هل التحركات الدولية تجاه القضية الفلسطينية "إبر تخدير" جديدة؟

فلسطيني
فلسطيني

أدت معركة "سيف القدس" التي اندلعت بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، لإنفراجة سياسية ومالية للسلطة الفلسطينية التي عانت على مدار أكثر من أربع سنوات ماضية (خلال إدارة ترامب) من عزلة سياسية ووقف الدعم المالي الأمريكي عنها.

وتمثلت الانفراجة باتصال الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال الحرب بالرئيس محمود عباس لأول مرة منذ توليه منصبه في يناير/ كانون ثاني الماضي، ثم توالت الاتصالات الإقليمية والدولية والزيارات الدولية لرام الله.

تلك المعركة أعادت فرض القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية من جديد خاصة أجندة الإدارة الأمريكية التي لم تكن تضعها بالحسبان مقابل منحها الأولوية لملفات أخرى مثل الصراع مع الصين وروسيا وملف كورونا والملف النووي الإيراني.

اقرأ أيضاً: مدير الأونروا بغزة ونائبه.. غادرا غزة فجأة فهل سيعودان؟

ورغم عودة صدارة القضية الفلسطينية للأجندة الدولية، إلا أنها لا تزال تعاني من طرح الحلول السياسية الوهمية التي تمثل "إبر تخدير"، دون العودة لمسار سياسي حقيقي يوقف الاحتلال والاستيطان ويصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية وفق القرارات والقوانين الدولية، بحسب ما يراه مراقبون.

لا مسار سياسي جديد

عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية رمزي رباح، أوضح لـ"زوايا" أن الإدارة الأمريكية تدخلت متأخرة، وعطلت مرتين إصدار بيان لمجلس الأمن، وجاء البيان الثالث بعد تعديل على بنوده، في المقابل أعطت نتنياهو أياما إضافية للإجهاز على قادة المقاومة والبنى التحتية لها، لكنها فشلت.

وقال رباح إن بايدن كان غاضباً لأن القضية الفلسطينية فرضت نفسها من جديد على الأجندة الدولية وأصبح الاهتمام بها هو الاهتمام الأول، بسبب التحرك غير المسبوق لحركات التضامن الدولية في العالم لوقف العدوان على غزة، وبشكل خاص وجود تيار ضاغط في الحزب الديمقراطي له تأييده الواسع في الشارع الأمريكي.

وأضاف: "هذا الصمود الفلسطيني لم يفرز عن سياسة أمريكية جديدة في المنطقة، واستمر نتنياهو في قصف المدنيين والابراج وعمليات القتل، مما فرض القضية الفلسطينية على إدارة بايدن، التي لم تكن ضمن أولوياته".

وتساءل رباح: "هل حملت الوفود الأمريكية التي قدمت إلى المنطقة سياسة جديدة؟ الجواب لا على الإطلاق، لم يأتوا على ذكر أي حراك سياسي إطلاقا، ومن تحدث عن حراك سياسي هم السلطة والمصريين فقط".

واعتبر أن "ترويج السلطة لمسار سياسي جديد كلام وهمي وتضليلي لا علاقة له بالواقع، وربما يأتي في سياق تهدئة الهبة الشعبية"

وبيّن رباح أن الأمريكيين لديهم ثلاث قضايا: أولا تثبيت التهدئة، وثانيا إعادة إعمار قطاع غزة، وثالثا حل القضايا الإنسانية فيما يتعلق بتمويل الأونروا وغيرها من المشاريع.

ورأى أن "المطلوب من السلطة عدم الجري وراء سراب، لأن المسار السياسي غير وارد لدى الإدارة الأمريكية، والأوروبيين الذين هم أعجز من إطلاق مسار سياسي جديد دون الرجوع للولايات المتحدة، فيما تعيش الرباعية الدولية في موت سريري منذ 15 عاما، ولا يمكن إحياؤها دون الولايات المتحدة، لذلك نطلب بإعادة الملف إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، وهناك يبدأ الضغط والاستثمار السياسي والضغط على إسرائيل في عدة اتجاهات".

أولها: فضح جرائمها وتحريك ملف الجنائية الدولية.

وثانياً: الضغط على إسرائيل من أجل وقف كل إجراءاتها العدوانية ضد شعبنا وفي مقدمتها وقف الاستيطان والتهجير".

وشدد على ضرورة أن يكون الموقف الفلسطيني موحد ويعبر عن كافة القوى الفلسطينية.

حكومة وحدة ومجلس وطني للإعمار

وفيما يتعلق بما دار في الاجتماع الذي جمع رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل بالفصائل في غزة الأسبوع الماضي، أوضح رباح أن الاجتماع ناقش الذهاب للتهدئة، وضرورة تحقيق مطالب المقاومة منها إعادة الإعمار ضمن صيغة مشتركة، ورفع الحصار، ووقف الاستفزازات الإسرائيلية في القدس المحتلة.

وأضاف أن اللواء عباس كمال طرح فكرة حكومة الوحدة الوطنية، حيث أخبرهم أن الرئيس عباس وحركة حماس رحبا بهذه الفكرة، موضحا أنهم في الجبهة الديمقراطية طرحوا فكرة إنشاء مجلس وطني لإعادة الإعمار بمشاركة الفصائل جميعها والشركات والوزارات المعنية وتحت الراية الرسمية لمنظمة التحرير.

وتابع: "نحن معنيون بتوحيد الموقف على مستوى الفلسطيني، ونطالب بحكومة وحدة وقيادة موحدة لقيادة النضال بوجه الاحتلال، ونأمل أن تتم الدعوة لاجتماع الأمناء العامين خلال أسبوع لبحث صيغة تشكيل ائتلاف سياسي ومرجعية ووضع رؤية لإدارة الصراع في المرحلة المقبلة".

الأمم المتحدة هي الرعاية الأفضل للقضية

أما الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب، فقال لـ"زوايا" إنه يجب النظر إلى قضيتين أساسيتين ما بعد العدوان على غزة، والانتصار الذي حققته المقاومة، أولاً: تتعلق بعودة السلطة إلى غزة وهي الجهة التي يستطيع المجتمع الدولي الحديث معها من أجل إعادة الاعمار.

وثانياً: المجتمع الدولي أدرك الآن أنه إذا ما استمر في معالجة القضايا الثانوية أو الأزمات والتي تمثل "إبر تخدير"، بالتالي أدرك أنه يجب معالجة القضايا الأساسية وهي الاحتلال ذاته، لكن أفق إمكانية القيام بذلك غير متوفر حاليا، لحين تشكل حكومة إسرائيلية جديدة ويكون لها برنامج وتتعاطى الإدارة الأمريكية معها.

ورأى حرب أن أي طرف لا يستطيع التعاطي مع أي حل سياسي دون أن تكون الإدارة الأمريكية منغمسة بشكل كبير فيها، بالتالي المجتمع الدولي يدرك أن "إسرائيل" لن تقبل أي طرف راعي للعملية السياسية غير الإدارة الأمريكية.

واعتبر أن الرعاية الأفضل للقضية الفلسطينية هي الأمم المتحدة، لأنها تعتمد على القرارات الدولية، لكن ما يحكم ذلك ليس القانون الدولي وإنما العلاقات الدولية وقدرة ونفوذ القوى، وإمكانية تطبيق أي اتفاق لا يمكن أن يتم إلا بوجود رعاية أمريكية.

وأضاف: "يمكن الحديث عن إطار مرجعي مثل الرباعية الدولية، لكن لا يمكن تجاوز الرعاية الأمريكية للعملية السياسة حتى إن بدى الفلسطينيون منزعجون من ذلك".

وحول المطلوب فلسطينيا بعد العدوان على غزة، قال حرب: استثمار الإنجاز الذي تحقق في غزة يتطلب أولاً: الوحدة الوطنية، ولملمة البيت الفلسطيني، لأن قوة الدفع الرئيسية هي الوحدة الفلسطينية.

وثانياً: استثمار القوة التي بحوزة المقاومة في غزة باعتبارها سندا للقضايا الفلسطينية، والبناء على تفعيل المقاومة الشعبية في الضفة بما فيها القدس، لتكوين قوة دفع وإسناد لأي مفاوضات.

اقرأ أيضاً: مختصون: بناء مصر مدينة سكنية بغزة “شو إعلامي”

وأكد حرب أنه دون وحدة فلسطينية وبرنامج سياسي متفق عليه لن يستطيع الفلسطينيون إنجاز أي مفاوضات أو الوصول إلى اتفاق مع الأطراف الخارجية.

مجلس للرقابة على الحكومة

وبيّن أنه "لا يمكن تجاوز حركة حماس، والاتفاق معها حول آليات الإعمار والتهدئة هو متطلب وفي ظني سيكون هناك حكومة انتقالية للإشراف على إعادة الاعمار وتوحيد المؤسسات الفلسطينية في الضفة وغزة والتحضير للانتخابات".

واعتبر أن الحكومة الانتقالية يمكن أن تكون إنقاذا للشعب الفلسطيني على أن يكون هناك مجلس للرقابة والمساءلة لها يتكون من الفصائل كافة ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات وطنية، حتى يكون لدينا في المرحلة الانتقالية تثبيت المؤسسات الموحدة، وهذه ممكن لنتجاوز الاشتراطات الدولية وتحقيق جزءا من الرغبات الداخلية الفلسطينية منها الوحدة الوطنية.

كما يمكن في المجلس الرقابي نقاش آليات الوحدة الوطنية والاتفاق على البرنامج السياسي ومنظمة التحرير، كما قال حرب.

اجتماع دولي للسلام

أما د. أحمد الديك المستشار السياسي لوزير الخارجية رياض المالكي، فقال لـ"زوايا": نواصل بذل جهودنا لتثبيت وقف العدوان على غزة ووقف الاعتداءات الإسرائيلية في القدس والضفة ، والمباشرة الفورية لإعادة إعمار قطاع غزة، وتعميق الجهد الدولي الهادف لمعالجة آثار المشكلة والقضية وهي وجود الاحتلال والاستيطان.

وأضاف الديك: "يجب معالجة هذه القضايا لأن الاحتلال والاستيطان هما سبب وجود جميع المشاكل".

ورأى أن المطلوب جهد دولي على صعيد الرباعية الدولية وعقد اجتماع دولي للسلام أو أن تقوم الرباعية الدولية باقتراح آلية وفق مرجعيات السلام الدولية، للمباشرة بمفاوضات مباشرة بين الطرفين بإشراف دولي متعدد الأطراف، بعيدا عن الرعاية الامريكية الأحادية التي كانت سابقا.

وحول الاشتراطات التي تضعها الدول المانحة فيما يتعلق بإعادة إعمار قطاع غزة، قال الديك: "حتى وإن وجدت شروط سياسية، نقول إن هذا استحقاق يجب الوفاء به والقيام به بشكل فوري وقوفا مع أبناء شعبنا في قطاع غزة الذين تعرضوا لعدوان إسرائيلي غاشم".

المصدر : زوايا - خاص
atyaf logo