ثغرات عدة جعلت من قانون العقوبات الفلسطيني عاجزا عن معالجة العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والحياة العامة للأفراد، أبرزها وقوف غالبية نصوصه عند مشارف القرن العشرين – زمن الانتداب البريطاني-، دونما تطوير للنصوص بما يتلاءم مع روح العصر وتطوراته، وبما يتناسب أيضا مع المواثيق الدولية، والتي من أبرزها اتفاقية "سيداو"، والتي أُقرت في العالم منذ أواخر القرن العشرين، ولا زال قانون العقوبات الفلسطيني -المحكوم للعادات والتقاليد والعرف المجتمعي-يعاني جمودا في تطبيق بنودها.
وهنا تتجلى العلة الأهم أيضاً من ناحية غلبة البعد العشائري وتأثيره على العديد من النصوص بل وطغيانه على بعضها وتحديداً في القضايا المتعلقة بالقتل على خلفية ما يعرف بالشرف، وقانون تنازل "ولي الدم"، في ظل غياب واضح لتأـثير منظمات المجتمع المدني في كبح تدخلات العادات والتقاليد والعرف، والتي شكلت أساساً في جمود قانون هو أصلاً يعاني من القِدَم والعجز حتى عن التقاطع مع القضايا الوطنية، خاصة وأن القانون تم سنّه أثناء الانتداب البريطاني.
وليس عجباً أن تطفو على السطح مثالب هذا القانون من خلال العديد من الجرائم بحق النساء والأطفال دونما عقوبة رادعة للجناة، الأمر الذي ساهم في تنامي معدلات الجريمة في المجتمع الفلسطيني بشكل لافت عما سبق.
كل المواطنين متضررون
زينب الغنيمي مديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة تحدثت لـ "زوايا" حول هذا الموضوع، مشيرة إلى أن قانون العقوبات تم طباعته في عام 1936، وهو "قانون قديم لا تتوافق مع الوضع الراهن أو المتطلبات الحالية".
وأضافت بـأن هناك تصنيفات جديدة للجرائم وأنواعها، على سبيل المثال الجرائم الالكترونية التي لم ينظمها هذا القانون، وبالتالي تم إنشاء قانون خاص بالجرائم الالكترونية حتى يتم سد النقص.
اقرأ أيضاً: تطبيق الحد الأدنى للأجور.. قطاع غزة خارج التغطية
وتابعت الغنيمي: بأن هذا القانون كان يتحدث عن الخيانة للملكية البريطانية أو الجرائم من هذا المستوى، ولكن على الجانب الوطني والجرائم التي ترتكب ضد السلطة السياسية، هناك إشكالية فيه وبالتالي يحتاج لتعديل، مؤكدة بأنه كان هناك مسودة تعديل قانون العقوبات، وهي موجودة في "درج الرئيس" منذ عدة سنوات.
وقالت مديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة، إن هذا القانون أنشئ أثناء الاستعمار البريطاني، وفي ذلك الوقت كانت معظم الدول العربية مستعمرات بريطانية أو فرنسية، والخلفية التي تحكم هذه الدول خلفية استعمارية، حيث لم تطرح الجرائم المتعلقة بالشق الذي له علاقة بالمساحات الوطنية.
وتابعت الغنيمي: على المستوى الاجتماعي هناك قضايا كثيرة متعلقة بهذا القانون، والآن تغير الوضع والواقع الاجتماعي، وأصبح هناك قضايا أكثر تحديثا، والمواطنون يملكون مهارات من نوع مختلف ومن الجنسين.
وحول مدى تضرر بعض الفئات من هذا القانون، قالت الغنيمي: إن كل المواطنين متضررون من هذا القانون، خاصة في القضايا التي لم يعالجها، مشددة على أن القضايا الخاصة بجرائم العائلة وتحديداً النساء والأطفال هم أكثر المتضررين من هذا القانون وبشكل أكثر من الرجال.
وتؤكد الغنيمي بأن هناك عقوبات تعتبر بسيطة قياساً للجرائم التي تُرتكب بحق النساء والفتيات مثل جرائم الاغتصاب أو الشروع بالاغتصاب.
وأوضحت: هناك عقوبات طرأت في ظل الوضع الراهن وتحديدا في زمن الانقسام، مثل قانون الصلح الجزائي أو "ولي الدم"، حيث يمكن أن يعفي هذا القانون عن القاتل مقابل الدية وتذهب ضحيتها نساء في الغالب، وهذا ليس ارتباطاً بالقانون الأصلي ولكن ارتباطاً بالتعديلات التي طرأت عليه.
وأردفت الغنيمي: بأن هناك فئات متضررة والعقوبات ضد القصّر وفاقدي الأهلية تعتبر بسيطة في جرائم الاعتداء أو القتل أو الخطف، والنساء متضررات من الاعتداء عليهن في قضايا العنف الجسدي، لأن كل هذه القضايا تعتبر جنح وهذه الجنح لا يُعاقب مرتكبوها في الغالب.
قانون يخالف المواثيق الدولية
بدوره يقول المحامي الفلسطيني، كنعان الصوراني: إن قانون العقوبات الفلسطيني قانون قديم مهترئ يحتاج إلى تعديل فوري وبأسرع وقت ممكن يتواكب مع العصر الحديث.
وأضاف في تصريح لموقع "زوايا"، بأن القانون يخالف العديد من المواثيق الدولية التي وقعت عليها دولة فلسطين، مشيراً إلى أنه يضطهد بنصوصه المرأة والطفل.
وأوضح أنه بحاجة إلى تعديل فوري وتطويره وإصدار قانون عقوبات جديد يتماشى مع التطورات، معربا عن خشيته من أن يحول الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس دون إصدار قانون جديد.
اقرأ أيضاً: هل جددت أمريكا مطالبتها بتعيين نائب للرئيس عباس؟
وتابع الصوراني: بأن على المُشرع الفلسطيني، أن يعيد النظر بتعمق؛ للوصول إلى قوانين وأساليب وأدوات وضوابط حقيقية فعالة، تواكب سرعة التطور اليومي للتكنولوجيا وبمرونة كافية.
قانون لم يواكب التطورات الاجتماعية الجديدة
من جانبه، يقول المحامي في مركز الميزان لحقوق الإنسان، سمير المناعمة، إن قانون العقوبات تمت طباعته في زمن الانتداب البريطاني عام 1936، وهذا قانون لم يواكب التطورات الاجتماعية الجديدة، مشيراً إلى أنه من المفترض أن يتم تحديث كل قانون كل عام أو عامين، بما يتواءم مع التطورات الاجتماعية والالكترونية.
وأضاف مناعمة في تصريح لموقع "زوايا": أن هذا القانون على سبيل المثال لم يُنظم ولم يتصدَ للجرائم الالكترونية وبالتالي هو عاجز عن التعامل مع القضايا الالكترونية، مشيراً إلى أن الفئة المتضررة المجتمع بشكل عام والأشخاص المجني عليهم بشكل خاص.
وتابع: نحن نتحدث عن قانون قديم، متسائلاً: هل يوجد نصوص مفتوحة يتم التعامل من خلالها مع جميع الجرائم، الجواب لا"، مشيراً إلى أنه قد تكون هناك مجموعة من الجرائم كجرائم تعريض الغير للخطر، وقد يكون في قانون العقوبات بشأنها نصوص مفتوحة.
وأردف مناعمة: لذلك يجب أن يكون هناك تعديل للقانون أو إقامة قانون عقوبات جديد يستطيع أن يتصدى لجميع الجرائم المستحدثة، حيث أن هناك جرائم ذم متعلقة بالجرائم الالكترونية.
وقال المحامي في مركز الميزان لحقوق الإنسان: إن كتلة التغيير والإصلاح أصدرت قانون رقم "3 2009 " لغرض التصدي للجرائم الالكترونية، "لكنه غير كافٍ" حيث أن تنظيم المجال الالكتروني يحتاج لضبط عمل الجهات الرسمية.
وشدد مناعمة على أن قانون العقوبات الفلسطيني بحاجة إلى تعديل بما ينسجم أيضا مع جميع الاتفاقيات الدولية التي وقعتها دولة فلسطين، حيث يقتضي هذا التوقيع بأن تباشر فلسطين بتعديل القانون مثل اتفاقية "سيداو" و"مناهضة التعذيب" و"إلغاء عقوبة الإعدام"، مشيراً إلى أن هناك تبايناً فيما قامت به فلسطين من ناحية توقيع الاتفاقيات الدولية وفيما تقوم بها من الناجية المحلية.
وفي سؤال حول مدى سطوة والعادات والتقاليد والعُرف، على القانون في فلسطين، قال المحامي في مركز الميزان لحقوق الإنسان: إن العادات والتقاليد والعرف مصدر للقاعدة القانونية، ولكنها لا تشكل قاعدة نافذة.
وأوضح: "نحن نشكل نظاماً سياسياً والمحاكم لدينا قانونية وليست عشائرية، العشائرية هي التي تلجأ للعادات والتقاليد، أما المحاكم النظامية مصدرها القانون، ولذلك تُستبعد هنا العادات والتقاليد.
وتطرق مناعمة إلى موضوع "إعفاء ولي الدم" موضحاً بأن هذا قانون أصدرته كتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي في عام 2009، حيث سمح هذا القانون للمحكمة النزول بعقوبة الإعدام إلى عقوبة أقل عندما يعفي ولي الدم عن القاتل وبذلك تستطيع المحكمة النزول بالعقوبة.
وفيما يتعلق بموضوع قتل المرأة على خلفية الشرف، قال المحامي في مركز الميزان، إن قانون العقوبات يسعف القاتل في هذا الشأن، موضحاً: "في قانون العقوبات جاء أن الموضوع يندرج تحت بند حالة الضرورة وحالة الدفاع ويعطي الحق للحاني للدفاع عن نفسه وعن ماله وعن شرفه وبالتالي قانون العقوبات وضع هذه الحالات بدون ضابط