تقرير الطلاب الفلسطينيون في لبنان.. مستقبل مجهول!

الطلاب الفلسطينيين في لبنان
الطلاب الفلسطينيين في لبنان

تضع نور لائحة تحصيلها النهائي في الشهادة الثانوية على مواقع التواصل الاجتماعي، تتلقى التبريكات بنجاحها الباهر، أما ذويها فبدأوا بتوزيع الحلوى في الحي الذي يسكنوه بمخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان.

أيام نقضت بعد صدور نتائج الشهادة الثانوية في لبنان، حيث حققت نسب نجاح عالية وسط ظروف اقتصادية مريعة لم يشهد لبنان لها مثيل في تاريخه، بالإضافة للحالة التي فرضها فايروس كورونا.

"راحت السكرة واجت الفكرة" هكذا تقول نور بعد بدأها في البحث عن تخصص جامعي يناسبها ويناسب معدلها ويلائم وضعها الاقتصادي.

رحلة شاقة تنتظر الطالب الفلسطيني

اجتاز هذا العام مايقارب ال1200 طالب فلسطيني امتحانات الشهادة الثانوية بنجاح بنسبة وصلت لحدود ال87% في مدارس الانروا. عدا عن 400 طالب فلسطيني أخر في المدارس الرسمية اللبنانية.

ففي جنوب لبنان فقط، حصد 11 طالباً تقدير إمتياز و 50 طالب تقدير جيد جداً و60 طالب تقدير جيد من أصل 230 طالب وهذا يعني أنه ما يقارب نصف الطلاب الذين تقدموا الى الإمتحانات الرسمية الثانوية في مخيمات وتجمعات منطقة صور نالوا تقديرات وكانت نتائجهم مميزة.

هذه النسبة العالية من النجاح الفلسطيني، من شأنها ان تجعلنا نشعر بالفخر، فعدا عن ظروف اللجوء القاسية التي يعيشها هؤلاء الطلبة وذويهم، جاءت الأزمة الاقتصادية اللبنانية مرفقة بالكورونا لتضاعف من مصاعب الحياة.

لكن ومع كل هذه النتائج المبهرة، لا يملك الطلاب الفلسطينيين رغد الاختيار بين الاختصاصات الجامعية سواء تلك التي تتبع ميولهم العلمية او الادبية، او حتى ما يطلبه سوق العمل.

ففي الجامعة اللبنانية الرسمية (مجانية التكاليف باستثناء الرسوم) يستطيع الطلاب الفلسطينيين التسجيل في الاختصاصات الأدبية دون قيود ( علوم الاجتماع، الفلسفة، الأدب الإنكليزي والعربي.. وغيرها).

أما الاختصاصات العلمية مثل الهندسة والطب والرياضيات والصيدلة ، فعلى الطالب ان يتقدم بامتحان دخول حتى يتم قبوله، لكن نسبة ضئيلة جداً من الفلسطينيين يتم قبولهم حتى لو أن تقديرهم عالي في الثانوية.

ويرجع عدد من الناشطين سبب الرفض إلى احتساب الفلسطينيين على نسبة العشرة بالمئة من الاجانب، بينما الجامعة تنفي ذلك، وهذه النسبة من الطلاب تحددها الجامعة لغير اللبنانيين بحيث يتم حصر الطلاب الاجانب في هذه النسبة من العدد الكلي للطلاب.

بينما لا تحتسب إدارة الجامعة الطلاب من اللاجئين الفلسطينيين من هذه النسبة بسبب خصوصية وضعهم، لكن في الاختصاصات العلمية هي تفعل ذلك والدليل النسبة الضئيلة جدا من الطلبة الفلسطينيين المقبولين في هذه الكليات.

تشكل الجامعة اللبنانية الخيار المجاني الوحيد للطلبة الفلسطينيين، لكن مع هذه الاختصاصات المحدودة التي تقدمها للطالب الفلسطيني ولا يطلبها سوق العمل كثيرا، يضطرالناجحين لاختيار الجامعات الخاصة.

في لبنان، ذو مساحة 10400 كم2 يوجد اكثر من 36 جامعة خاصة على أراضيه، وعدد كبير من المعاهد الخاصة التعليمية والمهنية وكل منها تسابق الأخرى في تقديم العروض والخصومات لاستقبال الطلبة.

