مع غياب الحلول

تقرير بلديات وقرى الضفة الفلسطينية تغرق بمياه الصرف الصحي

مياه الصرف الصحي في الضفة
مياه الصرف الصحي في الضفة

يتعايش الفلسطينيون في الضفة الغربية مُكرهين مع كثير من المشاكل والكوارث البيئية والصحية التي غالبًا ما يكون الاحتلال الإسرائيلي مسببًا رئيسًا فيها، من بينها سرقة المياه الجوفية، وإلقاء نفايات المستوطنات الكيماوية، وإطلاق الخنازير البرية لتعيث فسادًا وخرابًا بالأراضي الزراعية.

ولكن هناك مشكلات صحية وبيئية يكون أحد المسببات فيها هو تقصير السلطة الفلسطينية والمجالس البلدية تجاه التجمعات والقرى الفلسطينية، التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة الكريمة، والتي تحتاج إلى تدخل عاجل قبل حدوث الكارثة.

والحديث هنا عن افتقار القرى والتجمعات الفلسطينية لشبكات الصرف الصحي خاصة من المناطق التي تخضع إدارتها للسلطة الفلسطينية، حيث تغطي شبكاتُ الصّرف الصحيّ العاملة ما نسبته 33% فقط من أراضي الضفة، وتقع معظم هذه الشبكات في المدن الكبيرة، فيما تكاد تكون معدومة في القرى والبلدات الفلسطينية.

1.jpg

ونتيجة هذه الأوضاع يضطر أكثر من نصف سكان الضفة لإيجاد طرق للتخلص من المياه العادمة بأنفسهم، عن طريق الحفر الصماء المكلفة مادياً أو الحفر الامتصاصية التي تسمح بتسريب المياه العادمة إلى باطن التربة أو المياه الجوفيّة، والتي يكون لها تبعات كارثية، وتطالُ آثارها الإنسان والبيئة والمياه الجوفية والتربية الحيوانية والزراعية.

قنابل موقوتة

معتصم حميدة المهندس في مجلس قروي بورين بنابلس أكد لــ"زوايا" أن الحفر الامتصاصيّة تسمح بتسريب المياه العادمة إلى التربة، عبر فراغات في جدرانها تسمح بعبور المياه العادمة إلى طبقات التربة للتخلّص منها وتفريغ الحفرة باستمرار، وهذه الحفر لا تحتاجُ إلى مساحةٍ واسعة، ويمكن إنشاؤها من موادّ بسيطة، وهو ما يدفع الكثير من المواطنين وسكان القرى إلى اللجوء إليها لعدم وجود أي حلول أخرى.

وكشف حميدة أن عملية التخمرّ تزداد داخل هذه الحفر بفعل البكتيريا الموجودة في فضلات الإنسان، والتي ينبعثُ منها عددٌ من الغازات السّامة، ويؤدي عدم مرور الهواء داخل هذه الحفر إلى زيادة تركيز هذه الغازات، وبالتالي زيادة سميّتها، ما يجعلها قنابل موقوتة قد تودي بحياة أيّ إنسانٍ إذا استنشاقها بكميةٍ كبيرةٍ.

ويضيف "حميدة" لزوايا أنّ الحفر الامتصاصيّة، لا تمنع المياهَ العادمة من الوصول إلى المياه الجوفية والينابيع والعيون، ما يفقد الفلسطينيينَ مورداً آخر من الموارد القليلة المتبقية لهم للحصول على المياه.

2.jpg

ويسيطر الاحتلال على ما يزيد من 85% من المياه الفلسطينيّة، بينما يواجه ما تبقى خطرَ التلوّث وعدمَ الصلاحية للاستخدام الآدميّ بفعل مياه الصرف الصحي ومخلفات المستوطنات.

وبحسب تقرير البنك الدوليّ لعام 2018، تنتج الضفّة المحتلة سنويّاً ما يزيد عن 69 مليون متر مكعبٍ من المياه العادمة، يتم تجميع 30% منها فقط في شبكات الصرف الصحيّ أي ما يقارب 21 مليون متر مكعب فقط، والباقي يتم التخلص منها في البيئة الفلسطينيّة وباطن الأرض.

روائح كريهة وتكاليف مالية شهرية

ويؤكد المواطن محمد دويكات من بلدة بورين في نابلس لـ"زوايا" أنه يضطر لدفع مبلغ مالي يصل إلى 600 شيكل شهرياً "قرابة 200$"  لتفريغ حفرة صماء مغطاة بالجدران من الفضلات والمياه العادمة، عبر شركاتٍ خاصّة تملك صهاريج ومعداتٍ تقوم بسحب المياه العادمة من الحفرة، وتفريغها في الأودية والمستنقعات وأراضي نائية والتي تسبب تلوثاً بيئياً ومكاره صحية.

وأضاف "دويكات" أن روائح كريهة تنبعث من تلك الحفر، خاصةً بعد امتلائها بالمياه العادمة والفضلات، الأمر الذي ينعكس على سكان المنزل وباقي سكان المنطقة، مشيرةً إلى أن ذلك الوضع كثيراً ما يتسبب في حدوث نزاعات بين السكان الذين ضاقوا ذرعاً بهذه المكرهة البيئة.

كما تطرق دويكات إلى التكاليف المالية الباهضة التي يتكبدها المواطنون لحفر هذه الآبار من الحصول على التراخيص اللازمة من البلديات، موضحاً أن العديد من المواطنين لجأوا إلى الحفر العشوائية بجانب منازلهم، والتي كان لها آثاراً كارثية على المياه الجوفية والأراضي الزراعية المجاورة. 

وهنا يفرق المواطن دويكات بين الحفر الصماء التي تحيطها الجدران الاسمنتية وتغطي أيضاً بالإسمنت والتي تحتاج إلى وجود تراخيص وتتبع إلى إشراف مباشر من البلدية، وبين الحفر الامتصاصية التي يحفرها المواطنون بطريقة عشوائية ودون التزام بالمواصفات والمعايير التي تضعها البلديات.   

السلطة والبلديات المحلية مقصرة

خالد معالي الباحث في شؤون البيئة بالضفة الغربية خلال حديثه لـ "زوايا" قال إن مشكلة مياه الصرف الصحي تطال معظم المناطق الريفية في الضفة المحتلة، والتي لا توجد فيها شبكات صرف صحي، ويلجأ سكانها إلى الحفر الامتصاصية لتصريف هذه المياه، وأحيانا بدون حفر عبر مد بعض الأنابيب إلى الأراضي المجاورة والوديان، مشيرا إلى أن خطرها يكمن في عدم وعي المواطنين بأهمية التصريف السليم والصحيح، والبعض يستخدمها كنوع من السماد للأراضي الزراعية.

وأضاف معالي أن هذه المشكلة تطال أيضاً بعض المدن التي تصرف مياه المجاري إلى الوديان والأراضي القريبة، وأن بعض القرى والتجمعات شهدت مؤخراً إنشاء بنى تحتية، لكنها برأيه غير كافية.

3.jpg

واتهم معالي السلطة الفلسطينية بالتقصير في إيجاد حلول جذرية لمشكلة مياه الصرف الصحي، التي عادت على البيئة والينابيع والوديان والمياه الجوفية بالضرر الكبير، مؤكداً أن الميزانيات التي تخصص لتحسين جودة البيئة وحل مشكلة الصرف الصحي تكاد تكون معدومة، ونحن أمام مشكلة كبيرة في المستقبل القريب إذا لم يكن هناك خطط وبرامج سريعة لحل هذه المشكلة البيئية والصحية.

وقال معالي إن التقصير واضح من قبل السلطة والتي تتذرع دائماً بأن هذه القرى والتجمعات نائية وبعيدة عن المدن وتحتاج إلى ميزانيات مالية ضخمة، مؤكداً أن مشكلة الصرف الصحي تطال المدن الفلسطينية التي تخضع مباشرة لإدارة السلطة الفلسطينية، مشيراً في ذات الوقت إلى تفشي الفساد داخل المجالس المحلية والبلدية،  وهو ما يحول دون تنفيذ الخطط اللازمة لعلاج هذه المعضلة.

كما تطرق الباحث البيئي إلى الدول المانحة التي قال: "إنها تقتصر في دعمها المالي على الجوانب الأمنية واللوجستية على حساب الجوانب البيئة والصحية التي تحافظ على صحة المواطن والصحة المجتمعية بشكل عام".

بحاجة لميزانيات ضخمة

وسبق أن أكد مدير سلطة جودة البيئة في محافظة الخليل "بهجت جبارين" أن مشكلة مياه الصرف الصحي قديمة جديدة، وهي على سلم الأولويات للحكومة الفلسطينية، مؤكداً أن إنشاء محطات للصرف الصحي وتكرير مياهها، يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، والتمويل الخارجي تشغيلي وليس تطويري، أي بما يخدم سياسة الجهة المانحة.

ولا تخفي البلديات والمجالس المحلية بالضفة، أن العراقيل التي تضعها سلطات الاحتلال وارتفاع مديونية المجالس البلدية على المواطنين وكذلك تكلفة إنشاء شبكات الصرف الصحي، يحول دون إنشاء شبكات صرف صحي قادرة على المحافظة على البيئة والحياة البشرية دون تعرضها للإصابة بالأمراض.

كما تعتبر أن إلقاء المواطنين مخلفات صرفهم الصحي في الشوارع وبين الأحياء السكنية يزيد من تلوث البيئة على نطاق واسع، ويلوث الهواء ويساعد في تفشي أمراض بيئية وصحية على المواطنين، داعية المواطنين إلى الكف عن هذا التصرف الكارثي بحق البيئة والأرواح البشرية.

المستوطنات عائق أمام تنفيذ بعض المشاريع

وأوضح معالي أن العامل الأكثر خطورة يكمن في الاستيطان وبناء المستوطنات، التي تلقي بمياه الصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية، وأن الاحتلال يتذرع بشكل مضلل بأنه يقوم بعملية تكرار لهذه المياه.

وأفاد بأن وجود الاحتلال والمستوطنات عقد المشكلة وأعاق تنفيذ بعض مشاريع الصرف الصحي، كما يحدث في بلدية سلفيت، حيث يعيق الاستيطان مشروعاً لمياه الصرف الصحي منذ ثلاثين عاماً والممول من ألمانيا، مشيراً إلى أن الاحتلال يتحمل كامل المسؤولية كونه المتحكم بكافة مفاصل الحياة بالضفة.

وأضاف أن حجم النمو الطبيعي لسكان الضفة الغربية كان من الممكن أن يستوعب مشكلة الصرف الصحي، ولكن قدوم المستوطنين بالمئات واستيلائهم على الموارد الطبيعة، زاد المشكلة وفاقم منها، حيث تضخ العديد من المستوطنات المنتشرة في الضفة مياه الصرف الصحي تجاه القرى والبلدات الفلسطينية.

وفي هذا الإطار، أفادت دراسة أصدرها معهد أرافا بالتعاون مع بعض المنظمات الإسرائيلية والفلسطينية في شهر ديسمبر من العام الماضي تحت عنوان "مراقبة مجاري المياه الفلسطينية-الإسرائيلية" أن معظم المياه العابرة للحدود في المنطقة تعاني من تلوث واسع النطاق ناتج عن مصادر فلسطينية خصوصاً مياه الصرف الصحي، بالإضافة إلى عدد من المصادر من داخل الاحتلال الإسرائيلي.

ولا يتسبب التلوث في تدمير الأنهار والنظام البيئي المرتبط بها فحسب، وإنما يتعدى ذلك ليصل إلى المياه الجوفية ويضر بمصادر مياه الشرب، كما يوفر بيئة مساعدة لتكاثر البعوض وغيره من الحشرات التي تؤدي إلى انتشار أمراض مثل حمى غرب النيل، كما تتأثر المحاصيل الزراعية في المناطق الملوّثة بمياه المجاري، وتصبح غير صالحة للأكل، فعدا عن أشجار التين والزيتون، لا تصمدُ معظم المحاصيل كالبصل والفول وغيرها أمام هذا التلوث، مما اضطر المزارعين الفلسطينيين في حالاتٍ كثيرةٍ لتغيير نوعية المحاصيل التي اعتادوا على زراعتها أو بيعها.

ومع استمرار مشكلة مياه الصرف الصحي، تزداد وبشكل يومي الخسائر البيئة، وعلى رأسها الأرض الفلسطينية رأس مال المواطن الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب تعزيز المسؤولية المجتمعية لدى المواطنين والابتعاد قدر الإمكان عن الحفر الامتصاصية العشوائية، وتدفع المسؤولين إلى إنشاء شبكات صرف صحي وإيجاد بدائل وحلول سريعة لحماية البيئة الفلسطينية.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo