أكذوبة المجتمع الدولي ونصرة القضية الفلسطينية

مظاهرات فلسطينية
مظاهرات فلسطينية

(1) سراب سياسي

المجتمع الدولي عبارة شائعة وتستخدم بشكل يومي, على السنة القيادات والمنظمات, ويلهج بها في المسيرات والمهرجانات والخطابات, و"يستمطر" بها سياسيا واقتصاديا حين وقوع النكبات والازمات, ويناشد بها في المحافل وينظر على أنها المخلص من شرور العالم وجرائم الطغاة والانظمة.!!

 وغالبا ما يشار في تحديد المجتمع الدولي  الى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمالكة لحق الفيتو وهي : الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا إضافة لبضعة دول لا تمتلك حق الفيتو ولكنها تتماهى عرقيا وعقآئديا واستراتيجيا مع الدول العظمى.

من العبث ومن الهراء او التجديف السياسي القول ان القضية الفلسطينية التي اصبح عمرها اكثر من سبعة عقود تشغل بال المجتمع الدولي وتحرك مفاصله لاتخاذ خطوات جدية لتغيير الواقع المزري ,الا وهو واقع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.

وواضح ان القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي, وحتى روسيا, ما عادت تكترث  بما تقوم به اسرائيل يوميا من خروقات ومخالفات واضحة للمجتمع والقانون الدولي, كما أنهم لا يأبهون للمعاناة الكبيرة واليومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني, حتى في حال ارتكاب عدوان كبير يسقط فيه الالاف من الضحايا من المدنيين وتدمر فيه البيوت والمؤسسات لا تجد أكثر من تصريح خجول يطالب الطرفين ب"ضبط النفس".!

الغريب هنا ان القيادة الفلسطينية ممثلة بابو مازن لا تزال تعيش على وهم ما يسمى بالمجتمع الدولي والشرعية الدولية وتتغنى في خطاباتها وتصريحاتها ب"الشرعية الدولية" وتطالب بتطبيقها وكأنها المخلص المنتظر !!

هناك نوع من الاسفاف والتعسف في العيش على هكذا احلام طوباوية غارقة في الخيال , وهي احلام امتدت على مدى ربع قرن , ولم تنجح الشرعية الدولية ولا قوة المجتمع الدولي في زحزحة القضية الفلسطينية عدة سنتيمترات الى الامام, ولا في لجم جنون الاحتلال عن فرض الوقائع الاجرامية في الاراضي الفلسطينية.


(2) ارهاب الفلسطينيين بالشرعية الدولية!

المشكلة الكبرى ان ما يسمى بالمجتمع الدولي لم يعد يمثل جسما واحد ولا يتبنى رؤية موحدة تجاه القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا الشائكة في العالم, بل ان كلا منهم من يغني على ليلاه السياسي, لكن يجمعهم عدم الاقتراب من اسرائيل او المساس بها , وانها يجب ان تعيش في امان ويوفر لها الاعتراف من ضحاياها والا يتم استخدام "الارهاب" ضدها , وان على الفلسطينيين أن يكونوا أكثر تأدبا معها ولا يمارسوا التحريض ولا العنف ضدها والا كانوا مخالفين للشرعية الدولية !!

لقد ارهبوا الفلسطينيين بسيف الشرعية الدولية وجعلوه سيفا على رقابهم, والزموهم ان يتبنوا مسار السلام الوهمي الكاذب المضلل, بل واعتبروه شرطا لكي نكون "مقبولين" على الاسرة الدولية,  حتى ان الرئيس ابو مازن غالبا ما يؤكد في تصريحاته على ان تكون الحكومة الفلسطينية ملتزمة بالشرعية الدولية حتى تفتح لها خزائن المعونات!!

ويوم ان التزم ابو مازن التزاما حديديا ب"الشرعية الدولية" وسياسات "المجتمع الدولي" واعتزل الكفاح المسلح واعترف بإسرائيل وتعهد بضمان أمنها وملاحقة كل من يحاول المساس بأمنها, والتزام المسار السلمي المهذب, ومثل ما يقول المثل الفلسطيني" ماشى العيار الى باب الدار", تركوه نهبا لاجراءات الاحتلال يأكل من لحمه الحي ويجرده من كل شيء, يبني مستوطناته بكل هدوء ودون مضايقة .. يسرق اراضي الفلسطينيين جهارا نهارا.. يمارس القتل والاغتيال والاعتقال دون رادع , ووصل الحد الى اضعاف السلطة التي قامت بقرار دولي وتقليم اظافرها ,حتى دون تصريح ادانة خجول!!

ويم ان يقوم الفلسطينيون بالرد على هذه الجرائم تبدأ ماكنات الطباعة الغربية والامريكية في اصدار التصريحات القوية الداعية الى لجم الارهاب الفلسطيني !!

يمكن القول بصراحة ووضوح ان المجتمع الدولي والشرعية الدولية اصبحت تعطي غطاء لدولة الاحتلال, وتتغاضى عن جرائمها وتسكت عنها, وتخجل ان تراجع اسرائيل بكلمة او تصريح , كما انها تقف عاجزة مشلولة امام المعاناة والكارثة الفلسطينية.

(3) تناقض غير مفهوم ولا مبرر

صحيح ان البراغماتية السياسية تتطلب الانفتاح على المجتمع الدولي والتواصل لما له من نفوذ سياسي وقوة اقتصادية لكن هذا لا يعني بناء الاحلام والطموحات الوطنية عليه, كما انه  لا يعني التسليم بمصداقيته ونزاهته وشفافيته وعدالته , ولا يعني الايمان بأن مفاتيح الحل في يديه.

هنالك الكثير من النماذج في الساحات الشاسعة في العالم التي تقول ان المجتمع الدولي لم يقف صامتا على جرائم الطغاة والمحتلين, بل ذهب الى أبعد من ذلك , حين قدم الدعم المالي والسياسي للكثير من المجموعات والمنظمات التي ارتكبت جرائم بحق الانسانية ,خاصة في افريقيا وامريكا اللاتينية, ودول الشرق الاوسط.

لقد أبدى قلقه الكبير على حقوق المرأة في افغانستان وجعلها من الشروط الحديدية للتعامل مع نظام طالبان , لكنه لم يأبه بإبادة شعب ميانمار، بكل اشكال الهمجية والقتل والتشريد وحرق البيوت ومنع شعائر الاسلام .

اقرأ أيضاً: وزارة الداخلية تكشف تفاصيل هامة عن معبر رفح وإجراءات كورونا ومخلفات العدوان

ومثال اخر حرب اليمن حيث كانت الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي هي المعترف بها من قبل المجتمع الدولي وعلى رأسه الأمم المتحدة ومجلس الأمن. لكن ما أن إقتربت لحظة سيطرة الحوثيين على مساحات كبيرة من اليمن, وخاصة ميناء الحديدة حتى تغيرت البوصلة  , وتحول الاهتمام والتعاون الى الحوثيين, وتحول الحديدة لمعبر آمن لتمرير المساعدات العسكرية والغذائية للحوثيين وتطاولت الحرب وتعقدت وتحولت لاستنزاف رهيب للأمارات والسعودية.

مثال اخر على نفاق المجتمع الدولي ,ليبيا, فإن حكومة السراج معترف بها من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن،ولكن عمليا فان المجتمع الدولي يدعم قوات حفتر ويشكل لها غطاء سياسيا,لأن المجتمع الدولي لا يرغب في انتصار نهائي لطرف في نزاعات الدول العربية ليظل نزف الأنفس والأموال مستمرا. روسيا وفرنسا وأوروبا عموما تدعم حفتر بالرغم من أن المجتمع الدولي ومجلس الأمن يعترف بحكومة السراج في طرابلس.

(4) اسرائيل..الخط الاحمر

المجتمع الدولي ينادي بشعارات جميلة وبراقة من حيث تطبيق العدالة واعتماد الديمقراطية في تداول السلطة والحق في التعبير وابداء الرأي, لكنه في نفس الوقت دعم انقلابات دموية وساند انظمة دكتاتورية مستبدة, أظهرت تقارير المنظمات الحقوقية الدولية كم هي غارقة في الدماء ومصادرة الحريات وتكميم افواه الشعوب.

في المقابل, فان هنالك الكثير من النماذج التي خرجت من محطة انتظار المجتمع والشرعية الدولية , وخرجت عن النص وفرضت قوة عضلاتها على  الواقع وجعلته حقيقة مسلم بها.

فالمجتمع الدولي اضطر ان يتعامل مع طالبان رغم انه اعتبرها منظمة ارهابية, كونها استطاعت ان تفرض قوتها في الشارع الافغاني , واضطر ان يتعامل مع الظواهر الثورية والمجموعات المسلحة في اماكن عديدة في العالم , بشكل مباشر او غير مباشر.

على سبيل المثال , تمثل اسرائيل نموذجا صارخا في الاستخفاف بالمجتمع الدولي والشرعية الدولية ,ولا تضع لها مكانا في حساباتها السياسية ,؟ بل انها تعمد خرقها بدون وجل خاصة في قضايا تعتبر مخالفة للقانون الدولي وقرارات الامم المتحدة مثل بناء المستوطنات وهدم البيوت ومصادرة الاراضي وممارسة الاعتقال الاداري.

وأكثر من ذلك , فقد تسابقت الكثير من الدول الكبرى والعظمى على دعمها بالسلاح المتطور والفتاك, الى درجة انها قدمت لها الدعم الهائل انجزت مشروعها النووي في بداية تأسيسها والى الان , لكنها تقف لايران بالمرصاد وتمنعها من احداث أي تطور نوعي في صناعة السلاح النووي بل وتفرض عليها عقوبات مشددة .

خلاصة الامر, انه لا يمكن التعويل على المجتمع الدولي في معالجة قضيتنا الفلسطينية ولا في استرجاع الحقوق الوطنية او ارغام اسرائيل على وقف اجراءاتها العدوانية. من هنا يتطلب الامر من الفلسطينيين ان يركنوا الى وحدتهم وقوتهم الذاتية , وبها يستطيعون فرض وجودهم السياسي وخلق معادلات مختلفة ترغم المجتمع الدولي على التعامل معها.ويجب أن يتعاملوا مع المجتمع الدولي بالقدر الذي يحقق اهدافهم ولا يفرض عليها قيودا تمنعهم من المضي في مسيرة تحريرهم

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo