ما بين الانتخابات الإسرائيلية والفلسطينية... صراع لا يتوقف

(1) اليمين الإسرائيلي.. وموت مسيرة السلام


في خضم معركة نتائج الانتخابات الإسرائيلية وغياب الضمانات لاجراء الانتخابات الفلسطينية يبرز المشهد السياسي في الساحة الفلسطينية مركبا ومعقداً.


حتى هذه اللحظة يعيش المشهد السياسي الفلسطيني حالة من الهلامية والغموض والضبابية القاتلة والتي تدل بوضوح على الموت السريري للمسيرة السياسية وكذلك المأزق الكبير للسلطة الفلسطينية وقدرتها على إدارة الحالة الوطنية.


الانتخابات الإسرائيلية –وبالرغم من أنها تكررت للمرة الرابعة– إلا أنها أفرزت نفس الخارطة السياسية التي يسيطر عليها اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة حزب الليكود.


هذا المشهد السياسي الإسرائيلي يقول بوضوح إنه عازم على السير في ذات الطريق التي انتهجها حزب الليكود طوال سنوات الماضية، والتي قامت على تعزيز الاحتلال في الأراضي الفلسطينية بكل أشكاله ومضامينه، وتعزيز العنصرية الإسرائيلية وسط فلسطينيي الداخل من خلال اعتماد قانون القومية.


اقرأ أيضاً: خاص لـ”زوايا”: حماس تنتخب خالد مشعل رئيسا لها بالخارج


إن فوز اليمين يعني بالضرورة أن مسيرة السلام التي بدأت في العام 1993 بتوقيع اتفاقات أوسلو ستظل محنطة في متحف الاحتلال إلى أجل غير مسمى، وأن حل الدولتين ذهب أدارج الرياح، وأن مسيرة السلام ليست ضمن أولويات دولة الاحتلال، بل ما يجري هو العكس تماما، إذ تضع الحكومة اليمينية نصب أعينها تعزيز الاستيطان وإضعاف النظام السياسي الفلسطيني وإبقاء جذوة الانقسام بين غزة والضفة، فضلا عن توسيع مساحة التطبيع مع العواصم العربية.


لقد بات مؤكداً إن حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف لن تعود إلى مسار المفاوضات السياسية مع السلطة الفلسطينية، بسبب القناعات التي ولدتها أنه لا يوجد (شريك) لعملية السلام، ووجدت أنه من الأفضل أن تسير بمعزل عن أي مسار له علاقة بالفلسطينيين وقضيتهم الوطنية بل وتجاهلهم بشكل لم يسبق له مثيل.


وواضح كذلك أن "إسرائيل" لا تجد من يردعها أو يشكل أي نوع من أنواع الضغوط عليها لإجبارها على العودة إلى مسار المفاوضات السياسية، لذا فإنها تجد نفسها في حل من أي التزامات سياسية تجاه الفلسطينيين. فالإدارة الأمريكية بقيادة بايدن لا تضع القضية الفلسطينية في سلم أولوياتها، ولا تجد أنه من المناسب أن تضغط على تل ابيب في بداية ممارستها شئون الحكم في البيت الأبيض.. صحيح أن بايدن صرح بأنه يعمل على تحقيق السلام على أساس حل الدولتين لكنه لم يطرح أي رؤية واضحة لتحقيق ذلك.


لقد سبق أن حكم الديمقراطيون بزعامة براك أوباما ثماني سنوات لكنهم لم يفعلوا شيئا ملموسا لدعم الحقوق الفلسطينية، بل ما جرى هو العكس أنهم سكتوا عن الكثير من الجرائم الإسرائيلية المتعلقة بالاستيطان والعدوان الهمجي على قطاع غزة، فضلا عن استمرار سياسة تهويد القدس ومصادرة الأراضي.


اقرأ أيضا: أين دور الشباب في الانتخابات الفلسطينية القادمة؟ (إنفوجرافيك)

وحتى هذه اللحظة، لا يبدو في الأفق ما يشي بأن تغييراً جوهرياً في السياسة الأمريكية تجاه "إسرائيل"، ولا في كيفية التعامل معها، أو حتى ممارسة الضغط لمعالجة الأخطاء الكارثية التي خلفها عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، خاصة الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" أو نقل السفارة إلى القدس، أو التراجع عن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتل.


في المقابل فإن بايدن عاد وأكد التزامه بأمن إسرائيل والحفاظ عليها وتقديم المساعدات لها.


أما الاتحاد الأوروبي فإنه لم يخرج عن سياساته التقليدية والتي تتراوح بين الصمت أو (التعبير عن القلق)، ولم يبد أي موقف مشجع لدعم الحق الفلسطيني في إجراء الانتخابات التشريعية أو الطلب من "إسرائيل" تسهيل إجرائها في القدس المحتلة، وبهذا تضمن "إسرائيل" ألا تتعرض لضغوط من المجتمع الدولي لتقديم أي تنازل سياسي.



(2) الانتخابات الفلسطينية..


في المقابل فإن الانتخابات الفلسطينية لا تزال تتأرجح بين المضي والتأجيل. وبين هذا وذاك يبقى المشهد الفلسطيني حائرا مرتبكا غير واضح المعالم.


لأول مرة بعد 15 عاما يتم الاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية تليها انتخابات رئاسية ثم انتخابات المجلس الوطني. ويهدف الفلسطينيون من وراء ذلك كله إلى الخروج من استعصاء الانقسام وإلى إعادة ترتيب البيت الداخلي وتصحيح وضعية النظام السياسي.


غير أن الفلسطينيين يواجهون في ذلك صعوبات جمة وتحديات كبيرة، يقف الاحتلال على رأسها. فـ"إسرائيل" لا ترغب بإجراء انتخابات تسمح لحركة حماس أن تأخذ مكانها في النظام السياسي ولا تريد للفلسطينيين أن يستعيدوا وحدتهم التي تشكل خطرا على وجود وأمن "إسرائيل".


وفي نفس الوقت فإن بعض الأوساط الأمنية الإسرائيلية تتخوف من حدوث فراغ سياسي في حال لم تجر الانتخابات الفلسطينية، لأن من شأن ذلك إضعاف السلطة وعجزها عن القيام بدورها، وهذا بدوره قد يؤدي إلى حالة من الفوضى وعدم الانضباط في المشهد الفلسطيني.


ونقلت مصادر عن ضباط إسرائيليين في الضفة الغربية، قولهم، إن الأراضي الفلسطينية قد تشهد حالة من التوتر وزيادة في العمليات (الإرهابية) والمظاهرات الغاضبة، وإن ذلك قد يمتد إلى مساحات أوسع وقد تصل إلى حالة اشتباك مع قوات الاحتلال والمستوطنات المجاورة.


إن رفض إجراء الانتخابات من قبل "إسرائيل" وعرقلتها في مدينة القدس، وسكوت المجتمع الدولي عن ذلك سيكون له انعكاسات خطيرة جدا. إن ذلك يرسل رسالة واضحة للفلسطينيين أنه لا فرصة أمامكم لإعادة ترتيب النظام السياسي ولا لاستعادة وحدتكم، كما أنه يعني بالضرورة أن "إسرائيل" لا تريد سلطة فلسطينية ولا ترغب باستمرارها ولا تريد أي ممارسة ديمقراطية سلمية، وهذا قد يدفع الفلسطينيين إلى البحث عن خيارات أخرى إذا سدت في وجوههم الأبواب.


فضلا عن ذلك، فإن الفلسطينيين أنفسهم يعانون من الكثير من المشاكل الداخلية، والتي برزت بقوة في انقسام حركة فتح إلى ثلاثة تيارات. ولا يستبعد أن تؤدي الحالة الفتحاوية إلى فقدان الحركة قدرتها على الحسم في الانتخابات التشريعية المقبلة، وبالتالي فقدانها دورها التاريخي في قيادة السلطة الفلسطينية.


وبفعل تتالي المؤشرات التي ترجح زيادة حالة الإرباك داخل حركة فتح، ترتفع بعض الأصوات داخل الحركة بإلغاء الانتخابات أو تأجيلها، إذ لم تخل بعض التصريحات من التمهيد لمثل هذا القرار، عبر التذرع بأسباب مختلفة، كذلك قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني، المقرب من الرئيس أبو مازن، إن الاحتلال أبلغ الاتحاد الأوروبي منع الانتخابات في القدس، واصفا القرار الإسرائيلي بأنه عنصري بامتياز، لكن المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي نفي هذا الأمر لاحقا".


حتى هذه اللحظة قدمت 36 قائمة أوراقها للجنة الانتخابات المركزية، وواضح أن هنالك رغبة فلسطينية قوية لإحداث تغيير في النظام السياسي وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بعد السنوات العجاف من الانقسام، لكن يبقى السؤال هل يستطيع الفلسطينيون تحقيق حلمهم بإجراء انتخابات ديمقراطية تعيد لهم وحدتهم وتعزز من وجودهم السياسي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.


المنطقة الفلسطينية عبارة عن رمال متحركة ولا يمكن الحسم إلى أين تتجه الأمور في الأيام القادمة، فالفلسطينيون يعلقون آمالهم في الانتخابات و"إسرائيل" تضع الألغام في طريقها والمجتمع الدولي لا يملك التأثير القوي للوقوف إلى جانب الفلسطينيين ودعم مطالبهم المشروعة.


من نافلة القول إنّ الكثير من القوى السياسية، خاصة حركة حماس، كانت تأمل أن تعقد الانتخابات في سياق التوافق على رؤية وطنية وتكون تتويجًا لاتفاق شامل يقوم على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وأن تتجسد الشراكة السياسية في أجل معانيها من أجل تشكيل كتلة وطنية صلبة تقوم على برنامج وطني محدد وواضح المعالم يناسب مرحلة التحرر الوطني، وتكون الانتخابات جزءا من هذه الرؤية الوطنية الشاملة، لكن في نهاية المطاف جرى التوافق أن تكون الخطوة الأولى بإجراء الانتخابات التشريعية في مايو المقبل كجزء من مسلسل يقود في النهاية إلى إعادة القوة والهيبة السياسية لمنظمة التحرير.


لكن يبقى السؤال هل يصمد الفلسطينيون أمام الريح العاتية التي تأتيهم من كل حدب وصوب، وهل سيواجهون مصيرهم وحدهم دون أي سند عربي أو دولي...؟؟


بقلم: د. غازي حمد

مواضيع ذات صلة

atyaf logo