هل هناك فرصة لإصلاح منظمة التحرير؟

منظمة التحرير
منظمة التحرير

(1) حلم الفلسطينيين

يكاد اسم منظمة التحرير يتوارى خلف كثير من الغيوم السياسية التي تلبدت بها سماء الحالة الفلسطينية منذ عقود خلت, وذلك بعد ان مثلت منظمة التحرير العنوان الرئيس للنضال والثورة الفلسطينية, وكذلك كفاحها السياسي والدبلوماسي في المحافل الاقليمية والدولية.

وقد أسست منظمة التحرير الفلسطينية في مايو 1964. فقبل 54 سنة وخلال اجتماع عقد في فندق الانتركونتيننتال على جبل الزيتون في القدس وتم انتخاب أحمد الشقيري أول رئيس لها , ثم – وبعد جدل كبير حول هوية المنظمة وتبعيتها للدول العربية -انتقلت الراية عام 1969 إلى ياسر عرفات رئيس حركة فتح، وشكل ذلك القرار انتقال المنظمة من جسم فلسطيني تشرف عليه الدول العربية إلى جسم أكثر استقلالا.

وقد جاءت منظمة التحرير نتيجة توافق وتلاق بين ما كان يتطلع اليه الفلسطينيون من وجود عنوان وطني يتلفون وحولهم ويمثل طموحاتهم الشرعي وبين مصالح بعض الدول العربية الرسمية التي كانت تأمل في عدم خروج المنظمة عن السياسات العربية العامة، وكانت الدول العربية قد اصيبت بنكسة كبيرة جراء حرب 67 , وربما ولدت لديها قناعة بأنها لا تستطيع ان تحارب اسرائيل وان تترك ذلك للفلسطينيين وحدهم.

​​وقد استمر عرفات رئيسا للجنة التنفيذية لغاية وفاته عام 2005 , وتولي محمود عباس(ابو مازن) مكانه الى اليوم.

اقرأ أيضاً: محنة الصيادين بين سوق غزة الفقير والحاجة للتصدير

وما زاد في تعاظم قوة المنظمة وقدرتها على جمع ابناء الشعب الفلسطيني بمختلف توجهاتهم السياسية هو اعتمادها على الكفاح المسلح, مما وفر لها قاعدة شعبية واسعة في اوساط الفلسطينيين, الامر الذي ساهم في توسيع نشاطاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية, فقامت بإنشاء الاتحادات والنقابات والاطر التي ضمت الطلاب والمهنيين والعمال والمرأة والصحفيين والكتاب والفنانين, ونجحت في رسم لوحة فلسطينية مثلت رمزية لكل الفلسطينيين في جميع مخيمات اللجوء والشتات.

لقد حملت المنظمة هم القضية ودافعت عنها بقوة ونجحت في فرض نفسها على الساحات الاقليمية والدولية, وكانت تحظى باحترام كبير لدى الكثير من الدول والمنظمات والاحزاب والحركات التحررية , واصرت المنظمة حينها على رفض الاعتراف باسرائيل, وان فلسطين بحدودها التاريخية هي ملك للفلسطينيين وانها ليست على استعداد للتنازل عن ذرة واحدة من ترابها, كما اعلنت تمسكها بخيار وحيد لتحرير فلسطين وهو الكفاح المسلح.

كانت المنظمة تمثل الحلم الوحيد للفلسطينيين الذين ذاقوا مرارة الهجرة والتشرد والحرمان ,وتصدت بقوة لكل المحاولات الدولية لتحويل قضية فلسطين الى قضية انسانية, واستطاعت ان تفرض المسألة الفلسطينية على طاولة الامم المتحدة ومجلس الامن وان تستصدر العديد من القرارات التي صبت في صالح القضية الفلسطينية.

