لم يلبث الشاب فادي الطهراوي (30 عاماً) من الوقت بضع دقائق بعيداً عن هاتفه المحمول، حتى عاد له مجدداً باحثاً عن المزيد من المحتوى المعروض عبر السوشيل ميديا ، وهي الحالة التي اعتاد عليها منذ سنوات.
الطهراوي قال إن عدد الساعات التي يقضيها وهو يتنقل بين المنصات (فيسبوك، انستغرام، تويتر، واتس آب، تيك توك، يوتيوب) متقلبة يومياً " 10 دقائق كل ساعة بعد أن كانت لساعات في السابق"، يقضيها في الترفيه واشغال الوقت بالمحتوى المنشور.
وعبر الطهراوي عن ذلك: " أجد في العالم الرقمي مكاناً للتواصل مع الأصدقاء، ومزيجاً من الهروب من الواقع المؤسف الذي يعشيه الشباب الفلسطيني، ومحاولةً للبحث عن الذات التي نفتقدها في حياتنا الواقعية".
اقرأ أيضاً: 1.2 مليون طرد بريدي من وإلى فلسطين العام الماضي
وأضاف الطهراوي: " اعتدت أن أستيقظ كل صباح لمتابعة حديث جمهور السوشلجية عبر المنصات، فكل يوم هناك قصة جديدة في فلسطين (تريند)، يحمل بعضاً من الإشاعة؛ والبعض الآخر من الفضائح والجرائم والبعض الثالث مليء بالانتكاسات السياسية".
وربط الطهراوي الاستخدام المفرط لمنصات السوشيل ميديا في فلسطين؛ بالحالة المؤسفة التي يعاني منها الشباب على وجه التحديد، حيث ارتفاع نسب البطالة، وتكدس الخريجين الباحثين عن الوظائف التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
يشار إلى أن نسبة البطالة في فلسطين حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ارتفع إلى 27% في الربع الثاني من العام 2020.
في قطاع غزة، بلغ المعدل 49٪ في الربع الثاني، مقارنة بـ 15٪ في الضفة الغربية، ووصل عدد العاطلين عن العمل 321,400 في الربع الثاني 2020، بواقع 203,200 في قطاع غزة 118,200 شخص في الضفة الغربية.
السوشيل ميديا صوت المواطن
في حين يرى الصحفي عبد الله مقداد بأن منصات التواصل الاجتماعي باتت عبارة عن مرآة للواقع الذي يعيشه الشباب الفلسطيني، فهي تعكس ما يجول في عقولهم وأفئدتهم، وذلك ما يظهر جلياً عند تفقد صفحات الأصدقاء، والذين يعبرون عن حالتهم من خلال صفحاتهم الشخصية.
وأضاف مقداد، على صعيد العمل الصحفي تعتبر منصات التواصل الاجتماعي باختلافها، قنوات جديدة يمكن الوصول من خلالها لأكبر عدد من الجمهور لتعزيز الرواية الفلسطينية، وتقديم المعلومة وكذلك الحصول عليها.
وأكد مقداد أن المسمى الأقرب لمنصات التواصل هو " صحافة المواطن"، خاصة وأن كل مشترك عبر هذا الفضاء الواسع؛ أصبح صاحب رسالة وفكرة، وبالتالي تجاوز الأمر مرحلة الهروب إلى البحث عن واقع أفضل.
حملات الضغط والمناصرة
الشاب محمد فؤاد المدلل وهو أحد نشطاء المبادرات الشبابية، شدد على دور وأثر منصات التواصل الاجتماعي في ايصال صوت المكلومين وصوت من لا صوت له.
ونوه على نجاح الكثير من حملات الضغط والمناصرة في تسليط الضوء على العديد من القضايا المهمة والمجتمعية.
وفي نفس السياق أكد المدلل على أن الحملات الالكترونية ساهمت بشكل ملموس، في عملية اغاثة الاسر المتعففة عبر توفير بيئة آمنة للعيش وتوفير العلاج للمرضى.
اقرأ أيضاً: شباب فلسطين بتركيا.. عناء البحث عن حياة
وذكر أن مواقع التواصل باتت مصدراً هاماً لحملات الضغط والمناصرة، لوقف الانتهاكات التي تمارس ضد المواطنين من قبل الجهات الحكومية والغير حكومية.
وطالب المدلل، بالاستثمار الأمثل لمنصات السوشيل ميديا من أجل الوصول للفئات الهشة، والتعريف بهم وتعزيز السلم الاهلي والمجتمعي، خاصة الحملات التي تعزز حقوق المرأة والنوع الاجتماعي (الجندر).
بيئة ايجابية ومكان عمل
بدورها قادت الشابة نور النجار، العالم الرقمي بطريقتها الخاصة عبر منصة انستغرام، حيث بات يطلق عليها لقب (مؤثرة)، ليشكل لها هذا الفضاء مكاناً للعمل الحر من خلال التسويق للمتاجر والمنتجات والخدمات، ومنصةً لنشر الايجابية عبر الترويج للمحتوى الهادف.
في غضون ذلك تقول النجار" أنها تستغل منصتها في عرض أحداثها اليومية، وكذلك طرح قضايا اجتماعية وشبابية مهمة، والحديث عن الأمل والتفاؤل، وتقديم محتوى يستهدف المغتربين؛ من خلال التعريف بالتراث والأكلات الفلسطينية الشعبية".
وأضافت النجار: "السوشيل ميديا هو سلاح ذو حدين خاصة في المجتمع الفلسطيني، لذلك نحاول عرض المحتوى الهادف والأفكار الخاصة بنا، وهنا تكمن الايجابية.
أما السلبية فتتمثل في حالات التنمر والتراشق الذي يستهدف رواد المواقع والمؤثرين وقادة الرأي".
الفراغ سبب الهروب نحو منصات التواصل الاجتماعي
بدورها اتجهت الأخصائية النفسية والاجتماعية نادية عطا الله أبو سرية، بالموضوع نحو الفراغ الذي يعيشه الشباب الفلسطيني، إذ قسمت ذلك إلى فراغ النفسي، فراغ اجتماعي، فراغ عاطفي، فراغ اقتصادي، فراغ علمي.
وانفردت أبو سرية بالتوضيح، على سبيل المثال الفراغ الاقتصادي، له نماذج عديدة منها عدم الحصول على عمل وبالتالي فراغ وقتي، فبدلاً من قضاء 8 ساعات بالعمل يتجه الشاب نحو السوشيل ميديا والترفيه.
يتبع ذلك حسب أبو سرية فراغ نفسي، ومحاولات تحقيق الذات عبر المنصات، وهي تتمثل في شخصيات لا يمكنها التعبير سوا من خلال العالم الافتراضي، ولها أسباب عديدة من أهمها الخجل وسياسة تكميم الأفواه.
أما عن الفراغ الاجتماعي قالت أبو سرية، أنه يتمثل في ضعف العلاقات الاجتماعية والأسرية المترابطة كما يجب، والتي من المفترض أن يقضي معها الفرد بعضاً من الوقت، وبالقياس أيضاً يكون الفراغ العاطفي والعلمي.
وأكدت أبو سرية أن قضاء ساعات طويلة على منصات السوشيل ميديا، له مخاطر عديدة، خاصة على فئة المراهقين والتي من المفترض أن تعيش مرحلة تكوين علاقات أسرية وصداقات واقعية وتشكيل الشخصية.
وأضافت:" قضاء الوقت الطويل على مواقع التواصل الاجتماعي، يخلق جيل غير قادر على الحياة الاجتماعية والمجادلة والنقاش الاجتماعي كما يجب".
بالإضافة إلى ذلك فإن التواصل الافتراضي ولساعات طويلة، يخلق حالة من العزلة الاجتماعية، ويؤثر على الحالة المزاجية، خاصة وأن المنشورات السلبية لها دور في الإصابة بالمزاج السيء والشعور بالتوتر والقلق، ناهيك عن التأثير على النوم الصحي والتركيز.
تحذيرات من الادمان الرقمي
وحذرت أبو سرية من حالات ادمان السوشيل ميديا، واصفةً الأمر بانه لا يقل خطورة عن ادمان المخدرات، خاصة في ظل عدم الرقابة والمتابعة من قبل الأهالي.
ورأت أبو سرية أن الحل يكمن في عدم المنع التام؛ وإنما التقنين ورسم خط سير للأبناء من خلال بناء جو أسري متكامل، ومناقشة المواضيع التي تدور عبر المنصات بين أفراد العائلة والأصدقاء، والتوجيه لمحتوى ايجابي هادف ومؤثر.
منصات التواصل واقع وليس هروب من الواقع
مدير مركز صدى سوشال اياد الرفاعي بدوره قال: " لا يمكن الحديث أن قضاء ساعات طويلة عبر منصات التواصل الاجتماعي يعد هروباً من الواقع، معللاً ذلك بأن هذه المنصات باتت هي الواقع بحد ذاته".
وأضاف الرفاعي، أن العالم الرقمي بات فضاءاً للعمل، والكثير من الشركات والمؤسسات والأفراد يستثمرون أوقاتهم داخل هذا المكان، لجني الارباح المادية، وتطوير الذات في جوانب معينة، من خلال التعرف على أشخاص جدد في مجال العمل أو محيط الاهتمام، بالإضافة إلى ذلك تنمية المعرفة.
وأشار الرفاعي، أن الجلوس على منصات السوشيل ميديا يعد عملية تقنية تواصلية تكاملية بين الناس، والوصف الأقرب " مرآة الشخص".
غالبية الشباب الفلسطيني يستخدمون الانترنت
حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أظهرت بيانات المسح الأسري لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لعام 2019 أن نسبة الشباب في العمر (18-29 سنة) الذين يستخدمون الانترنت من أي مكان قد بلغت 86% في فلسطين بواقع 90% في الضفة الغربية و79% في قطاع غزة.
كما أشارت البيانات أن 94% من الشباب الذين يستخدمون الانترنت استخدموا شبكات التواصل الاجتماعي بواقع 96% في الضفة الغربية و91% في قطاع غزة.
وخلال عام 2020 احتل موقع الفيســبوك المقدمــة فــي وســائل التواصــل الاجتماعي الأكثر حضــوراً بيــن الفلســطينيين، حيــث وصلــت نســبة المشــتركين فــي الموقــع إلــى 92.01% من مشــتركي الإنترنت فــي الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة والداخــل الفلســطيني المحتــل، حسب تقرير ipoke السنوي.
يشار إلى أن الكثيرين اعتمدوا خلال فتــرة انتشــار فيروس كورونا (كوفيد19) علــى وســائل التواصــل الاجتماعي لمتابعــة آخــر المســتجدات والمعلومــات، الأمر الذي جعلهــم في بعــض الأحيان عرضــة للمعلومــات غيــر الدقيقــة والشــائعات.
علاوة على ذلك أصبحت منصات التواصل الاجتماعي وسيطاً حاسماً في تداول المعلومات المتعلقة بالعمل أو الدراسة، وبات الطلبة والمدرسون يتواصلون ويتبادلون المعلومات فيمـا بينهـم خلال الجائحة.