محمود جودة يكتب لـ"زوايا": قراصنة غزة..شخلل علشان تعدي!

أعتقد أنك لن تستطيع السير في شوارع المدينة بشكل آمن؛ إن استمر هذا الحال، ولن تستطيع أيضًا الجلوس لوحدك في مكان عام، أو مع صديق أكثر من عشر دقائق ليقطع حديثكم القراصنة الجدد.


اقرأ أيضاًعن الانتخابات في القدس.. “وما نيل المطالب بالتمني”

ظاهرة الأطفال المتسولين، ظاهرة جديدة على قطاع غزة، لا يزيد عُمرها عن أربعة عشر عامًا، وهي أعوام الانقسام، قبل ذلكَ كان التسول مقصورًا على بضع أشخاص شبه معروفين، أما اليوم فهو عمل منظم، وأكاد أجزم وأنا أضع ساق على ساق أنه مبني على خطط استراتيجية عالية المستوى، أقوى من خطط واستراتيجيات الأحزاب الفلسطينية لمواجهة صفقة القرن وتحرير فلسطين.


السائر في شوارع المدينة يعي تمامًا ما أقول، فسوف يشاهد طفلًا يفترش الرصيف ببضع أقلام ودفاتر، يقرأ القرآن من مصحف بصوت مُجوّد جميل، وآخر يفتح كتاب مدرسي ويقوم بالقراءة وحلِّ الواجبات المفترضة.


أنا هنا لا أنهر السائل بالهمز واللمز وسوء الظن، لكني أضع علامة سؤال:


هل الرصيف مكان لقراءة القرآن، وحل الواجبات المدرسية؟!


أم هذه استراتيجية ضمن الخطة العامة التي تتضمن أيضًا أن يأتي أحدهم ليخبرك أنه يحتاج إلى اكمال جمع ثمن علاج زوجته الحامل، ويكون بالفعل يحمل نقودًا، ووصفة طبيب، ويطلب منك أن تتحقق من روايته بأن تتصل على الطبيب أو زوجته قبل أن تعطيه أي نقود، لكنك في الناهية تصدقه لأنك لا تعرف اسمه أصلًا كي تتأكد من صحة اسم زوجته المكتوب على وصفة الطبيب، وفي الناهية هو يطلب منك مبلغًا يسيرًا، أيسر من تكلفة الاتصال الذي تود التأكد فيه من صحة معلوماته.


إنها أسلوب ناجح جدًا مبني على أساس سيكولوجي، فأنت بعد أن تعطيه النقود، تلوم نفسك وتسألها: كيف أنا أعطيته؟! أن لم تعطهِ، هو استغل جانب معين في شخصيتك، بالبلدي استغفلك، وضحك عليك.


ليت فصائلنا البطلة كذلك، وسوف نتبرع لها بكل ما نملك، أقصد بـ "كذلك" أن يكون لديها خطط استراتيجية، ولا أقصد مبدأ التسول والاستغلال والاستغفال والضحك علينا، فهي بارعة في هذا، براعة قراصنة الشوارع!


أنا هنا لا أناقش الظاهرة بحد ذاتها، ولا أُطالب الحكومة بأي شيء مطلقًا، فالحكومة ورجالاتها تعرف كل تفاصيل المدينة، ولا يخفى عليهم شيئًا، وسبق أن قالت أنها سوف تجمع المتسولين وتعمل على متابعة ملفاتهم، ولكن الحكومة مشغولة في تخصيب اليورانيوم أعانها الله.


الجميع يعلم أن عملية التسول هذه مُتابعة من قبل عصابات متخصصة في هذا العمل، وباستغلال واضح لمجموعة من الأطفال الذي وقعوا ضحية أسر مفككة وأولياء أمور بشعين، فكان الشارع ملاذهم الذي يجلب لهم المال، ومن ثم المخدرات، ومن ثم الجريمة.


اقرأ أيضاًأين دور الشباب في الانتخابات الفلسطينية القادمة؟

الجريمة هذه التي كادت أن تقع ظهر أمس عندما تعربش فتى يافع بامرأة يستحثها أن تشتري منه العلكة، فكانت المرأة ترفض بكل أدب وخجل وتسير في طريقها، فاستدعى سلوكها المتحضر، قلّة أدب الفتى فتجرأ عليها أكثر، وبدأ بملامستها والإمساك بملابسها، مطلقًا كل الكلمات التي تثير الشفقة، فأصيبت المرأة بحالة عصبية جعلتها تصرخ بصوتٍ عالٍ، فتجمع المارين عليها وطيبوا خاطرها، لكن المتسول بقي على مكانه، لا خجل ولا خوف، فهو يعي تمامًا أن ملامسة الأشخاص الغرباء في الشوارع دون موافقتهم لا تجوز، فكيف بملامسة النساء وطالبات الجامعة اللواتي يعانين الأمرين جراء هذا السلوك القذر، لكن المتسول يستمد جرأته من استغلال تعاطف الناس مع شكله ومعاناته المفترضة، وبشكل أساسي من عجز الحكومة عن حل هذه المشكلة التي أصبحت تشكل خطرًا على الناس في الشوارع.


جميعنا لنا قصص مع هؤلاء، ومنا من تعرّض إلى موقف المرأة، وهناك شباب كُثر يتعرضون إلى ابتزاز حقيقي من خلال الحاح اللصوص، القراصنة المختبئين تحت عباءة التسول المتسخة، لا أقول متسخة من باب الشتيمة حاشا لله، بل الوساخة هنا من ضمن استراتيجية العمل، فالمتسول يلبس بالعادة ملابس رثة، وتكون ملامحه الشخصية مخيفة نوعًا ما كي يدفعك إلى التقزز منه فتتقي شرَّ اقترابه منك، خاصة في ظل انتشار فايروس كورونا، وتدفع له ما يريد من نقود، لأن الاقتراب حادث لا محالة.


لقد أخذ المتسولين من طريقة المهاجمة ومحاصرة الناس في الشوارع طريقة جديدة ناجعة للتسول من خلال وضع ضحيتهم في موقف نفسي وذهني يصعب عليه التفكير فيه باتزان، فالقصد هنا استفزازه والمراهنة على مشاعر الشفقة بداخله، أول الخوف، فيضطر إلى أن "يشخلل عشان يعدي" وكأنك تعيش في أحد أفلام "السبكي" التي تضطر فيها التنازل عن أشياء كثيرة للنجاة ببدنك، من واقعٍ الانتصار فيه، هزيمة كبيرة.


وفي حال طلب المتسول نقود، ثم اقترب منك ونفذ عليك خطة العمل، ولم تدفع، فسوف تنطلق ناحيتك سهام الشتائم التي لم تكن تتوقع أن هذا "الحَمل الوديع" يعرفها أصلًا، من كثافة الدعاء الذي انطلق من فمه قبل لحظات، وإن رددت عليه شتيمته، ربما يفضحك في الشارع خاصة إن كانت برفقتك فتاة، فهو يعي تمامًا حساسية هذا الموقف بالنسبة للرجال والشباب، وربما يوصي عليك أترابه المنشرين على امتداد المكان، وهنا تربة خصبة لوقوع الجريمة، التي قد تصل إلى درجة الشروع في القتل مثلما حصل مع سعيد صالح وعادل إمام في فيلم "سلام يا صاحبي" بعدما رفضوا أن "يشخللوا".


خاص زوايا


بقلم: محمود جودة

مواضيع ذات صلة

atyaf logo