(2) بداية التراجع

في العام 1982 غزت إسرائيل لبنان ونجحت في اخراج منظمة التحرير واخلاء كل مقاتليها وتفرقهم في الدول العربية, مما اضعف المنظمة سياسيا وعسكريا وجعلها عرضة للضغوط السياسية من قبل الدول العربية والغربية.

 وقد كان من أهم نتائج إخراج المنظمة من لبنان تشتيت قواها وإبعادها عن حدود فلسطين المحتلة وعن قاعدتها الجماهيرية في المخيمات الفلسطينية, كما ان الخلافات احتدمت بين الفصائل الفلسطينية وصلت الى حد الاحتكام الى السلاح والى انشقاق بعض الجماعات عن حركة فتح, الامر الذي ارهق المنظمة واستنزف الكثير من المال والدماء والسمعة التي تمتعت بها.

خلال سنوات عرفات, شهدت المنظمة تقلبات كبيرة أثرت على قوة وجود المنظمة ونفوذها, فقد منحها عرفات بشخصيته ذات الكاريزما العالية هيبة وحضورا سياسيا في المحافل العربية والدولية , كما انها نجحت في الحفاظ على وجود كافة فصائل المنظمة تحت مظلتها, الى ان بدأت المنظمة تميل نحو الانخراط في الحلول السياسية منذ نهاية السبعينات.

وقد حاولت إسرائيل القضاء على المنظمة من خلال سلسلة اغتيالات طالت الكثير من قيادتها في عدة عواصم عربية واجنبية ونجحت في العديد منها, من ابرزها خليل الوزير وصلاح خلف , ثم من خلال تعاونها مع الادارة الامريكية حاولت محاصرة المنظمة سياسيا من خلال وصمها بالارهاب وتحريض العواصم الغربية عليها ومنعها من افتتاح مكاتب لها او ممارسة اي نشاطات سياسية على اراضيها.

وبعد حرب عام 1982  تعرضت المنظمة الى ما يشبه الانهيار السياسي وفقدت الكثير من اوراق القوة, غير ان تفجر الانتفاضة الاولى عام 1987 كانت خشبة النجاة التي عززت علاقتها بالشعب الفلسطيني في الداخل واعادت لها القوة السياسية, غير ان المنظمة سرعان ما تم استدراجها الى فتح حوارات مع الادارة الامريكية, واستمرت المفاوضات مع البيت الابيض الى ان وافقت  المنظمة على الاعتراف بإسرائيل والتخلي عن الكفاح المسلح, وتوج ذلك بفاجعة التوقيع على اتفاقية اوسلو 1993 .

شهدت حقبة اوسلو تحولات كبيرة وهامة في شكل ومضمون منظمة التحرير التي تعرضت للمنافسة الشديدة من قبل السلطة الفلسطينية على الكثير من الصلاحيات والامتيازات, مما أدى الى تراجع كبير في دور المنظمة واختفائها من الحقل السياسي .

وقد تعرضت المنظمة الى  ضربة سياسية قوية حينما وافق رئيسها ياسر عرفات عام 1996 على تعديل ميثاقها بضغط إسرائيلي وأميركي لينسجم مع نصوص اتفاق أوسلو الذي اعترف بالمنظمة كممثل للشعب الفلسطيني ، لقاء اعتراف المنظمة بحق إسرائيل في الوجود.

(3) السلطة تزيح المنظمة

مع تعزز وجود السلطة الفلسطينية واستحواذها على  كل صلاحيات المنظمة لم يعد للمنظمة أي دور سياسي او وطني سوى الاجتماعات الباهتة التي كانت تعقد من وقت لآخر للتذكير ان المنظمة لا تزال تتنفس!!.

لقد مثل استيلاء السلطة, التي نشأت على اثر توقيع اتفاق اوسلو, هزة عنيفة لمكانة وقوة منظمة التحرير وقدرتها على التأثير في الصراع القائم مع الاحتلال, حتى ان اجتماعات المجلس الوطني او المجلس المركزي كانت تعقد على فترات متباعدة جدا. في هذه الفترة برزت قوة حركة حماس التي نشأت في العام 1987 وفرضت نفسها بقوة على الساحة السياسية , وسرعان ما بدا ان حماس تحتكم الى رؤية ومبادئ تختلف عن رؤية منظمة التحرير في معالجة القضية الفلسطينية , مما أوجد صراعا وخلافا لا زال قائما الى اليوم.

وقد جرت محاولات كثيرة لدخول حماس الى منظمة التحرير غير ان كل هذه المحاولات باءت بالفشل, وبان ان الخلاف السياسي هو الذي يقف حجر عثرة في قدرة المنظمة على ضم كل القوى السياسية اليها.

ومع مرور الوقت تم افراغ منظمة التحرير من مضمونها وتحولت الى ما يشبه الهيكل الفارغ, غير ان حركة فتح وفصائل المنظمة ظلت متمسكة بقوة بشرعية منظمة التحرير وانها الممثل الشرعي والوحيد وان كل خروج عن هذه الشرعية يعتبر خروجا عن الولاء للقضية الفلسطينية.

وقد تصاعدت قوة حركة حماس بشكل اكبر حينما فازت بأغلبية الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006 والتي وضعت النظام السياسي في مأزق كبير وولد خلافا حادا بين من يمثلون منظمة التحرير ومن يمثلون الخط الذي تنتهجه حركة حماس.

(4) إصلاح المنظمة ما بين الشعار والحقيقة

شعار اصلاح منظمة التحرير وضع دوما على طاولة الحوار الوطني الفلسطيني للخروج من المعضلة الوطنية التي عصفت بالقضية الفلسطينية , غير ان الحوارات الكثيرة التي دارت بين القاهرة وبيروت والخرطوم وغيرها من العواصم العربية لم تنجح في خروج المنظمة من غرفة الانعاش وبقت على حالها من الضعف والترهل.

لقد طرحت صيغ كثيرة لمعالجة اوضاع المنظمة واعادة تصحيحها وتصويبها, غير ان ذلك جوبه بموقف رافض من القيادة الفلسطينية التي اصرت على ابقاء المنظمة في حالة هلامية ودون المساس ببرنامجها السياسي.

يُشكل إصلاح المنظمة، وإعادة بنائها وتفعيلها ضرورة ملحة للشعب الفلسطيني، وذلك بسبب التحولات الكبيرة التي طرأت على المشهد الفلسطيني والتي عززت من قوة الاحتلال سياسيا وعسكريا ومضيه في المشاريع الاستيطانية والتهويدية فضلا عن تمدده في الدول العربية من خلال مسارات التطبيع, الامر الذي اضعف حضور القضية الفلسطينية خاصة في المشهد العربي.

ان اصلاح المنظمة يحتاج الى خطوات واجراءات جدية تقوم على ان هذا الاصلاح يجب ان يبدأ من خلال حوار وطني موسع وشامل تتفق فيه القوى السياسية على الشكل والمضمون النهائي للمنظمة, على الا يتم استحضار أي من الشروط المسبقة التي تطرحها القيادة الفلسطينية  والتي تتمثل في الحفاظ على البرنامج السياسي الذي اقرته المنظمة عام 1993.

 ان لاتفاق على برنامج وطني شمولي سيكون الانطلاقة الحقيقية لاصلاح منظمة التحرير, ومن ثم تبدأ بعدها الاصلاحات الهيكلية لاجسام المنظمة, بما فيها المجلس الوطني.

باختصار شديد, أن منظمة التحرير، بكل ما تحمله من ارث نضالي ومسيرة طويلة, يجب أن تكون الطريق الأقصر والأصوب للفلسطينيين من أجل اعادة الحياة والحيوية للقضية الفلسطينية، ومن اجل جمع الشعب الفلسطيني على كلمة واحدة, ومن اجل رسم الطريق الصحيح لتحرير الوطن وعودة اللاجئين واستعادة كافة الحقوق الوطنية.

 

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo