تلقت منظمة التحرير الفلسطينية في غضون سبعة أشهر ضربتين قويتين قد أثرتا سلباً على دور المنظمة المتراجع أصلاً في السنوات الاخيرة في مقابل سطوة السلطة التي نشأت قبل ربع قرن في أعقاب إبرام اتفاق أوسلو عام 1993.
أولى الضربات هي رحيل صائب عريقات الذي كان يشغل أمانة سر منظمة التحرير، ويقول مراقبون إنه بغض النظر عن الموقف من القيادة الفلسطينية وأخطائها السياسية، فإن غياب عريقات قد ترك اثراً كبيراً، إذ كان مُجيداً للغة الانجليزية ومخاطبة العالَم. ثم تلا وفاة عريقات بشهر واحد، ضربة أخرى تمثلت باستقالة د.حنان عشراوي من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؛ احتجاجاً على ما آل إليه حال المنظمة وجعل دورها "هامشياً".
وعشراوي لطالما ارتبطت في الذاكرة الفلسطينية كامرأة لها حضور إعلامي وسياسي تجيد تسويق الرواية الفلسطينية.
لكن، رغم حديث عشراوي عن استقالتها الاحتجاجية، لم يُعرف إن كانت مسألة خلافة صائب عريقات هي السبب المباشر أم لا. ومنذ ذلك الحين بقي منصب أمانة السر لمنظمة التحرير شاغراً.
"التنفيذية" مُخوّلة بانتخاب خليفة عريقات
ويقول قيادي مقرب من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لموقع "زوايا" إنه لم يتم حتى اللحظة حسم أي من الأسماء المرشحة لتولي المهمة، غير أنه بيّن ان هذا يجب أن يتم بالانتخاب واتفاق أعضاء اللجنة التنفيذية على تسمية شخص معين ليكون أمين سر المنظمة.
اقرأ أيضاً: الهباش يرد على السنوار: منظمة التحرير ليست “صالون سياسي”
وأوضح هذا القيادي- الذي فضل عدم ذكر اسمه- أنه لا بد من انعقاد المجلس الوطني للقيام بتعيينات لسد النقص بالمنظمة، مرجحاً ان ينعقد "الوطني" مع حلول شهر آب/أغسطس المقبل.
من جهته، قال عضو المجلس الوطني الفلسطيني سمير عويس إنه منذ وفاة صائب عريقات، فإن اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أصبحت قليلة، فضلاً عن عدم اتفاق أعضاء التنفيذية على تسمية خليفة عريقات وبالتالي تُرك الموضوع معلقاً لحين التوافق على اسم من بين أعضاء اللجنة التنفيذية.
وأكد عويس في حديثه لموقع "زوايا" أنه كما حال كل القضايا، لا بد من حوار وتوافق على الشخصية التي ستتولى مهمة أمانة سر منظمة التحرير، لأن الوضع الفلسطيني في حالة غير منتظمة، وخاصة بعد أحداث غزة وقضية حي الشيخ جراح المقدسي. وأضاف عويس سبباً محتملاً للمماطلة في تعيين خليفة عريقات، ويتعلق بانتظار مآلات الحوار الوطني بين حركتي "فتح" و"حماس" وترتيبات منظمة التحرير.
لكن.. مَن الشخصية الأنسب لتولي المهمة بوجهة نظر عويس؟
يجب عويس أنه دار حديث في أروقة المنظمة بأن الدكتور حنان عشراوي هي الأفضل للجهد الدبلوماسي العالمي، وهي مقبولة لكثير من الدول، مشيراً إلى أنها حتى لو استقالت، فإنه في حال التوافق على تسميتها اميناً لسر منظمة التحرير، يمكن اعادتها للجنة التنفيذية، وتكليفها بالمهمة التي تحتاج شخصاً لديه قدرة على الاتصال والتواصل الدبلوماسي، خاصة في هذه المرحلة التي تتطلب ايضاً حضوراً قوياً للسياسة الخارجية الفلسطينية.
