر أن بدون ذلك، سيبدأ المجتمع بفقدان توازنه وموارده الموجودة والذهاب نحو الإفقار له، بحيث لا يتحمل أي هزة، إلى جانب ازدياد الظواهر المرافقة للظلم التي يشعر بها المواطنون وانخفاض مستوى المعيشة للمواطن، كما سيكون ذلك الارتفاع على حساب جوانب أساسية أخرى في الحياة مثل التعليم والعلاج.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo