تجلس أم محمد أمام منزلها، تلتقطُ انفاسها بصعوبة، ينزِفُ وجهها عرقاً.. تُمسك بيدها قطعةً من الكرتون المقوّى لتُحرك بها هواءَ آبَ الجامد.
انقطاعُ التيار الكهربائي هو الذي أرغم أم محمد -مريضةَ القلب- على الخروج من منزلها في هذا الطقس القاسي.
فمنزلها، كحال الكثيرين من أبناء جلدتها من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يتحول إلى ما يشبه فرناً يغلي.
تتعسرُ الأزمة الاقتصادية في لبنان وتشتد قسوتها يوماً عن آخر. وتتجلى صورتها في شحِّ البنزين، حيث تتنافس محطات التوزيع أي واحدةٍ تملك طابوراً أكبر من السيارات، فالبعض منها اصطف أمامه أكثر من مئتي سيارة.
وجعلت ندرة المازوت من الكهرباء حلما يأتي ويذهب بسرعة، فالمخيمات تغرق في العتمة حيث لا إنارة في الشوارع، والسكان أقصى أمنياتهم نَسمةٌ من هواء.
وهكذا دواليك، فإن أزمة المحروقات ولّدت أزمات جديدة، فطوابير الخبز بدأت تصطف على أبواب الأفران، عدا عن أن بعض المخابز أقفلت فعليا، وموزعو الخبز في المخيمات أصبحت زياراتهم قليلة.
يؤكد “أبو يوسف” صاحب دكان صغير في مخيم الرشيدية بأن كميات الخبز التي يستلمها أصبحت قليلة جدا، وهذا يضعه في حرج مع زبائنه.
ويضيف بشيء من السخرية: “الأمور صارت صعبة كتير، دفتر الديون عندي فاضي، لأنه ما في بضاعة أداينها أصلا”.
يفتح باب البراد ويمسك بعلبة من الجبن، يشُمها ويشمئز منها ثم يضعها في القمامة، يقول وتجاعيد الحزن ملأت وجهه: “عم نرمي أغلب البضاعة بالزبالة. عم ندفع حقها دم قلبنا وبالآخر نخسرها لأنو ما في كهربا لنحفظها”.
أظهرت دراسة لصندوق النقد الدولي بأن لبنان يعيش أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه وهي واحدة من أقسى الأزمات التي عصفت ببلاد العالم.
يرسل “أبو سليم” نداء استغاثة على وسائل التواصل الاجتماعي لمساعدته في تأمين دواء حساسية الربو لابنته، بعدما تسببت الظروف الاقتصادية الحالية بفقدان أنواع كثيرة وأساسية من الأدوية.
جال أبو سليم -حسب قوله- على كل الصيدليات في مدينة صيدا ولم يجد العلاج ولا حتى بديلا عنه، بينما تئن ابنته في المنزل مع اشتداد الحر وغياب الكهرباء في لهب شهر آب.
مطالبات بتدخل عاجل للأونروا ومنظمة التحرير
قامت الأونروا بمحاولات خجولة لتذليل هذه الأزمة عن كاهل اللاجئين الفلسطينيين، فقد قدمت منذ عام تقريبا مساعدات مالية لكل اللاجئين في لبنان لا تكفي لأكثر من شهر، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم، ومع زيادة خناق الأزمة، لم تقف إلى جانب اللاجئين.
وقد نفذ سكان المخيمات اعتصامات واستغاثات تطالب الأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية بزيادة التقديمات والإعانات وتأمين الاحتياجات من أدوية ومحروقات لتشغيل مولدات الكهرباء.
هذا وأصدر المركز (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين بياناً قال فيه بأنه حصل على معلومات تفيد بأن كلاً من فرنسا وأمريكا والكيان الصهيوني منعوا الأونروا من إطلاق نداء استغاثة خاص لجمع تبرعات للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وفي حديث خاص لزوايا، يقول علي هويدي مدير الهيئة (302): “على الأونروا ألا ترضخ للمطالبات الأمريكية والصهيونية. حيث يجب أن يتم الفصل بين الاحتياجات الإنسانية والقضايا السياسية”.
ويتابع هويدي: “إن الأزمة الحالية فاقمت من مصاعب اللجوء خصوصاً مع أزمة كورونا، فالبطالة لامست الثمانين بالمئة بينما وصل خط الفقر نسبة التسعين بالمئة”.
وفي نهاية حديثه، طالب هويدي الأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية والفصائل واللجان ومؤسسات المجتمع المحلي بعقد مؤتمر لتحديد آلية وإجراءات للتذليل من وطأة الأزمة على اللاجئين الفلسطينيين.
ومع اشتداد الأزمة في لبنان، تزيد حياة السكان في لبنان ألماً سواء كانوا لاجئين أو مواطنين، بينما يبحث الفلسطينيون عن أي بصيص أمل للتخفيف من معاناتهم الخانقة.