ورأى عويس ان ثمة غزلاً امريكياً الآن اتجاه السلطة الفلسطينية يشكل عاملاً محفزاً لإعادة السلطة ومكانتها لوضعها الطبيعي.
بيدَ ان مصادر سياسية تؤكد لـ"زوايا" ان إعادة حنان عشراوي إلى عضوية تنفيذية المنظمة أو تعيينها خليفة للراحل صائب عريقات مُستبعدٌ في هذه المرحلة، مشيرة الى ان أعين أقطاب في فتح مثل حسين الشيخ وغيره مُركّزة على المنصب. كما ان حضور الشيخ في اجتماع اللجنة التنفيذية الأخير رغم انه ليس عضواً فيها قد أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا تمهيداً لتعيينه في عضوية اللجنة بديلاً لحنان عشراوي، وتوطئة لتولي مهمة أمانة سر المنظمة.
لكن بياناً من القيادة الفلسطينية برر حضور حسين الشيخ في الاجتماع المذكور بأنه فقط كي يطلع أعضاء التنفيذية على لقاءاته مع دول إقليمية بخصوص الوضع الداخلي بناء على تكليفه من الرئيس محمود عباس.
كما جرى الحديث في الفترة الماضية عن إمكانية استقالة محمد شتية من رئاسة الحكومة كي يتولى أمانة سر منظمة التحرير، إضافة لأسماء أخرى دون ان يتم تأكيد اي من هذه الأنباء.
وأما الناحية الإجرائية المطلوبة لتعيين أمين سر المنظمة، فقد أوضح سمير عويس ان المجلس الوطني قد كلف "المركزي" بتأدية العديد من المهام بينها التعيينات.
ما يعني أنه يتم الاكتفاء باجتماع المركزي لاضافة عضو للجنة التنفيذية أو تكليف احد اعضائها بالمهمة "الحساسة" المتمثلة بأمانة سر منظمة التحرير. كما أن اللجنة التنفيذية يمكن لها اذا كانت مكتملة النصاب ان تقوم بإعادة توزيع المناصب في المنظمة، وكذلك تكليف أحد أعضائها بمهمة أمانة السر.
"دلالة إضافية على تآكل المؤسسة وانحصار القرار بأيدي حَفنة قليلة"
من جانبه، اعتبر الكاتب الصحفي المقيم في العاصمة الاردنية عمّان عريب الرنتاوي أن عدم تعيين خليفة لعريقات منذ ما يزيد عن سبعة اشهر، يعطي دلالة إضافية على تآكل مكانة مؤسسة صنع القرار على الساحة السياسية الفلسطينية.. وأوضح الرنتاوي أنها لو كانت تنفيذية منظمة التحرير تقوم بأدوارها التي اعتادت القيام بها تاريخياً والمنصوص عليها في أنظمة ودستور المنظمة لما كان لهذا الفراغ أن يستمر وأن يطول كثيراً، وذكر ايضاً الرنتاوي بفراغ آخر ناتج عن استقالة حنان عشراوي.
وأضاف الرنتاوي في حديث لموقع "زوايا" أنه "حقيقة، لدينا الكثير من المؤسسات والمسميات ولكن مركز صنع القرار ينحصر في أيدي حفنة قليلة من المسؤولين الفلسطينيين"؛ الأمر الذي يضعف الحاجة للاهتمام بملء الشواغر بالمؤسسات؛ علما ان اللجنة التنفيذية هي السلطة التنفيذية الأعلى للشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده وهي تفوق في أهميتها ومكانتها في النظام السياسي الفلسطيني، الحكومة وغيرها من المؤسسات السلطوية والفصائلية الأخرى.
"مؤسسات منظمة التحرير أصبحت شكلية"
وتابع الرنتاوي: "لكن للأسف تحولت مؤسسات منظمة التحرير الى شكلية ولم يعد الفراغ في عضويتها يثير اهتمام أحد أو يؤثر على آليات صنع القرار؛ لانها تحصر بيد حفنة قليلة من المسؤولين الفلسطينيين"، على حد قوله.
وأكد الرنتاوي أن غياب الديمقراطية والمأسسة عن العمل الوطني الفلسطيني يفسح المجال أمام "الطموحات الشخصية" للأفراد سواء كانوا مؤهلين أو غير مؤهلين للتنافس على شَغر المواقع طالما الوصول لها ينطلق مما وصفها ب "حسابات انانية و ولاءات وانتماءات محددة وليس بناء على الشراكة الوطنية والكفاءة والمهارة والخبرة وليس بناء على الحيثية التمثيلية لهذا المرشح أو ذاك".. مضيفاً أن هذه معايير لم يعد معمول بها كثيراً، فالمعيار الحاسم الآن في التقريب والتبعيد بين المسؤولين وإشغال المناصب قائم على معيار "الولاء والإخلاص للرئيس وليس للوطن"، بحسب الرنتاوي.
"ملئ الشواغر من نفس الوعاء وتلبيس الطواقي يُعاظم الازمة"
ورأى الكاتب عريب الرنتاوي أن ملئ الشواغر والنواقص في مناصب منظمة التحرير لم يعد مقبولا ولن يفضي الى أي تغيير على الاطلاق؛ لأننا "نغرف من نفس الوعاء وبنفس الطريقة في نهاية المطاف".. مشيراً إلى أنه "اذا أردنا لمنظمة التحرير ان تنبثق من جديد وتستعيد دورها المفقود، فالمطلوب الذهاب الى مجلس وطني فلسطيني جديد ودَمَقْرَطّة الحياة السياسية بموازاة انتخابات حرة ونزيهة في كل مكان داخل الوطن والشتات تتخطى الفصائل وإدماج الجيل الثالث من النكبة الذي يبدو مغيباً عن صنع القرار".
وختم الرنتاوي حديثه، قائلاً: "دون دَمَقْرَطَة منظمة التحرير، اعتقد ان سياسة تلبيس الطواقي وتدوير النخبة السياسية ذاتها لم تعد مجدية، بل هي جزء من الأزمة وستُضيف لهذه الأزمة ابعاداً واعماقا جديدة".
الأسهل تركهما شاغِرَين
في المقابل، يعتقد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيرزيت د.جورج جقمان أن سبب تأجيل تعيين أمين سر لمنظمة التحرير هو وجود تنافس محتدم على هذا المنصب.. موضحاً انه ليس سراً هناك صراع على خلافة رئيس منظمة التحرير والسلطة محمود عباس، بموازاة صراح وتنافس على مناصب في جسم المنظمة خاصة أمين سر المنظمة باعتبار انه الشخصية رقم "2" بعد رئيسها.
اقرأ أيضاً: “حلّ الدولتين”: ما جدّية التداول وفرص إحياء المسار السياسي؟
وتوقع جقمان في حديثه لـ"زوايا" أن تترك قيادة منظمة التحرير منصبي الراحل عريقات وحنان عشراوي شاغرين، وليس بالضرورة تعبئتهما في الامد المنظور، ما دام ذلك يحول دون الصراع بين الأجنحة والأقطاب القيادية. ولهذا، يرى جقمان ان الاسهل لقيادة المنظمة والسلطة هو تركهما هكذا دون شغور.
واكد جقمان أن الاعتبارات التي تحكم هذا الموضوع ولها اولوية هي الحفاظ على قدر من الوئام الداخلي ومنع وتخفيف حدة المنافسة والاقتتال الداخلي، مبيناً انه لو نُظر الى الامر من المنطلق الوطني العام وأهمية التعيين بناء على المهنية لتعزيز مكانة منظمة التحرير داخلياً وخارجياً، لحدثت ثورة في تصويب تعيين السفراء، بحكم انهم ناطقون باسم منظمة التحرير في دول العالم.
خاص زوايا