لكن ومع كل هذا العدد الضخم مقارنة مع عدد الطلاب، تتفاوت جودة التعليم بين هذه المراكز وتتسم هذه الجامعات بارتفاع كلفتها ورسوم التسجيل فيها، والأن مع الأزمة الاقتصادية رفعت الجامعات أقساط التعليم لديها المرتفعة اصلاً، مما يحد من قدرة الطلاب الفلسطينين على اختيار الاختصاص الملائم في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار.

ففي الجامعة اللبنانية الدولية، وهي أكبر جامعة خاصة في لبنان ولديها اكثر 30 الف طالب موزعين على أكثرمن عشر مراكز في جميع انحاء لبنان تشكل المقصد الأساسي للطلبة الفلسطينيين لما كانت تقدمه من خصومات خاصة لهم تبدأ من 40% وتصل للمتفوقين لمنحة كاملة عدا عن سهولة الوصول لمراكزها نظراً لانتشارها الكبير جغرافياً.

أما في هذا العام فقد اضطرت اللبنانية الدولية لرفع الأقساط وتخفيض نسبة الخصومات بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلد.

دور الصناديق

مع كل هذه الظروف الصعبة التي تُكبًل اختيار الطلبة لاختصاصاتهم الجامعية، يأتي دور صناديق دعم الطلبة الفلسطينيين كملاذ للناجحين في مساعدتهم على اجتياز هذه المحن.

في السبعينيات من القرن الماضي، أسس مجموعة من الممولين الفلسطينيين صندوق الطالب الفلسطيني في لبنان، تقوم فكرة هذا الصندوق على تقديم قرض للتلميذ الجامعي من اجل مساعدته على اكمال تعليمه في الاختصاص الذي اختاره. وعند الانتهاء من المرحلة التعليمية يقوم الطالب بتسديد القرض على دفعات مريحة. هذه الالية اعطته القدرة على الاستمرار حتى وقتنا هذا.  

لكن صندوق الطالب يضع شروط للقبول منها أن يتحصل الناجح على معدل عالي في الشهادة الثانوية، كما أنه لا يغطي كل الجامعات والاختصاصات في لبنان ، عدا عن تقليص دعمه للجامعات الخارجية.  

كذلك هناك صندوق الرئيس محمود عباس أُسس في عام 2011 ويقدم منح مالية للطلاب الفلسطينيين كجزء من أقساطهم و يتم تحويلها مباشرة للجامعة وتمويله من رجال الاعمال.

ولكن ايضا يضع شروط لتقديم الدعم للطلاب منها ان يحصل التلميذ على معدل جيد في الجامعة، أي من كان معدله أقل من اثنين ونصف من اربعة لا يساعده الصندوق.

أيضاً فلا يدعم صندوق الرئيس من اختار اختصاص علمي في الجامعة و كان اختصاصه أدبي في الشهادة الثانوية.

وفي هذه السياق يقول يوسف أحمد رئيس اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني أشد في لبنان حول قضية الدعم الذي تقدمه الصناديق

" تشكل هذه الصناديق دعامة أساسية لاستكمال مسيرة الطالب التعليمية وهي غاية في الأهمية لكن الشروط التي تضعها قاسية وتحد من قدرة الطلاب بالاستفادة من هذه المساعدة وبالتالي تؤثر بشكل مباشر على اختيارات التلاميذ والعملية الدراسية ".

اقرأ أيضاً: نفق الحرية يعيد قضية الأسرى إلى الصدارة

ويضيف أحمد " مشكلة هذه الصناديق لم تعتمد كمؤسسة رسمية من منظمة التحرير وبالتالي ليس لها تمويل رسمي، وثابت وهي تتبع للممولين حسب التقديم. وهذا يؤثر على ثباتها. والمطلوب اعتمادها لدى منظمة التحرير حمايةً لاستمرارها. وهنا مدعوة ايضاً صناديق الطلبة لالغاء كل الشروط خصوصا في هذه الازمة. "

وطرح احمد دور منظمة التحرير والمنح الخارجية قائلاً: "مطلوب تفعيل دور منظمة التحرير لتقديم منح في الخارج، وهي محدودة، وبعض هذه المنح لا يتم الإعلان عنها في مخيمات الشتات، فهل هي محصورة بالداخل ؟!. أم هناك محسوبيات في توزيع المنح للدول الاوربية.؟ "

دور الأونروا

من خمس سنوات ، توقفت الأنروا نهائيا عن تقديم منح جامعية للطلاب الفلسطينيين في لبنان، بالرغم من وجود برنامج خاص لديها لغاية الأن وفيه موظفين، فالسؤال الأن ، ماذا يعمل هؤلاء الموظفين في برنامج متوقف ؟ ولماذا أوقفت الأونروا هذه المنح وهي مسؤولة بشكل مباشر عن الطلاب الفلسطينيين؟ وهل هناك وقت أنسب من هذا الوقت العصيب الذي يعيشه اللاجئين في لبنان لتقديم هذه المساعدة؟

وهنا يداخل خالد رائف مسؤول الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين في منطقة صور ويقول: "نطالب الأنروا ا بإعادة تفعيل برنامج المنح وتوسيعه ليشمل أكبر شريحة من الطلاب وليس المتميزين فقط، فهذا العمل يصب في صلب مسؤولياتها."

ويتابع رائف "هناك مسؤولية أيضاً على الأطر الطلابية في تقديم المساعدة للطلاب عبر المنح و الدورات التدريبية التي من شأنها أن تمهد الطريق للناجحين في كيفية اختيار تخصصه حسبما يتطلبه سوق العمل وكذلك كيفية تقديمه للمنح الخارجية"

إضافةً لذلك، تملك الاونروا مركز للتعليم المهني والفني المعروف بمركز سبلين في اقليم الخروب القريب من مدينة صيدا اللبنانية، هذا المركز الذي يقصده عدد كبير من الطلبة الفلسطينيين في لبنان بعد ان تتقطع بهم السبل في الجامعات الرسمية او الخاصة. 

أما بالنسبة للمركز، فقد أنشئ في عام 1961وفيما يتعلَّق بالاختصاصات والخدمات التي يوفّرها المركز فهو يضم  اختصاصات عدة تنقسم إلى مستويين، المهني والتقني، والأول يدخله من أنهى المرحلة المتوسطة، وهو يتضمّن مهنًا عدة مثل: (فنون التجميل، تصميم الأزياء، التربية الحضانية، التكييف والتبريد، والكهرباء وغيرها...).

أمَّا المستوى التقني، فهو لمن أنهى المرحلة الثانوية، ويتضمّن: (المحاسبة، والتسويق، وهندسة المساحة، والعلوم المخبرية الطبية، وتكنولوجيا المعلومات وغيرها،...). وعلى التلميذ الراغب بالانتساب للمعهد أن يكون فلسطينيا مُسجَّلاً في لبنان، ويحمل بطاقة إعاشة.

تراجع المركز في مستواه من جهة احداث التطويرات وايضا من ناحية قدرته الاستيعابية المحدودة. ففي كل عام يخرَج المعهد بين اربعمئة الى خمسمئة طالب في مختلف المجالات التقنية والمهنية، ولكن مع بداية أزمة الكورونا، قامت الانروا بتحويل جزء كبير من حرم المعهد الى مكان للحجر الصحي تستقبل فيه المصابين بالكوفيد، مما اضطرها لإيقاف التعليم فيه وتحويل الدراسة الى اونلاين، لكن كيف للطالب المهني سواء في الميكانيك او التجميل او غيرها أن يتعلم هذه التقنيات أونلاين ؟ هذه القرارت التي اعتبرها عدد كبير من الطلاب هي إهمال بحقهم، وقللت من الإقبال عليه.

أما العائق الأكبر في هذه المعهد، هو عدم اعتراف وزارة التعليم اللبنانية والجامعات بشهادة المركز، مما يجعل بعض الطلاب خارج سوق العمل حتى بعد الانتهاء من التعليم في سبلين.

وقد بدأت الانروا بالعمل على ملف الاعتراف بشهادة الكلية وفعلا تم الاعتراف ببعض الاختصاصات مثل المعلوماتية وادارة الاعمال.

بين مد الجامعات اللبنانية وجزر الصناديق الطلابية والأنروا يعلق الطلاب الفلسطينيين، وتأتي هذه الازمة لتزيد من ضبابية مستقبلهم وتحد من أحلامهم، ولكن الأمل يحذوهم ببارقة أمل قد تساعدهم في اكمال طموحهم التعليمي. 

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo