من يدفع ثمن الانقسام والحصار

الانقسام الفلسطيني
الانقسام الفلسطيني

تتباين تقديرات كلفة الاحتلال للاقتصاد الفلسطيني والذي يتوقع أن يرتفع الأخير من ضعفين إلى خمسة أضعاف عند زوال الاحتلال، كما أن رفع الحصار عن القطاع يتوقع أن يؤدي إلى مضاعفة حجم الناتج على اقل تقدير. فقد تجاوزت خسائر الحصار أكثر من 20 مليار دولار حتى الآن في حين بلغ ناتج القطاع الإجمالي 2.752 مليار بالأسعار الجارية عام 2020، إن ذلك يشير إلى أن سكان القطاع يعيشون تحت نصف المقدرات الممكنة دون حصار وربعها في ظل الاستقلال على اقل التقديرات.  

 وعلى الرغم من تداخل آثار الانقسام والحصار على الوضع الاقتصادي بالقطاع إلا أن هناك آثار مباشرة لكل منهما تؤدي لتدهور الوضع الاقتصادي، بمعنى أن إنهاء الانقسام كليا أو حلحلته جزئيا يقود لعزل العديد من محددات الوضع الاقتصادي المتردي بالقطاع.

فمما لا شك فيه أن حالة الانقسام هي ركن أساسي في استمرار الحصار على القطاع، بالإضافة لتبعات الصراع الحزبي الذي يعزز اثر وتبعات الحصار على السكان.

إن هذا يوضح أن القطاع وحده يتحمل الكلفة وحده عبر الحصار بشكل مباشر وعبر الانقسام بشكل مباشر، أي انه يدفع مباشرة من موارده لصالح مناطق مثل الضفة الغربية أو الجوار أو حالات نفوذ أخرى كمراكز القوى الحزبية والحكومية التي تترعرع كمنطقة جذب في ظل أوضاع التردي العامة.

إن التدمير الإسرائيلي الممنهج للتكوين الرأسمالي الثابت من بنى تحتية ومن منشات زراعية وصناعية وخدمية وقيود حركة السلع والخدمات وعوامل الإنتاج مع الضفة والعالم الخارجي وقوائم السلع المتذرعة بالاستخدام المزدوج "مزدوجة الاستخدام" وغير ذلك أدى لتراجع الإنتاج والتشغيل والصادرات من القطاع وتعزيز الاعتماد على الواردات المعزز بالمساعدات والتحويلات مما يعزز إيرادات السلطة من المقاصة، وهي آثار الحصار المباشرة.

اقرأ أيضاً:  تطبيق الحد الأدنى للأجور.. قطاع غزة خارج التغطية

ومن جانب آخر فان اقتطاعات الرواتب وتوقف الاستثمار في الصحة والتعليم والبنى التحتية ودعم التعليم العالي وتراجع النفقات التشغيلية وحصة القطاع من التوظيف وخدمات الجهاز الحكومي وعدم استفادة القطاع من الغاز على شواطئه في مشاريع إستراتيجية بالإضافة لتعزيز الاحتكارات واستغلال المال شبه الحكومي بالقطاع  والضرائب المزدوجة واليات الاستيراد عبر آليات غير مؤسسية مثل تلك التي عبر مصر تؤدي  لتراجع النمو وسوء التوزيع وزيادة العوز وحرمان سكانه من غازهم وضرائبهم لصالح مناطق أخرى، وهي آثار مباشرة للانقسام.

كما أن الصراع الحزبي عزز إطباق الإقليم على القطاع وتقتير أشكال المساعدات له وقيد أيضا حركة التجارة الداخلية الفلسطينية وعزز الضرائب المزدوجة والقوانين والتشريعات واللوائح الإدارية التي تخدم الجهات الحزبية دون المصلحة العامة وضيق حركة التنقل والتعامل مع الإقليم، وهي آثار مشتركة للحصار والانقسام.

وعلى الرغم من أن القطاع يتحمل كلفة الحصار وحده دون مراعاة لهذه المنطقة المنكوبة من بقايا ما تبقى من الوطن، من خلال خنق منظومته الاقتصادية بل ويساهم ماليا وبشكل ملحوظ في تعزيز موازنة السلطة الفلسطينية عبر الضرائب والغاز كما بينا،  إلا أن المؤسف أن هناك آلية هرمية في تحمل الكلفة الاقتصادية للحصار، فالشرائح الهشة والمتوسطة أحيانا هي التي تقتطع مواردها ورواتبها وتتحمل العبئ الأكبر في تدهور خدمات الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي والبيئة وارتفاع الأسعار وجمودها نتيجة الإغلاق المتكرر واستغلال الاحتكارات والرأسماليين وتحرم من التنقل والسفر والتعليم بالخارج إلا بشق الأنفس وغيرها من الآثار، وعلى الجانب الآخر فان الرأسماليين والبنكيين والقيادات الوسطى والعليا في الأحزاب والكتل السياسية يتنقلون بسهولة ودون عناء بنفوذهم الريعي والمالي ويتعالجون ويتعلمون دون أعباء تذكر تنجم لتردي الواقع المحلي بل ويغنمون من خلال زيادة الاعتماد على التجارة بدلا من التصنيع، كما أنهم يغنمون من المعاناة والريع الناجم عنها من منح مالية وتحويلات ومنح دراسية وعلاج بالخارج ورفاه ورواتب وذلك من خلال النفوذ الحزبي بالقطاع أو الضفة ولا رقابة في ظل الانقسام فهو مرتع خصيب على استغلال الأموال العامة والنفوذ الحزبي لتجاوز الآلام الحصار والتربح منه ولا أدل على ذلك من وقفة عز وأداء الحكومات وتعيينات ذراري المتنفذين وهجراتهم المستمرة واستثماراتهم بما فيها بالخارج.

إن مراكز القوى ومجموعات الضغط من الإقطاع السياسي وما اقترن به من الرأسمال الانتهازي والمتثيقفين الذين يرضعون ثقافة الولاء للحزب واّله وضحالة الفكر والمنهج يحيدون عنهم آثار الانقسام والحصار بل ويعتاشون عليه، ويبقى للمواطن، الله والوطن.   

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo