مجموعة الاتصالات الفلسطينية.. قوة الرأسمال الاحتكاري

الاتصالات الفلسطينية
الاتصالات الفلسطينية

مجموعة الاتصالات الفلسطينية بالتل مملوكة لشركة فلسطين للتنمية والاستثمار المحدودة (باديكو القابضة) وهي شركة مساهمة قابضة محدودة المسؤولية مسجلة في ليبيريا وقد بلغت القيمة السوقية للشركة نهاية الأسبوع الأول من سبتمبر الحالي 983.9 مليون دولار أمريكي مقتربة من حاجز المليار وبما يشكل 23% من القيمة السوقية لإجمالي الشركات المدرجة في سوق فلسطين للأوراق المالية وأكبرها على الإطلاق.

وتحقق مجموعة الاتصالات الفلسطينية والتي تتضمن كل من شركة الاتصالات وشركة جوال وأيضا كل من حضارة وريتش لتزويد خدمات الانترنت والتزويد الخارجي لخدمات الاتصالات على التوالي، أرباح احتكارية عالية جدا حيث بلغ الربح الإجمالي بالمليون دينار عام 2019 238.5 في ظل إيرادات تشغيلية بلغت 297.5  بينما بلغت الإيرادات التشغيلية 296.8 وصل معها الربح الإجمالي الى 240.4 وبالمليون دينار أردني أيضا في عام 2020، أما في عام 2021 فقد ارتفعت صافي الأرباح بمقدار 147% و 143% في كل من الربع الأول والنصف الأول على التوالي مقارنة بنفس الفترة في عام 2020. ومن المثير للغرابة ان تحقق الشركة هذه المستويات من الأرباح في ظل جائحة الكورونا التي تعصف بالعالم وبالاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني من تراجع مؤشراته الاقتصادية والمالية والمالية العامة والانتكاسة الاقتصادية الغير مسبوقة التي يعاني منها قطاع غزة بالخصوص خلال نفس الفترة المشار إليها والذي يضم عددا معتبرا من المشتركين لخدمات الاتصالات الثابتة والخلوية وخدمات الانترنت.

 

ومما قد يجلي هذه الغرابة إذا علمنا أن مستوى سعر 1 جيجابايت حسب تقرير لموقع كابل عام 2020 قد بلغ في فلسطين بالمتوسط 3.26 دولار أمريكي وهو بذلك أكثر كلفة من كثير من الدول العربية بما فيها الغنية حيث بلغ 0.77 بالكويت 0.5 بالصومال 2.12 بالسعودية 2.27 بالبحرين 1.03 بالأردن 1.09 بمصر 1.73 بتونس 0.64 بالجزائر 0.99 بالغرب 1.12 بجيبوتي و 0.63 بالسودان وإسرائيل 0.11 دولار وعند اخذ تعادل القوة الشرائية وتدمير البنى التحتية بشكل فاحش بدول مثل اليمن وليبيا والعراق ولبنان فقد نكون الأعلى كلفة أو من الأعلى كلفة على الإطلاق. وتبقى المقارنة والمقاربة سائغة لكلفة الانترنت حسب تقرير سابق لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم مجمل الدول المتقدمة فان العرب يدفعون أكثر 500% مقارنة بالغربيين مع الانتباه أيضا لفروق الدخل الشاسعة، فالعرب يدفعون 126 دولار للخطوط الأرضية مقابل 420 مكالمة مقابل 77 دولار للغربيين، بينما باقة الانترنت تشمل 900 مكالمة مع 2 جيجابايت تكلف 265 دولار بينما تكلف الغربيين 44 دولار ما يعادل 500% مقارنة بهم، وذلك حسب تقرير لمنظمة OECD  عام 2018 ولفلسطين الصدارة دوما. ولم يشفع في ذلك الزيادة الحادة المضطردة في زيادة أعداد المشتركين والخطوط الثابتة والخلوية وخطوط الانترنت "فائقة السرعة" والتي بلغت تقريبا 3.8 مليون، 466 ألف، 3 مليون 373 ألف على التوالي والتي يفترض أن تقود لوفورات الحجم وتخفيض التكلفة.

 

ولا يخفى معضلة الجودة الرديئة والانقطاع المستمر ففي العدوان الأخير على القطاع استهدفت البنى التحتية بالخصوص وانقطع الانترنت بالكامل عن أماكن شاسعة طوال العدوان وألزم المواطن الفلسطيني الصامد بدفع كامل ثمن الخدمة التي لم يتلقاها ولم يستهلكها ولم تعر الشركة اهتماما لأي شكل من الاحتجاج الرسمي حول ذلك والذي تقدمت به شخصيا أيضا لاختبار السلوك للشركة والذي لا يخفى علينا. إن هذا السلوك الذي دفع الشركة على إجبار المواطنين ملايين المرات على الاستماع لاسطوانة تطالبهم فيها وكأنها تتهمهم بإعادة المسروقات التي تدعي الشركة سرقتها من مخازنها في قضية لا يعلم ولا علاقة للمواطن بها، في مشهد تحقيري سريالي يكاد لا يصدق، نعم انه سلوك الشركة "الخدماتية" وكيف لا وهي التي نمت وعاشت على الاحتكار وربت عليه. ناهيك عن تحويل البرامج دون إذن المشترك والتواطؤ مع المؤسسات دون شفافية ضد مشتركيها

 

إن عدم وجود بدائل او انخفاض المرونة التقاطعية عليها والحماية من المنافسة بسبب عائق الدخول القانوني، وربما حالة التواطؤ التي برزت مؤخرا اثر دخول منافس للقطاع في الاتصالات الخلوية والتي لا تقل هزلية حيث كمحاولة لزيادة الأرباح تقوم جوال بطرح اكبر عدد ممكن من الشرائح في السوق وان كان ذلك على حساب السعة التقنية التي تمتلكها الشركة مما يقود لسوء الخدمة هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تسعى الشركة لزيادة حصتها من السوق والوصول لحالة أشبه بالاحتكار الطبيعي Natural Monopoly والمحافظة عليه وذلك بزيادة تكلفة استخدام المستهلكين للبدائل المستقبلية المحتملة من خلال تمليك اكبر عدد ممكن من الشرائح لأكبر عدد ممكن من المستهلكين. ويرافق ذلك إستراتيجية الإعلان المفرطةCreation of advertising over capacity  والتي تعد جانب من تشويه تخصيص الموارد الاقتصادية في حال الاحتكار والذي من الأولى تخصيص هذه النفقات الباهظة لأوجه التنمية البشرية او المسئولية الاجتماعية الحقيقية، بينما تستخدم وتنفق كأنماط دعائية من قبل الشركة،  مما سيعطي انعكاس أفضل على جاذبية الشركة خصوصا في الظروف الصعبة التي يمر بها أبناء شعبنا.
 

فخدمات الاتصالات والخلوية منها أيضا يجب أن تعامل على أنها حالة وسيطة بين السلع العامة والسلع الخاصة وهي ما يعرف اقتصاديا بـ Club Goods والتي طورها جيمس بوكانان عام 1965 وهو الحائز على نوبل في الاقتصاد عام 1986. وتتضمن النظرة الاقتصادية لهذه السلع على أنها قابلة للاستبعاد Excludable وغير تنافسية Non-Rival إلا بعد حد معين وهو الذي تجاوزته جوال، فهي سلع يتم مشاركتها بين الناس بشكل اكبر من السلع الخاصة وبشكل اقل من السلع العامة.
 

وخلاصة القول بان خدمات شركة بالتل لا بد من مواجهة احتكارها بالضغط الشعبي المستمر على الشركة من خلال كافة المؤسسات المجتمعية للتخفيف من ممارساتها الاحتكارية وعلى الجهات الرسمية لإنهاء الاحتكار. والرقابة الحكومية المستمرة على جودة الخدمة بما يتوافق والمعايير الدولية وشفافية التعامل مع الجمهور وهو ما تفتقده شركة جوال. بالإضافة لضرورة كسر الاحتكار التام وإتاحة مجال أوسع أمام المنافسة.
 

لذلك فالترتيبات التي تؤدي للحجم الأمثل للمشاركة في الاستهلاك والتكاليف (An Economic theory of Clubs) خصوصا عبر التدخل الحكومي لمواجهة فشل السوق في هذا الجانب مما يؤدي لتعظيم منفعة كافة المستهلكين المشاركين في استهلاك السلعة (الخدمة). فالممارسة الحكومية يجب ألا تكون محابية للاحتكار الذي يراكم رأسماله على حساب دخول ورفاه ومدخرات المواطنين. وكذلك العمل على إيجاد تشريعات جديدة تستعيض عن الضعف القانوني - الذي رافق الاتفاقات الموقعة وامتيازات الترخيص في بيئة من انعدام الشفافية عام 1996 واستمرار ذلك حتى الآن– مما سيؤدي إلى نمو قطاع الاتصالات وتسهيل تحريره وزيادة إنتاجيته.

ألا يحق لنا بعد هذا كله أن نقول لهم كما قال العقيد "من انتم"

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo