<!-- Google Tag Manager --> <script>(function(w,d,s,l,i){w[l]=w[l]||[];w[l].push({'gtm.start': new Date().getTime(),event:'gtm.js'});var f=d.getElementsByTagName(s)[0], j=d.createElement(s),dl=l!='dataLayer'?'&l='+l:'';j.async=true;j.src= 'https://www.googletagmanager.com/gtm.js?id='+i+dl;f.parentNode.insertBefore(j,f); })(window,document,'script','dataLayer','GTM-TPKQ4F92');</script> <!-- End Google Tag Manager -->

مواقع غزة الأثرية.. تشكو التعديات والإهمال وقلة التمويل

اثار فلسطينية
اثار فلسطينية

يتعرض الكثير من المواقع الأثرية في قطاع غزة إلى التعديات، فمنها ما يتم التعدي عليه من قبل المواطنين، ومنها ما يتم التعدي عليه من الفصائل بإقامة مواقع عسكرية نحوها، وأخرى يتم إهمالها من قبل الجهات المعنية من حيث الحماية وعدم المحافظة عليها.

ووفقًا لإحصائيات وزارة السياحة والآثار، يضم قطاع غزة من الآثار قرابة 150 بيتًا و12 موقعًا أثريًا يعود أغلبها إلى العصر البرونزي؛ كموقع "تل السكن" أو اليوناني؛ كموقع "البلاخية" أو الروماني؛ كـ"المقبرة الرومانية" أو البيزنطي؛ كـ"دير القديس هيلاريون"، أو ما يعرف بـ"تل أم عامر" المصنف على القائمة التمهيدية للتراث العالمي في فلسطين عامة وغزة خاصة.

 

كما يضم القطاع 40 مبنىً أثريًا، يتنوع ما بين مسجد، وسوق، وحمام، وزاوية، وسبيل، وغيرها يعود أغلبها إلى الفترتين المملوكية والعثمانية.

 

وحصلت "زوايا" من مصدر مهتم بالمواقع الأثرية في فلسطين على قائمة للمواقع التي جرى التعدي عليها أو إهمالها حتى هذا الوقت في قطاع غزة، مبينًا أن التعديات تتنوع تصنيفاتها وأشكالها، فمنها تعديات من قبل المواطنين، وجزء منها تقيم عليها فصائل المقاومة مواقع عسكرية، وهناك نوع آخر من التعديات يمكن تصنيفه في إطار "الإهمال".

 

 

أما بالنسبة لشروحات المصدر المهتم بالقطاع الأثري؛ فإن "قصر الباشا" أحد أهم القصور الأثرية المملوكية بحاجة للترميم والتأهيل والتجديد، بعد أن تم تحويله لمتحف؛ حيث يتم استخدام جزء من مرافق القصر كمخازن للآثار، فضلًا عن أن خزائن عرض القطع الأثرية للمتحف بحاجة للتجديد.

 

 

"سبيل الرفاعية" في حي الدرج بغزة، أيضا طاله الإهمال والتخريب وبات مهجورًا بعد ترميمه، فضلًا عن سرقة صنابير المياه.

 

 

"المقبرة الرومانية" في جباليا، واحدة من أكبر المقابر الرومانية في غزة، اندثرت وضاعت بعد أن تمت فيها عمليات حفر وتنقيب أثري كبيرة عام ١٩٩٨م؛ وبسبب الإهمال تم تجريفها ودخولها في مخططات الشارع القريب منها.

 

 


[caption id="attachment_3729" align="aligncenter" width="1200"] المقبرة الرومانية في جباليا شمال قطاع غزة[/caption]

[caption id="attachment_3728" align="aligncenter" width="1200"] بعض الأواني الأثرية الموجودة في المقبرة الرومانية[/caption]

 

 

"خان الأمير يونس النوروزي" أو ما يسمى "قلعة برقوق" في مدينة خان يونس، وأحد أهم الخانات التجارية المملوكية على الطريق البري الواصل بين فلسطين ومصر، لم يتبق منه سوى الجدار الغربي والبوابة وجزء من مئذنة المسجد.

 

 


[caption id="attachment_3735" align="aligncenter" width="800"] قلعة برقوق خانيونس جنوب قطاع غزة[/caption]

 

 

ويعاني الخان حاليًا تعديات كبيرة من السكان والباعة الجائلين، وتخصيص الساحة المقابلة له كسوق أو كموقف للسيارات، مما يزيد من خطورة تهالك الجدار، كما أن درج المئذنة الداخلي بحاجة للترميم والصيانة، خاصة أنه يعاني من تشققات كبيرة ممكن أن تؤدي لانهيار المئذنة.

 

 

"تل الرقيش" في المنطقة الوسطى للقطاع، تل أثري قديم كان عبارة عن ميناء تجاري فينيقي، فهو بحاجة لمنع التعديات، وقد تمت خطوة في هذا الاطار؛ حيث تم عمل حدود للموقع وفصله عن المنطقة المحيطة به؛ ولكن الموقع بحاجة لتمويل مشروع للتنقيب الأثري.

 

 

"البلاخية" غرب مدينة غزة، موقع أثري كبير يعاني من الإهمال والتدمير وتخصيص جزء كبير منه كموقع عسكري.

 

 

"تل أصلان" غرب بلدة بيت لاهيا، تم الكشف فيه عن أرضيات فسيفساء يعتقد أنها جزء من دير أثري بيزنطي؛ حيث تم تخصيص الموقع كواحد من المواقع الأثرية التابعة لوزارة السياحة والآثار، وتم تعويض عدد من أصحاب المنازل بدلًا عن أراضيهم؛ ولكن السكان ما زالوا يقيمون في المنطقة بسبب حاجتهم لتعويضهم عن المباني التي فوق الأرض.

 

 

"دير القديس هيلاريون" أو ما يعرف بـ"تل أم عامر" في المنطقة الوسطى للقطاع، فهو حاليًا في أفضل حالاته؛ حيث تجري عمليات تنقيب أثري وترميم وإعادة بناء وتأهيل واسعة، بهدف استجلاء مظاهره الحضارية والأثرية منذ ما يزيد عن عامين بدعم وتمويل المركز الثقافي البريطاني، وتنفيذ مؤسسة الإغاثة الدولية والمدرسة الفرنسية للآثار وإشراف كامل لوزارة السياحة والآثار. ونفس الشيء (يجري حاليًا) لترميم وتأهيل موقع الكنيسة البيزنطية _ المخيتم .

 

 


[caption id="attachment_3733" align="aligncenter" width="1200"] دير القديس هيلاريون في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة[/caption]

[caption id="attachment_3734" align="aligncenter" width="1200"] يعود تاريخ دير القديس هيلاريون إلى عام 329 ميلادي والمكون من كنيستين ، موقع دفن وقاعة معمودية ومقبرة عامة وقاعة جمهور وغرف طعام.[/caption]

[caption id="attachment_3732" align="aligncenter" width="1200"] عمليات ترميم لدير القديس هيلاريون[/caption]

 

 

وحسب المصدر المطلع في قطاع الآثار، فإن من المواقع الأثرية الأخرى "تل رفح، خربة رفح، تل قطيف، ومقام الشيخ ابراهيم جنوب قطاع غزة، تشكو -هي الأخرى- الحال ذاته: "التعديات والإهمال"، فضلًا عن عشرات الأماكن الأثرية المصنفة بيوت ومساجد قديمة التي تحتاج إلى الترميم والمحافظة على إرثها التاريخي.

 

 

 

إنقاذ ما يمكن إنقاذه

 

 

 

فضل العطل، والذي عمِل في معظم المواقع سالفة الذكر بصفته فني ترميم وحماية آثار، يؤكد أن عمله وعمل أمثاله من فنيي الأثار، مرتبط بتسهيلات الحكومة التي تقع تلك المواقع الأثرية تحت ولايتها، على اعتبار أنها مواقع عامة تشرف عليها الحكومة.

 

 

ولكن العطل أوضح لـ"زوايا" أن أهم العراقيل التي تحول دون الحماية والترميم والصيانة للمواقع الأثرية تتمثل في "التمويل المادي"، وقال إن أكبر العراقيل تتلخص في العجز المادي؛ حيث لا دعم، وأصبح معلومًا أن الحكومة لا توفر أي دعم مادي "نقدي"، لأنها تعتمد في تمويل مثل هذه المشاريع على الدعم الخارجي.

 

 

يذكر أن الحكومة في غزة كانت قد ساهمت بتمويل مشاريع للتنقيب؛ كمشروع حفريات "تل رفح" الأثري، غير أن المواقع الأثرية بحاجة لجهود أكبر وميزانيات ضخمة ليس باستطاعة الحكومة تمويلها.

 

 

وأشار إلى أن القنصلية الفرنسية دعمت الكثير من المشاريع التطويرية للمواقع الأثرية في غزة، وبإشراف اليونسكو، لافتًا إلى أن المشروع الحالي الذي يعمل به في موقع "تل أم عامر- القديس هيلاريون" وسط القطاع غزة منذ ثلاثة أعوام، هو بدعم مباشر من "المركز الثقافي البريطاني" بتلكفة 2 مليون دولار تقريبًا، شاملة هذه القيمة ترميم الكنيسة البيزنطية "المخيتم" من ذات الجهة.

 

 

وشرح العطل جزءًا من عمله الفني هو وفريقه في موقع "تل أم عامر"، فذكر أن هناك فرقًا بين عملية التنقيب الأثري وبين الترميم والإصلاح، عادًا أن موقع "تل أم عامر" هو دير مقدس وليس مقبرة، ولذلك فهم لا يقومون فيه بأعمال تنقيب؛ وإنما بعمل "مجسات" لاكتشاف الجدران الأثرية داخل الموقع والكشف عن تاريخ إنشائه في أي قرن من القرون.

 

 

وكشف أن العمل جار حاليًا داخل الدير -تل أم عامر- على إنشاء مخزن كبير لوضع كافة المقتنيات الأثرية المكتشفة داخله، علماً أن هناك مخزنًا تابعًا لوزارة السياحة والآثار يضم آلاف القطع الأثرية لحمايتها، ويجري العمل على إحصاء وتوثيق كافة المقتنيات بداخله، وذلك ضمن مشروع مدعوم من المدرسة الفرنسية.

 

 

ولفت إلى أن أعمال التنقيب تجري في مواقع مثل "تل رفح، تل الرقيش، وتكملة موقع البلاخية" منوهًا إلى أن الأخير موقع مهم جدًا وبمثابة مدينة أثرية بمساحة 200 دونم، وهو موضوع على قائمة اليونسكو المؤقتة.

 

 


[caption id="attachment_3737" align="aligncenter" width="1200"]مقام الخضر الأثري عمال فلسطينيون يرممون مقام الخضر الأثري في دير البلح وسط غزة[/caption]

[caption id="attachment_3738" align="aligncenter" width="1200"] عمال فلسطينيون يرممون مقام الخضر في قطاع غزة بتمويل من اليونسكو[/caption]

 

 

وحول تكلفة العمل الفني في المواقع الأثرية، قال العطل: "إلى جانب التمويل المادي، فهو يكلف المختصين تعب كثير، وأسئلة وكتب وتقارير، ومشاريع قد تمتد لستة أشهر"، مشيرًا إلى أن مشاريع تطويرية لكثير من المواقع الأثرية جاهزة لدى الباحثين والمختصين؛ ولكنها تفتقد إلى التمويل.

 

 

وضرب العطل أمثلة لمشاريع تطويرية جاهزة لموقع "قصر الباشا، تل الرقيش، البلاخية، وتل رفح"، مضيفًا بأن الأخير مساحته 50 دونمًا وأقل القليل يحتاج إلى سياج حديدي لا يتعدى تكلفته 15 ألف دولار؛ ولكنها غير متوفرة.

 

 

ولا يتورع العطل عن نقل مهاراته وخبرته في تدريب طلبة الهندسة المعمارية والتاريخ والآثار من جامعتي فلسطين والجامعة الإسلامية بغزة، مبينًا أنه يتم تدريبهم على الترميم والصيانة والتنقيب وعلى كيفية التعامل مع الآثار وحمايتها؛ حيث يتم مع بداية كل مشروع استقدام 50 متدربًا في هذا المجال بتمويل من المدرسة الفرنسية.

 

 

ويرى العطل أن دعم وتطوير المواقع الأثرية والسياحية يعد في أولويات الحكومة ربما "درجة ثامنة أو تاسعة"، حيث الاهتمام الحالي بالصحة والتعليم وغيرها، ما يعني أنه ليس هناك إدارة مقسمة حتى تحتل السياحة والآثار موقعًا محددًا من هذه الأولويات.

 

 

وأكثر ما يؤلم العطل، أنه يرى بعينيه التعديات على المواقع الأثرية، ولا يستطيع التدخل لمنعها مالم تتدخل الحكومة، ضاربًا مثالًا على ذلك موقع "تل رقيش" الكنعاني وسط لقطاع، وعمره مائة عام قبل الميلاد؛ حيث يتم الآن التعدي عليه بإلقاء القمامة وسرقة رماله، مؤكدًا أنه يحتاج إلى تنقيب عن الآثار، فضلًا عن توفير وسائل الحماية من جدار وغرفة حراسة بنحو15 ألف دولار.

 

 

ويرى العطل أن تشكيل الرأي العام للمحافظة على المواقع الأثرية أثبت نجاعته في السابق؛ حيث عايش مثل هذا الأمر في "تل السكن" قبل نحو عامين، حين تداعى هو والكثير من النشطاء والمختصين والباحثين وعدد كبير من المواطنين للدفاع عن أعمال التجريف التي طالت الموقع، وحماية جدرانه الطينية وقطع الأواني الفخارية وغيرها من الآثار الثمينة داخل المدينة الأثرية، حسب وصفه.

 

 

وآنذاك، نظم العشرات من الأكاديميين والكتاب والمثقفين والنشطاء الاجتماعيين، وقفة احتجاجية تحت شعار "شعب بلا تاريخ شعب بلا مستقبل"، ضد أعمال تجريف سلطة الأراضي -بغزة- لموقع "تل السكن" الأثري بمدينة الزهراء جنوب مدينة غزة.

 

 

وعلى إثرها، أعلنت وزارة السياحة والآثار في غزة وقف أعمال التجريف وتسوية الأرض في موقع "تل السكن" الكنعاني الذي شيد قبل 3500 عام قبل الميلاد.

 

 


[caption id="attachment_3730" align="aligncenter" width="1200"] مظاهرة ضد التعدي على تل السكن الأثري بقطاع غزة[/caption]

 

 

 

 

 

وتل السكن هو من أهم المواقع الأثرية في غزة، التي يعود تاريخها إلى العصر البرونزي المبكر (3300-2300 ق.م) وهو أقدم مركز إداري مصري محصن في فلسطين، وهو بمثابة المكان الرئيس للأعمال التجارية بين مصر والمناطق المجاورة لها، وشهد التل مرحلتين مختلفتين من الاستيطان البشري، وهما الحضارة المصرية، والحضارة الكنعانية اللتان تعودان إلى أوائل العصر البرونزي المبكر.

 

 


[caption id="attachment_3736" align="aligncenter" width="1200"] رفع علم فلسطين دفاعا عن تل السكن الأثري بقطاع غزة، ويعتقد أن عمر الموقع الأثري أكثر من 4500 عام[/caption]

 

 

مبادرات ومشاريع

 

 

د. أيمن حسونة الذي يحمل درجة الدكتوراه في علم الآثار القديمة، وأستاذ مساعد في قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية، يرى أن التركيز الإعلامي عن المواقع الأثرية في قطاع غزة مهم جدًا ويطول الحديث فيه، مفضلًا أن يتناوله بموضوعية ودون أية مجاملات.

 

 

وفي نفس الوقت لم يشأ حسونة في حديثه لـ"زوايا" أن يُحمل العاملين في وزارة السياحة والآثار في غزة فوق طاقتهم، عادًا أنهم يعملون وفق إمكانات محدودة.

 

 

وأوضح حسونة أن العمل في الآثار "عمل أكاديمي بحت، ويجب العمل فيه بمهنية أكثر منه في الجانب الإداري"، منوهًا إلى أن الجامعة الإسلامية في قطاع غزة هي الوحيدة التي تُدرس علم الآثار "تخصص فرعي"، حيث نجحت في صقل عدد كبير من الطلبة في العمل الميداني.

 

 

ويفيد حسونه أنه عمل مستشارًا وخبيرًا لمشروع نفذته اليونسكو قبل نحو عامين، وذلك من أجل إحصاء ومسح وتحديث البيانات الخاصة بكل المواقع الأثرية في قطاع غزة، مبينًا أن أكثر من 65 موقعًا أثريًا تم إحصاؤها وتحديث بياناتها؛ حيث لم يسبق أن تم تحديث هذه البيانات منذ عهد البريطانيين في غزة عام 1930.

 

 


[caption id="attachment_3731" align="aligncenter" width="1200"] موظفون فلسطينيون يعملون بموقع أثري يعود تاريخه إلى عام 329 بعد الميلاد.[/caption]

 

 

ومن ضمن المواقع التي تم إحصاؤها -حسب حسونة- مواقع مهمة جدًا، عددها 13 موقعًا يجب المحافظة عليها، وإذا ما تم تطويرها فيُمكن أن يكون لها مستقبل كبير في تسليط الضوء على المناطق الجنوبية لفلسطين، عدا عن إضافتها للتاريخ الفلسطيني القديم، فضلًا عن أن تكون ذات جذب ثقافي وسياحي تفتقده غزة منذ زمن.

 

 

وحاول حسونة تخصيص الحديث عن بعض الأعمال المفترضة لبعض المواقع الأثرية على سبيل المثال لا الحصر، معرجًا على "قصر الباشا" بأنه جارٍ التحضير لتنفيذ مشروع متكامل يتضمن خمسة محاور من أعمال "تنقيب وترميم وتطوير ومتاحف إضافة للتوثيق"، منوهًا إلى أنه يمكن تشغيل في كل محور 10 خريجين.

 

 

ولم يخفِ حسونة أن مثل هذه المشاريع تحتاج قبل جلب التمويل لها، إلى استشعار الممولين باهتمام القائمين على قطاع الآثار بديمومة المحافظة على المواقع الأثرية وحمايتها من التعديات.

 

 

وتطرق حسونة إلى تعديات من نوع آخر قام بها الاحتلال الإسرائيلي على المواقع الأثرية في قطاع غزة وفلسطين عمومًا، مشيرًا إلى اعتداءات القصف المباشر قد طالت مواقع أثرية هامة في القطاع، مثل: "مسجد المحكمة" الذي تم قصفه في حرب 2014، وجرى ترميمه فلسطينيًا بطريقة وصفها بالتقليدية للأسف.

 

 

وتحدث حسونة عن إشكالية كبيرة تواجه المواقع الأثرية لها علاقة بالبيئة، مفسرًا أن إقامة مراسي الصيادين على شواطئ بحر غزة بدون تخطيط، من شأنه أن يمنع التيارات المائية من المرور بشكل طبيعي، الأمر الذي يجعل من مياه البحر تمتد للشاطئ ثم لليابسة التي تنخر في الرصيف البحري، وبالتالي التعدي على المواقع الأثرية القريبة من البحر مثل موقع "تل قطيف" في خان يونس وموقع "تل رقيش" في المنطقة الوسطى وموقع "البلاخية" في غزة، علمًا أن الأخير يعاني إلى جانب التعديات الحكومية من تلك المشكلة البيئية البحرية.

 

 

وذكر أن جزءًا كبيرًا من موقع "البلاخية" يقع على شاطئ بحر غزة؛ حيث تم التنقيب عنه في العام 1995، وجرى خلاله اكتشاف زاوية سور المدينة الذي يعود إلى لقرن الثامن قبل الميلاد في العصر الكنعاني آنذاك، منوهًا إلى أن نصف السور تدمر بفعل مياه البحر، وهناك من الوثائق والخرائط والصور ما تثبت ذلك.

 

 

وركز حسونة على تعديات كبيرة من قِبَل المواطنين على "تل العجول" باعتباره موقعًا أثريًا كنعانيًا قديمًا؛ حيث تم التنقيب فيه من قبل البريطانيين عام 1930-1934، وقد اكتشفوا آثارًا كثيرة تم نشرها، لافتًا إلى أن ذلك يأتي في ظل غياب كامل من سلطة الأراضي ووزارة السياحة والآثار عن حماية الموقع من التعديات الحالية.

 

 

 

 الخبرة والتمويل

 

 

 

وشدد حسونة على أن مواقع مهمة مثل "تل العجول، تل السكن، تل قطيف، تل رفح، والبلاخية" تحتاج إلى تدخل سريع لحماية من التعديات الخاصة الآن، عادًا أنه في ظل عدم القدرة على جلب التمويل للتنقيب على الآثار بداخلها، فمن باب أولى العمل على حمايتها من الاندثار قبل فوات الأوان.

 

 

وبالمقابل، ذكر حسونة أنه بعد 15 عامًا من اكتشاف موقع "تل أم عامر" عام 1991 في المنطقة الوسطى، تم توفير التمويل له وحمايته وجارٍ تطويره، وكذلك موقع الكنيسة البيزنطية "المخيتم" في جباليا، تم حمايتهما من التعديات بعد تمويلها، متسائلاً "أين نحن من المحافظة على النموذج من المقبرة الرومانية التي تم فرز نصف دونم ملكًا لوزارة الآثار بعد تجريفها؟.

 

 

وحول كيفية جلب مختصين أجانب من الخارج للعمل في المواقع الأثرية بغزة، فقد لفت حسونة إلى أن "المواقع المذكورة سالفًا تتنوع أزمنتها ما بين عام 3000 قبل الميلاد وما بين الفترة العثمانية؛ بحيث يكون لكل حقبة من هذه الحقب اختصاص(..) فإذا كان المختص المحلي موجودًا فنعم ذلك، وإذا لم يكن موجودًا فلا ضير من الاستعانة بمختص من الخارج؛ ولكن يجب أن يلازمه خبير محلي؛ بحيث تكون نتيجة العمل مبنية على جهد الاثنين".

 

 

ومن وجهة نظر حسونة، بأن جولة أسبوعية يقوم بها مفتشو الآثار على المواقع الأثرية كفيلة بحمايتها، من خلال الكشف عن التجريفات والتعديات والعمل على وقفها، مؤكدًا أن العديد من المواقع الأثرية موجودة في أراضي المحررات شمال قطاع غزة، والتي انسحب الاحتلال منها عام 2005، فمنها ما شاهدها بأم عينيه ومنها ما قرأ عنها، وفق تعبيره.

 

 

وحول مشكلات تمويل تطوير المواقع الأثرية، عبر حسونة عن أسفه لتشتت وجهة التمويل بسبب الانقسام الفلسطيني قائلاً: "عندنا بدل الحكومة حكومتان، والدول المانحة تتعامل مع حكومة رام الله فقط، والأخيرة قدمت لغزة الموافقة على مشاريع تطويرية "لتل أم عامر دير القديس هيلاريونـ، وكنيسة المخيتم البيزنطية في جباليا، وتسييج تل السكن بالأسلاك الشائكة ".

 

 

وعد حسونة أن بعض المؤسسات والمراكز التي لها علاقة بالآثار مثل "مركز إيوان" التابع للجامعة الإسلامية، يعتمد في مشاريعه المحدودة على تشغيل الخريجين في هذا المجال على بند المشروع، مشيرًا إلى أعمال التوثيق الأثري التي قام بها "مركز كنعان"، وشملت ٣١١ مبنىً تاريخيًا و٧٦ موقعًا أثريًا، ١٣ منها ذات أهمية استثنائية وتحتاج للحماية العاجلة والتدخل الأثري لكشفها وتطويرها.

 

 

وتطرق حسونة إلى أن "علم الآثار" يمثل قطاعًا كبيرًا، مثل علم الطب فيه العديد من التخصصات؛ حيث كل عصر له عالم آثار مختص وخبير في عصر محدد من العصور المختلفة، وهذا لا يمنع من أن يكون هذا المختص "ملمًا" في باقي التخصصات والعصور المغايرة؛ ولكنه ليس خبيرًا.

 

 

وتابع "عالم الآثار يعتمد في عمله على عينه المجردة التي يستطيع بها تمييز طبقات الأرض ونوعية التربة-على سبيل المثال- كما يقوم بالبحث والتنقيب عن الآثار بأدوات بسيطة مثل "المسطرين والمكنسة والفرشاة"!.

 

 

 

مبررات.. قلة الإمكانات!

 

 

 

وفي رده على مجمل ما سبق، قال مدير عام دائرة الآثار في السياحة والآثار بغزة جمال أبو ريدة، أن إمكانات وزارته هي أشبه بإمكانات باقي الوزارات الحكومية في غزة، فهي إمكانات بسيطة بالكاد تكفي لتوفير النفقات التشغيلية الضرورية لعمل الوزارة؛ حيث إن ما يخصص للوزارة من موازنات حكومية بسيط جداً لا يزيد في الشهر الواحد عن ٤٠٠٠ شيكل، على حد تعبيره.

 

 

وأكد أبو ريدة لـ"زوايا" أن وزارة السياحة والآثار بغزة تعتمد في أعمال الترميم والصيانة والتنقيب اللازمة على المشاريع الممولة من المؤسسات الدولية، وخصوصًا من اليونسكو وغيرها من المؤسسات التي تعنى بالتراث والحفاظ عليها.

 

 

وأشار أبو ريدة إلى أن وزارته نجحت في جلب مشاريع صيانة وترميم وتنقيب لمواقع "مقام الخضر" في مدينة دير البلح،  و" تل أم عامر" القديس هيلاريون في مدينة النصيرات، والكنيسة البيزنطية في مدينة جباليا، بموازنات وصلت إلى مليوني دولار تقريبًا في السنوات الماضية، قائلًا: "الزيارة لهذه المواقع يكفي لتوضيح حجم العمل الذي قامت به الوزارة رغم شح الإمكانات، والحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة للعام الرابع عشر على التوالي".

 

 

وأضاف: "قمنا في الوزارة بتسويق مشاريع لترميم قلعة برقوق في مدينة خانيونس، بعدما تصدع الكثير من أركانها؛ ولكن للأسف لم نحصل على تمويل لها، وهو ما ينسحب على باقي المواقع الأثرية التي تعاني من عدم الصيانة والترميم والتنقيب في باقي المدن بقطاع غزة".

 

 

وفيما يتعلق بدور الوزارات الأخرى والبلديات، فقد لفت أبو ريدة إلى أن المسؤولية تقع على عاتق البلديات في المحافظة على المواقع الأثرية، وخاصة في ظل توزع المواقع الأثرية في كل محافظات القطاع الخمس (رفح، خانيونس، الوسطى، غزة، الشمال)،

 

 

أما بالنسبة لسلطة الأراضي، فقد اعتبر أبو ريدة دورها يقتصر على مساعدة وزارة السياحة والآثار في استملاك المواقع الأثرية لصالح الوزارة، معتبرا أنه يسجل لسلطة الأراضي، أنها كانت متعاونة مع الوزارة فيما يتعلق بالاستملاك.

 

 

ومن وجهة نظر أبو ريدة، فإن قطاع السياحة والآثار في قطاع غزة "قطاع واعد"، قائلًا: "غزة مدينة تاريخية، وتتوزع فيها المئات من المواقع الأثرية، الإسلامية والمسيحية، مثل قصر الباشا، المسجد العمري الكبير، كنيسة بيرفيريوس، حمام السمرا، موقع القديس هيلاريون، موقع الكنيسة البيزنطية، قلعة برقوق، وغيرها من المواقع التي يمتد عمرها إلى ما يقرب من ألفي عام تقريباً".

 

 

وأضاف: "هذه المواقع تشكل في حالة رفع الحصار عن غزة مزارًا للسياح العرب والأجانب"، وفقاً لأبو ريدة.

 

 

غزة- خاص زوايا

 

 

atyaf logo