الدولة الواحدة

محمود عباس
محمود عباس

هل يلوّح الرئيس عباس بفكرة الدولة الواحدة كمجرد تهديد، أم أنه يقر بأنها الخيار الوحيد المتبقي؟

" في حالِ مواصلةِ سلطاتِ الاحتلالِ الإسرائيليِ تكريسَ واقعِ الدولةِ العنصريةِ الواحدة، كما يَجري اليوم، فإنَّ شعبَنا الفلسطيني، والعالمَ بأسرِه، لنْ يقبلَ بذلك، وسَتفرِضُ المعطياتُ والتطوراتُ على الأرضِ الحقوقَ السياسيةَ الكاملةَ والمتساويةَ للجميع على أرض فلسطين التاريخية، في دولةٍ واحدة. وفي كلِ الأحوال، على إسرائيل أن تختار. هذه هي الخيارات أمامها، وعليها أن تختار"

هذا جزء من نص ما قاله الرئيس عباس في خطابه الأخير أمام الأمم المتحدة، ومن الواضح أن ما قاله يعبر عن حالة من فقدان الأمل في الوصول إلى نتائج مُرْضِية فيما يتعلق بخيار حل الدولتين، الذي بنيت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وفقاً له، أو ربما وفقاً لظن الفلسطينيين أنهم سيصلون إليه في نهاية المطاف، على اعتباره الحد الأدنى المقبول فلسطينياً، والحل المدعوم دولياً، على الأقل على مستوى القرارات النظرية التي أصدرها العالم، حيث لا يزال العالم يرى في أراض ال 67 أراضٍ محتلة، ويرفض الاعتراف لإسرائيل بأي حق في أي جزء من تلك الأراضي، بما فيها القدس الشرقية، لكن إسرائيل وطوال الثلاثين سنة التي تلت انطلاق مؤتمر مدريد أواخر عام 1991م لم تبد أي تراجع في سعيها المحموم تجاه ابتلاع أراض ال67، ما يناقض جوهر فكرة حل الدولتين على ذات الأرض التي قال العالم للفلسطينيين أنه يعترف بحقهم فيها، وبأنه لا يزال يرى في إسرائيل دولة محتلة.

اقرأ أيضاً:  بلديات وقرى الضفة الفلسطينية تغرق بمياه الصرف الصحي

لقد أحدثت أسرائيل طوال العقود الثلاثة السابقة، واقعاً يبدو أن الفلسطينيين اكتشفوا أخيراً أن لا أحد يستطيع تجاهله، حيث يمكن القول أنه لم يعد هناك شيء اسمه ضفة غربية فلسطنية، وهناك تشابك يحول حتماً بين خلق كيان فلسطيني مترابط في الضفة الغربية، كما أن هناك الآن مستوطنات أشبه بالمدن، أو هي مدن بالفعل تعتبرها إسرائيل جزءاً لا يتحزأ منها، ولا يبدو أن العالم الذي لا يعترف بحق إسرائيل فيها قادرٌ على فرض إرادته على إسرائيل، وهذا يعني باختصار: انتهاء حلم حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران، هذا الواقع الجديد الذي لم يستطع الرئيس الفلسطيني تجاهله في خطابه الأخير، بل إنه أشار إليه بوضوح فيما أسماه:" تكريس واقع الدولة العنصرية" أي الدولة التي تحكم كل الأرض، وكل السكان، لكن دون أن تعترف لهم بحقوق متساوية، ثم أضاف: إنَّ شعبَنا الفلسطيني، والعالمَ بأسرِه، لنْ يقبلَ بذلك، وسَتفرِضُ المعطياتُ والتطوراتُ على الأرضِ الحقوقَ السياسيةَ الكاملةَ والمتساويةَ للجميع على أرض فلسطين التاريخية، في دولةٍ واحدة.

بكلمة أخرى: يبدو أن وجهة النضال السياسي الفلسطيني- التي فقدت الأمل في فكرة حل الدولتين، وفي قدرة العالم على إجبار إسرائيل على الانسحاب من كل الضفة الغربية، ناهيك عن القدس- يبدو أن وجهة هذا النضال ستتجه إلى البديل الذي فرضته إسرائيل على أرض الواقع، وهو الدولة الواحدة، لكن ليست تلك التي تريدها إسرائيل، والتي لا تعطي فيها كل المحكومين نفس الحقوق، ونفس درجة المواطنة، إنما الدولة التي يحظى فيها كل المواطنون بذات درجة المواطنة، لأن شعبنا- كما قال رأس الدبلوماسية الفلسطينية- لن يقبل بدولة الأبارتايد العنصرية، ومعه العالم الذي تبدلت قيمه تجاه قبول دول لا تمنح مواطنيها حقوقاً متساوية.

لست متعجلاً بالقول أن هذه النتيجة حتمية في عقل الدبلوماسية الفلسطينية، وقد لا تعدو كونها مجرد فزاعة يشهرها الرئيس عباس في وجه العالم، ووجه إسرائيل، فإما أن تقبلوا بحل الدولتين المعترف به دولياً على حدود ال 67، وإما فإن الدولة الواحدة هي الخيار الوحيد المتبقي أمام إسرائيل، والذي يعني في نتيجته إلغاءً حتمياً لفكرة يهودية الدولة، لأن الدولة المقبلة التي ستنتج عن إجراءات إسرائيل على الأرض ستكون متعددة الأعراق، وقد تكون الغلبة فيها للعرق الفلسطيني، وليس اليهودي.

قد يكون ما قاله الرئيس عباس مجرد تلويح ببديل تخشاه إسرائيل، وقد لا يكون مشروع الدبلوماسية الفلسطينية المستقبلي، لا أستطيع الجزم كما قلت قبل قليل، لكن ما أستطيع أن أجزم به هو أن إسرائيل جرّفت حل الدولتين، وبخّرته، وأن العودة إليه وفق الرؤية الفلسطينية له أقرب إلى المستحيل، إن لم يكن المستحيل ذاته، وبالتالي فإن ما يهدد به الرئيس عباس يبدو بالفعل هو آخر ما تبقى أمام الفلسطينيين، وإسرائيل على السواء، وهو بالمناسبة من وجهة نظري أقرب إلى الحق الفلسطيني التاريخي في كل فلسطين من فكرة حل الدولتين، حتى بمواصفاته الفلسطينية، التي تتحدث عن 22% فقط من فلسطين التاريخية، دون أي ضمانة لحق عودة اللاجئين، التي هي جوهر القضية الفلسطينية.

أياً ما يكن، سواءً كان ما قاله الرئيس عباس مجرد تهديد، أو أنه يعني بالفعل أن حل الدولة الواحدة سيكون هو بالفعل وجهة نضال الدبلوماسية الفلسطينية، فإن كل الوقائع التي فرضتها إسرائيل على الأرض، وبات من الصعب، وربما من المستحيل التراجع عنها تقول: نحن ذاهبون إلى الدولة الواحدة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo