من الذي حطم أسود المنارة؟

أسود المنارة
أسود المنارة

أسود المنارة التي تم تحطيم بعضها وسط مدينة رام الله حديثة الانشاء، وبشعة كما بشاعة الفترة التي وضعت فيها الاسود ضمن تصميم يعكس مرحلة تحول المدينة من مصيف جميل ذو طبيعة خلابة ومبان انيقة متناسقة مليئة بعبق التاريخ وأصالة أهل المدينة المنفتحة التي تحتضن كل من يأتيها برفق طالباً العلم، أو التنزه، أو الانصهار بانسيابية في حياة أهلها، الى مدينة ملئها الاسمنت والأحجار التي تعبر عن شراسة رأس المال المالي، والسياسي، والذي تشتم معه رائحة الفساد والافساد والتحول القسري المصطنع في طبيعة المدينة. كل شيء في المدينة تغير، الا طيبة ودماثة أهل البلد الأصليين الاصيلين، وبعض الوافدين اليها ممن اندمجوا فيها قبل الغزو الكبير أواسط التسعينيات، وهي الفترة التي اعيد فيها ترميم المنارة، أو بالأحرى تشويهها، ايذاناً بما هو قادم من تشوهات لا زالت مستمرة.

بكل تأكيد ما حدث من تحطيم للاسود فعل صادم ومدان، لكنه يأتي كواحد من المآلات الطبيعية لهذا التشوه العمراني والاجتماعي والنفسي والقيمي الذي تعيشه البلد، وتعيشه كل الاراضي الفلسطينية، منذ تلك الفترة التي شهدت انقلاباً ديمغرافياً طال معظم المدن في الضفة وغزة ويتمدد الآن نحو الريف والمخيمات، ولا أقصد هنا بالطبع الأهل العائدين وفق اتفاقات اوسلو، وهي عودة تتفق والحق الفلسطيني، كان يمكن لها ان تشكل تطويراً ونهضة للبلد، وتحدث نقلة نوعية بالاتجاه الايجابي.

اقرأ أيضاً: تجاوزات صندوق "وقفة عز".. شفافية غائبة وأدوات رقابية ضعيفة

هذه التشوهات تتسع وتتمدد افقياً وعمودياً، نراها جميعاً ولا نكترث، وعدم الاكتراث هو جزء من التشوهات الحاصلة التي تقودنا نحو الاغتراب، فاصبحنا لا نبالي الا بالكاد لرؤوسنا، فما دام رأسي سالماً فلتقطع كل الرؤس، هذا حال الغالبية منا، وهي حال تنتج عن انعدام القدرة والشعور بامكانية التغيير أو حتى التأثير، ليس فقط في الشأن العام، بل حتى في ممالكنا الصغيرة، في قرانا أو احيائنا أو مبانينا أو على حتى أبواب بيوتنا. فلا القانون عاد موجوداً، ولا منظومة القيم الايجابية باتت فاعلة، ولا عادت الانتماءات الصغيرة للحزب أو العشيرة ذات مغزى، وطغت الأنا الكبيرة على كل ما عداها.

لهذا، وقبل ان نتبارى في ادانة الفاعل وسلوكه، ونسب الفعل الى الداعشية والسلفية، وقبل ان نسرع في اعادة وضع الاسود الى ما كانت عليه، أو اعادة تصميم وتطوير المنارة، فان علينا أن نستلهم من تصميمها الأصلي، ومن اسودها الأصلية التي كانت قبل ان يدمرها الاحتلال وعوامل الطبيعة، جوهر المدينة وروحها، وأن نبحث عن ضمان عدم تكرار مثل هذه الافعال، سواء بتحطيم الاسود مجدداً، أو بتشويه جدارية الشهيد نزار بنات، أو بتحطيم والتعدي على الممتلكات العامة كما يجري باستمرار، أو حتى بالتفحيط والازعاج بالسيارات والدراجات النارية ليل نهار، فهذه كلها افعال لا علاقة لها بالداعشية ولا بالسلفية، بل بثقافة وقيم دخيلة آخذة بالتمدد والتجذر، ستطال رؤوسنا قريباً، كما طالت رؤوس اسود المنارة.   

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo