قُوبل مؤتمر "أربيل" الذي عقد يوم الجمعة الماضية والذي دعا لتطبيع العلاقات بين العراق وإسرائيل، استنكاراً رسمياً وشعبياً في العراق، مؤكدين على أن دعاة التطبيع لا يمثلون إلا أنفسهم والعراق بريئة من هذه الدعوات، مجمعين على رفض التطبيع ودعم حقوق الشعب الفلسطيني كافة حتى إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهو ما ثمنته حركة المقاومة الإسلامية حماس، التي دعت الأنظمة العربية لاتخاذ مواقف مماثلة للمواقف الرسمية العراقية.
وكان نحو 300 عراقي من كردستان العراق (أربيل)، فيهم شيوخ عشائر من السنة والشيعة دعوا إلى التطبيع بين العراق و"إسرائيل"، خلال مؤتمر عقد تحت عنوان "السلام والاسترداد" نظم في كردستان العراق برعاية منظمة أمريكية، يوم الجمعة الماضية.
وتعد هذه الدعوة سابقة هي الأولى من نوعها، حيث يؤكد العراق باستمرار على دعم حقوق الشعب الفلسطيني ورفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي مهما كانت الظروف.
وتتمتع منطقة كردستان بالحكم الذاتي في شمال العراق، وتُقيم علاقات ودية مع "إسرائيل"، وهي تقف بذلك على طرف نقيض مع مواقف المسؤولين والفصائل السياسية العراقية.
ونادى المؤتمر بالانضمام إلى اتفاقيات أبراهام (اتفاقات التطبيع التي وقعت بين اسرائيل والامارات والسودان والبحرين) مؤخراً، وعلاقات طبيعية مع "إسرائيل" وبسياسة جديدة تقوم على العلاقات المدنية مع شعبها بغية التطور والازدهار".
وقالت سحر الطائي - مديرة الأبحاث في وزارة الثقافة ببغداد والتي كانت من المتحدثين خلال المؤتمر- "لا يحق لأي قوة، سواء كانت محلية أم خارجية، أن تمنعنا من إطلاق مثل هذا النداء".
وكان بين المتحدثين العراقيين لواء سابق وأحد قادة الصحوة وهي فصائل عشائرية قاتلت التنظيمات المتطرفة بدعم من واشنطن. كما تحدث خلال المؤتمر عبر الفيديو تشيمي بيريز الذي يرأس مؤسسة أسسها والده الرئيس "الإسرائيلي" الراحل شيمون بيريز.
ووفقا لـ "فرانس برس"، زار العديد من قادة كردستان العراق، خلال العقود الأخيرة، "إسرائيل" ودعا السياسيون الأكراد علانية إلى التطبيع معها. وفي عام 2017، عندما نظم أكراد العراق استفتاء الاستقلال المثير للجدل، كانت "إسرائيل" من بين الداعمين القلائل لهم.
ردود فعل رسمية وشعبية وفصائلية عراقية رافضة بشدة
من جهتها أعلنت الحكومة العراقية، في بيان رسمي رفضها القاطع للاجتماع الذي عقد في أربيل، قائلة "هذه الاجتماعات لا تمثل أهالي وسكان المدن العراقية العزيزة، التي تحاول هذه الشخصيات بيأس الحديث باسم سكانها".
وأضافت أن "هذا الاجتماع يمثّل مواقف من شارك بها فقط، فضلاً عن كونها محاولة للتشويش على الوضع العام وإحياء النبرة الطائفية المقيتة، في ظل استعداد كل مدن العراق لخوض انتخابات نزيهة عادلة ومبكرة".
وشددت الحكومة العراقية في بيانها على أن طرح مفهوم التطبيع مرفوض دستوريا وقانونيا وسياسيا في الدولة العراقية.
وأشارت إلى أن "الحكومة عبرت بشكل واضح عن موقف العراق التاريخي الثابت الداعم للقضية الفلسطينية العادلة، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه بدولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ورفض كل أشكال الاستيطان والاعتداء والاحتلال التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الشقيق".
اقرأ أيضاً: الاستيطان "الصامت".. نهبٌ يفوق المُعلن
من جهته، أكد زعيم تحالف قوى الدولة الوطنية، عمار الحكيم، اليوم السبت، رفضه لدعوات التطبيع مع إسرائيل التي تعقد داخل العراق.
وقال في بيان صحفي: "نستنكر ونرفض المؤتمرات والتجمعات ودعوات التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب التي تعقد داخل العراق".
وأضاف أن "القضية الفلسطينية تمثل قضية العرب والمسلمين الأولى و لذلك نجدد دعمنا الكامل للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ونضاله لاسترداد حقه المغتصب، وأن القضية الفلسطينية حق لا يسقط بالتقادم".
تجمع للعهر السياسي
بدورها، دعت هيئة الحشد الشعبي، إقليم كردستان إلى الالتزام بالدستور؛ وقال الحشد:" "تابعنا ما يسمى تجمعاً للعهر السياسي لبعض الخونة والمارقين عن الإسلام والعروبة والعراق في أربيل واتصلنا بعشائرهم التي تبرأت منهم كما أنهم لا يمثلون الطائفة الكريمة لأهل السنة والجماعة في العراق.
وحذر البيان، المسؤولين في إقليم كردستان من "خطورة اللعب بالنار وطالبهم بأن يكون لهم موقف وطني واضح وصريح في التصدي لأعداء العراق والالتزام بالدستور والقانون ونقول إن ما حدث في أربيل هو جريمة وخيانة عظمى لقضية الإسلام والعرب والمسلمين بل إن فلسطين لازالت قضية جميع الاحرار في العالم والعنوان الذي يميز بين المسلمين والمنافقين وبين الوطنيين والعملاء".
وختم البيان، "سيبقى الشعب العراقي وفياً لقضية فلسطين المحتلة لأنها جرح في قلوبنا وضمائرنا وهي عنوان عرضنا وغيرتنا وكرامتنا ولن نتخلى عن شعبنا الفلسطيني ونشعر امامهم بالخجل من تصرف هؤلاء الخونة ولن نقبل إلا بزوال الاحتلال الصهيوني الكامل عن ارض المقدسات الإسلامية والمسيحية وعودة جميع المهجرين ظلماً الى وطنهم وإقامة دولة فلسطين التي تضم المسلمين والمسيحين واليهود وطرد المحتلين الصهاينة الى بلدانهم وإقامة دولة فلسطين على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف هذا موقفنا امام الله والشعب والأمة".
كما وحذر زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، الحكومة العراقية إن لم تجرم وتعتقل المجتمعين في مؤتمر أربيل، فإن التيار سيقع على عاتقه ما يجب فعله شرعياً وعقلياً ووطنياً، في إشارة إلى إمكانية أن يتم ملاحقة المجتمعين الـ 300 في مؤتمر أربيل من قبل التيار.
في ذات السياق، أكد كتائب حزب الله - شمال العراق على وجوب استمرار العمليات ضد الأوكار الصهيو-أمريكية لحفظ أمن البلاد وتفويت الفرصة على الخونة المطبعين. في إشارة لمؤتمر أربيل.
فلسطينياً، ثمنت حركة حماس موقف الحكومة العراقية الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والمؤكد على دعم القضية الفلسطينية والحقوق الكاملة لشعبنا الفلسطيني.
ترحيب فلسطيني بالتنديد بالمؤتمر
وقالت الحركة في بيان لها وصل "زوايا" نسخة منه، :"إن هذه التصريحات تعكس الروح العروبية الصادقة، والحس القومي الأصيل للعراق الشقيق، وتعبيرا عن أصالة العراق قيادة وحكومة وبرلمانا وشعبا، ومواقفه النبيلة تجاه فلسطين وقضايا شعبنا العادلة.
ودعت الدول العربية والإسلامية كافة إلى الوقوف عند مسؤولياتها باتخاذ خطوات مماثلة تنسجم مع مواقف الشعوب الرافضة للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني، والعمل على توفير كل عوامل ومقومات صمود شعبنا الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ومشاريعه ومخططاته.
ترحيب إسرائيلي بمؤتمر أربيل
من جهتها احتفت "القناة الإسرائيلية 12" بالمؤتمر الذي ضم قادة عراقيين حثوا للتطبيع مع إسرائيل، ورحبوا بنجل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز الذي ألقى كلمة باللغة العبرية، عن "الحاجة إلى علاقة سلام والحفاظ على العلاقات الإسرائيلية العراقية".
ومن الجانب الإسرائيلي، رد وزير الخارجية يائير لابيد على دعوات القادة العراقيين بخصوص السلام، قائلا: "منذ اليوم الذي تولت فيه هذه الحكومة مقاليد الأمور، كان هدفنا هو توسيع الاتفاقيات الإبراهيمي.. الحدث في العراق يبعث بالأمل في أماكن لم نفكر فيها من قبل".
وأضاف لابيد: "نحن والعراق لدينا تاريخ مشترك وجذور مشتركة في المجتمع اليهودي، وحيثما وصلوا إلينا، سنبذل قصارى جهدنا للعودة".
ورغم أن هذه الدعوة تفتح الآفاق لدولة الاحتلال الراغبة في تطبيع العلاقات مع الدول العربية، إلا أنها هدف بعيد المنال في ظل الإجماع العراقي على رفض الكيان الصهيوني والتطبيع معه، والتأكيد على الحقوق الفلسطينية ودعمها حتى تحرير فلسطين.