كشفت عملية "الهروب" التي نفذها ستة أسرى فلسطينيين من سجن "جلبوع" في السادس من الشهر الجاري، عن أزمة سياسية شاملة تعيشها إسرائيل والتي سيكون لها انعكاسات قوية ومباشرة على المشهدين الأمني والسياسي خلال المرحلة المقبلة.
وتظهر دراسة أعدها د. عبد العليم محمد لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الأزمة الحالة الإسرائيلية غير ملاائمة لقبول التعاطي مع حل الدولتين، رغم إزاحة نتنياهو وتشكيل حكومة "ائتلاف" بقيادة نفتالي بينت.
وبحسب الدراسة تمثلت مظاهر عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل في وجود ائتلاف هش وغير متجانس، وتحيط به العقبات من كل جانب وتناوئه المعارضة اليمينية بقوة، فيما تسيطر تجاذبات المتعصبين والمتطرفين والمتشددين دينياً على عقول صانعي السياسات.
ويتأرجح مستقبل حكومة نفتالى بينيت بين مجموعتين من العوامل، تتعلق بهشاشتها سياسياً وأيديولوجياً واجتماعياً، وتباين مواقفها إزاء الاقتصاد والسياسة الاجتماعية، فضلا ًعن اختلافها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، هذا من جهة ومن جهة أخرى ترتبط بالتطورات الإقليمية والعناصر التي تدعم صمود وتماسك هذه الحكومة.
ويؤكد د. عبد العليم محمد أن هذه المظاهر ارتبطت بأزمة عميقة داخلية وغير مسبوقة في المجتمع والاقتصاد والتركيب الديموجرافى والظروف الدولية والإقليمية وغيرها، حيث يمكن وضع الأزمة الراهنة في سياقين متصلين الأول يتعلق بنشأة إسرائيل ذاتها، كتجسيد للمشروع الصهيوني وهو ما يعنى نشأة دولة انتهكت منذ البداية حقوق الشعب الفلسطيني وتناقضت ممارساتها مع قيم الحرية والكرامة الإنسانية والمساواة وكافة المواثيق الدولية والأعراف ومبادئ القانون الدولي، والثاني يتصل بالتحولات الاجتماعية والديموجرافية الاقتصادية والسياسية والتي عززت من تعمق هذه الأزمة.
أما على الصعيد الفلسطيني، تتجاهل أغلب هذه القوائم والمكونات حل الدولتين، وتنكر حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ومع تعزيز الاستيطان والمستوطنات والضم، كما يجمع بين أطراف هذا اليمين الجديد قواسم مشتركة أيديولوجية؛ مثل العداء المطلق للشعب الفلسطيني خاصة والمسلمين عامة.
اقرأ أيضاً: مركز أبحاث مصري: حل القضية الفلسطينية كان في قلب اتفاق كامب ديفيد
وترى الدراسة أن الأزمة الراهنة في إسرائيل ليست مجرد صراعات حزبية أو شخصية، ولكنها أزمة بنيوية عميقة تنتج تحولات كبيرة في المجتمع، لم تجد حتى الآن من يستطيع أن يتعامل معها بذكاء، خاصة مع اختفاء جيل المؤسسين وظهور أجيال من الساسة أقل تفهماً لهذه التحولات وطبيعة علاجها.
واستندت حكومة نفتالي بينت الحالية على مناهضة حكم نتنياهو، وهي النقطة التي كانت بمثابة القاسم المشترك الأعظم بين مختلف مكوناتها من اليمين الديني والقومي والوسط واليسار، حيث عكس الاتفاق المعقود بين هذه القوائم الانتخابية تركيبة الحكومة وطبيعتها، بعد أن تجنب هذا الاتفاق القضايا الخلافية، وبالذات القضية الفلسطينية وحل الدولتين وكذلك الاستيطان والمستوطنات، وأشار في خطوط عريضة إلى المواقف الاجتماعية والاقتصادية.
ويرى د. عبد العليم في دراسته أن حكومة بينت تخشى الخوض في ملفات مصيرية على الصعيد الفلسطيني والإقليمي والدولي خوفاً من انهيار الائتلاف الحكومي، وهو ما يعكس موقفها من المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها وبين إيران، حيث ترى المكونات الرئيسية في الائتلاف ضرورة وقف برنامج إيران النووي، وأن أي اتفاق بين واشنطن والحلفاء لابد وأن يضمن ذلك، كما يرفض الائتلاف استئناف المفاوضات المقطوعة مع السلطة الفلسطينية منذ عام 2014، في الوقت الحالي رغم تغير الإدارة الأمريكية.
ويبدو أن هاتين المجموعتين من العوامل والتحديات، متعادلتان من ناحية التأثير على بقاء هذا الائتلاف؛ أي عدم التمكن من الإطاحة به، وقدرة هذه الحكومة بتركيبتها السياسية والأيديولوجية على احتواء هذه التأثيرات والتعامل معها بحيث تحتفظ بتماسكها وبقاءها.
وأما على صعيد غزة فيحاول بينيت تثبيت الاختلاف بينه وبين نتنياهو الذى تبنى إزاء غزة استراتيجية "الهدوء مقابل الهدوء"، تطبيق مقاربته إزاء الضفة الغربية مع غزة وحركة حماس، حيث وافق على دخول المنحة القطرية وسمح بزيادة عدد المواد المسموح بإدخالها إلى غزة إلى ألف مادة، وفى الوقت نفسه الرد على إطلاق أي صاروخ من غزة بطريقة محدودة دون تصعيد شامل.
كما يحاول صياغة استراتيجية تتراوح بين الإطاحة بحركة حماس، وبين إعادة إعمار غزة، وهما خياران لم تجربهما إسرائيل طيلة حكم نتنياهو.
من زاوية أخرى كشفت الدراسة التي نشرها مركز الأهرام للدراسات أن المواجهة الأخيرة في غزة، والتي انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار برعاية مصرية، أن القوة الإسرائيلية مهما بلغت ليست قادرة على فرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني، كما كشفت عن وحدة الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة الأمر الذي يتطلب من جميع النخب والفصائل الفلسطينية، أن تفكر بعقلية "الأمة الفلسطينية" وليس بعقلية "القبيلة" و"الغنيمة" من أجل أن يتوج النضال الفلسطيني بتحقيق أهدافه في الدولة والقدس والأقصى.