- القائمة المشتركة تفككت ودخلت في عملية غزل وتبعية مع القوى الصهيونية
- الاحتلال يرفض التسوية ويتوسع بسبب انعدام التكلفة
- انشقاق عباس منصور كشف الضعف السياسي للقائمة المشتركة
- الداخل الفلسطيني في حالة عزوف كاملة عن الشأن الفلسطيني العام
- "إسرائيل" استحدثت الجريمة للسيطرة على فلسطينيي الداخل.
- من المتوقع أن تطبع دول عربية أخرى مع الاحتلال إذا استمر الرئيس عباس في مساره الكارثي.
أكدت العضو العربي السابق في الكنيست الإسرائيلي، حنين زعبي، عضو اللجنة المركزية للتجمع الديمقراطي في الداخل المحتل، أن غياب المقاومة والنضال الفلسطيني يقوّي اليمين في دولة الاحتلال الإسرائيلي، عبر معادلة أنه لا تكلفة للاحتلال ولا تكلفة للحصار ولا للقتل.
وقالت زعبي في حوار خاص مع موقع "زوايــا": "إن انعدام التكلفة تقوي الموقف الإسرائيلي، الذي يؤمن أنه يستطيع أن يتمتع بمشروع توسعي تطهيري وأيضا بحياة طبيعية دون أن يدفع أي ثمن، ودون أن يحتاج لأي تسوية مع الفلسطينيين أو لأي نوع من العمل على تحقيق حقوقهم".
وأشارت إلى أن القائمة العربية المشتركة تفككت، لأنها لم تحدد لها مرجعية سياسية تتجاوز المناورات الحزبية الضيقة لمركباتها، منوهة إلى أن "المشتركة" دخلت في عملية غزل وتبعية مع قوى صهيونية.
اقرأ أيضاً في زوايــا: الرحلة إلى المجهول..فتحات الجدار مصائد العمال الفلسطينيين
وأوضحت زعبي أن انشقاق منصور عباس (العضو العربي بالكنيست عن الحركة الإسلامية فرع الجنوب)، كشف الضعف السياسي للقائمة مشتركة.
ورأت أن هذا الانشقاق يضعف القائمة المشتركة في المدى القريب، لكن في المدى البعيد يمكن أن يقويها، وذلك في حال راجعت "المشتركة" مسارها، ورفضت هيمنة خط أيمن عودة (رئيس القائمة المشتركة) عليها، وهو الخط الذي يقود عملية التبعية للأحزاب الإسرائيلية، وفي حال قوي الصوت الذي يمثله التجمع الوطني الديمقراطي داخلها.
وأكدت أن الداخل الفلسطيني (في الأراضي المحتلة عام 1948) يعيش حالة عزوف كاملة عن الشأن الفلسطيني العام، وقالت: "يمر الداخل الفلسطيني بحالة انفصام وطني عن الحالة الفلسطينية العامة وعن تحدياتها الوطنية الاستراتيجية الكبرى".
واعتبرت أن الداخل الفلسطيني غارق في لعبة البقاء في الكنيست، ضمن حالة سياسية تشهد انكماش الأحزاب وتراجع دورها السياسي وامتدادها الجماهيري، وتراجع البعد الفلسطيني العام بل اختفائه من أجندتنا.
وردا على سؤال حول أسباب ارتفاع معدلات الجريمة في الداخل الفلسطيني، أجابت زعبي: "الجريمة هي الشكل الجديد الذي استحدثته إسرائيل في السيطرة على الفلسطينيين داخلها، فهي تقلب الأجندة السياسية الفلسطينية لكي تلتف حصرا حول هذه القضية"
ونتيجة لذلك أيضا، تتحول الشرطة إلى عامل صلح اجتماعي داخل المجتمع الفلسطيني، فتزيد من تحكمها الاجتماعي ومن سيطرة قبضتها على تفاصيل الحياة الاجتماعية داخل المجتمع، وفق حديث زعبي.
اقرأ أيضا: بالضربة القاضية.. كورونا تفتك بعمال غزة والمساعدات شعارات
ورأت أن الإمكانية الوحيدة للخروج من دائرة تفشي الجريمة هي عبر "تسييس القضية ووضعها في إطارها السياسي الصحيح، ليس كقضية جريمة بل كقضية تحكم سياسي وتشويه هوياتي وإضعاف نسيج مجتمعي، أي كآلية تحكم استعماري".
ومن أجل الوقوف في وجه هذه الظاهرة، دعت زعبي إلى تطوير مظاهرات وحراكات شعبية واسعة غاضبة تتطور إلى عملية صدام ومقاطعة للشرطة كذراع من أذرع دولة معادية لنا، واستغلال هذه القضية لإعادة طرح خطاب علاقة فلسطينيي الداخل مع الدولة كعلاقة مواطنة غير طبيعية".
وتعقيبا على ذهاب دولة الاحتلال لانتخابات رابعة في غضون عامين، قالت زعبي إنه يدل على "إفلاس الخارطة السياسية الإسرائيلية عن إيجاد بديل حقيقي لليمين، وسيطرة اليمين على قواعد اللعبة السياسية، ونجاحه في تعميق وتوسع المشروع الصهيوني باتجاه تصفية القضية الفلسطينية".
ومن المرتقب انعقاد الانتخابات الإسرائيلية في 23 آذار/مارس الجاري، وسط أزمة سياسية تعصف بدولة الاحتلال منذ عامين، تكللت بفشل الأحزاب الإسرائيلية في تشكيل الحكومة مرتين، ثم انهيار الائتلاف الحكومي (الليكود وأزرق أبيض) في كانون أول/ديسمبر الماضي، إثر فشلهم في إقرار موازنة الدولة.
وحول قرار الجنائية الدولية بولايتها على الاراضي الفلسطينية، قالت زعبي: "إنه قرار في غاية الاهمية، لأنه بالرغم من الانتصارات العسكرية ومن الاختراقات السياسية لإسرائيل في المنطقة، وسيطرتها المطلقة على مجريات الصراع وعلى خلق وقائع جديدة على الأرض، إلا أن القرار يعيد سحب بساط الشرعية الأخلاقية لإسرائيل".
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد قررت في الخامس من شباط/ فبراير الماضي، أن اختصاصها القضائي يشمل الجرائم والفظائع التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينية.
وعن توقعات زعبي بالتحاق دول عربية أخرى بركب التطبيع مع دولة الاحتلال، أوضحت أنه من الممكن أن تقوم دول عربية أخرى بالتطبيع مع تل أبيب، وهذا يتوقف على سلطة أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) وأعوانه، إذا استمر في مساره الكارثي، على حد تعبيرها.
وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
توقع آخر استطلاع لانتخابات الكنيست حصول القائمة العربية المشتركة على 8 مقاعد.. كيف ترين وضع القائمة في الانتخابات المقبلة؟
القضية ليست عدد المقاعد، بل المشروع السياسي الذي تحمله القائمة المشتركة، والحقيقة أن القائمة تفككت لأنها لم تحدد لها مرجعية سياسية تتجاوز المناورات الحزبية الضيقة لمركباتها، أو تتجاوز صراع البقاء لتلك المركبات وبحثهم عن دور مقبول وغير مستفز للأحزاب الصهيونية، بدل أن تبلور دورا إستراتيجيا في طرح تصور آخر لمواطنة ديمقراطية تعادي الصهيونية وتطرح بديلا لها، أي طرح مواطنة من خارج الوظيفة الأيديولوجية الاستعمارية للمواطنة الصهيونية ضمان أبارتهايد سياسي ضمن قوانين المواطنة نفسها.
وبدل أن تقوم بعض مركبات المشتركة، بالذات الحزب الشيوعي والجبهة العربية بتعبئة القوة الجديدة المستحدثة في الساحة الفلسطينية في الداخل بمشروع سياسي لا يتحدث فقط عن مساواة مدنية، بل عن مساواة حقيقية أي عن مساواة الفلسطينيين أصحاب الوطن، مما يعني إلغاء قوانين التجنس وقوانين الأراضي وتعريف الدولة، وهو مشروع مستحيل، لكنه يبني الفلسطينيين داخل الدولة اليهودية، ويموقعهم كجزء من حركة وطنية فلسطينية وكجزء من شعبهم، وليس فقط كشأن إسرائيلي داخلي وكمواطنين.
وهذا المشروع يحول المواطنة من مواطنة تدجينية استعمارية لموقع قوة إستراتيجي يكشف طبيعة المواطنة الإسرائيلية كمواطنة استعمارية، ويحاربها عن طريق طرح بديل ديمقراطي يشمل حق العودة ويشمل إعادة تعريف هذا الكيان السياسي، وإعادة بنائه بالاستناد على الغبن التاريخي وعلى السردية التاريخية للفلسطينيين، فقط بهذه الإستراتيجية نحن لا نخسر هويتنا وبعدنا الفلسطيني ضمن العملية السياسية، وفقط بهذه الطريقة نحن نعطي لفعلنا السياسي قوة حقيقية بدل أن نكون تابعين للأحزاب الصهيونية، وبدل أن نكون جزءا من لعبة إسرائيلية لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
أي أن المطلوب منا ضمن المواطنة هو أن نسيس هويتنا ونبني على أساس انتمائنا لشعبنا قواعد تعاملنا مع المواطنة، فنرفض منها ما يتناقض مع موقعنا كأصحاب وطن ونعيد صياغة وتشكيل قوانين وقواعد المواطنة، فقط بهذه الطريقة نحن نتقاطع مع نضال شعبنا في التحرر والحرية.
بدل ذلك دخلت "المشتركة" في عملية غزل وتبعية مع قوى صهيونية ممثلة بشعار تكوين "معسكر عربي يهودي" تارة، وعملية التوصية على غانتس تارة أخرى، وعارضت طروحات التجمع الوطني الديمقراطي المبنية على أساس طرح مواطنة بديلة.
وبالتالي قيدت نفسها بلعبة ضيقة لا تمت لموقعنا كفلسطينيين بشيء، ولا ترسم أي مرجعية وطنية لمواطنتنا، بل بالعكس تحول انتماءنا إلى رهينة للمشروع الصهيوني أو لمركب هامشي أو عاطفي في أفضل الأحوال، وتفرغ فعلنا وتأثيرنا السياسي الاستراتيجي من قوته الحقيقية، التي لا تكون سوى ببعد فلسطيني واضح.
ما مدى جاهزية القائمة المشتركة لخوض الانتخابات؟ وما عناصر القوة والضعف لديها؟
هذا يتعلق بالاستنتاجات الحزبية التي تتوصل لها مركبات "المشتركة" بعد انشقاق منصور عباس الذي لم يمثل نهجا مناقضا لسلوك "المشتركة"، الذي احتكم كما قلت لسقف إسرائيلي ولمنطق قبول الأحزاب الإسرائيلي لنا، بل هو أراد أن يتجرأ إلى أبعد مما تجرأت عليه المشتركة بتبعيتها لأحزاب المركز الإسرائيلي وتوصيتها على غانتس، وأراد أن يناور أيضا مع اليمين، أي مع كل القوس السياسي الإسرائيلي وليس فقط مع جزء منه، لهذا أقول أن منصور عباس لم يناقض المشتركة، وإن خرج عن إجماعها.
لكن الفرق يبقى أن المشتركة بخطها المهيمن قبلت المناورة مع جزء من الطيف الصهيوني ووفق سقف هذا الجزء، وليس وفق سقفها الفلسطيني الوطني المستقل، بينما قبل منصور عباس بالمناورة مع الجميع حتى اليمين المتطرف.
إذا يكمن عنصر الضعف الرئيسي للمشتركة أنها لا تحمل مشروعا سياسيا مستقلا عن سقف الأحزاب الصهوينة، وأنها تتخذ من "عدم استفزاز الشارع الإسرائيلي" بوصلة لها، بدل أن تتخذ المصلحة الوطنية الفلسطينية العامة لكل الشعب الفلسطيني، وليس فقط للداخل -وإلا نكون شعوبا وليس شعبا- بوصلة.
هل أثر انشقاق عباس منصور على القائمة المشتركة؟
انشقاق منصور عباس كشف الضعف السياسي للمشتركة، في المدى القريب هذا يضعف المشتركة، لكن في المدى البعيد يمكن أن يقويها، وذلك فقط في حال راجعت المشتركة مسارها، ورفضت هيمنة خط أيمن عودة عليها، وهو الخط الذي يقود عملية التبعية للأحزاب الإسرائيلية التي ذكرتها، وفي حال قوي الصوت الوطني الذي يمثله التجمع الوطني الديمقراطي داخلها.
لأول مرة في تاريخ "إسرائيل" الذهاب لانتخابات رابعة في غضون عامين، ما الأسباب الجذرية لذلك؟
إفلاس الخارطة السياسية الإسرائيلية عن إيجاد بديل حقيقي لليمين، سيطرة اليمين على قواعد اللعبة السياسية ونجاحه في تعميق وتوسع المشروع الصهيوني باتجاه تصفية القضية الفلسطينية بإعادة تعريفها من مسألة تحرر إلى مسألة حكم ذاتي وتوطين وحقوق أفراد، القضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية، وتوسع الاستيطان وتحول المستوطنين إلى أهم فاعل سياسي في إسرائيل يقرر مصير القضية الفلسطينية، القضاء على منظمة التحرير، تحويل السلطة من قيادة وطنية إلى وكيل للاحتلال، تصفية مكانة القضية الفلسطينية كقضية عربية لها أولوية على قضايا أخرى وعلى تشكيل علاقات المنطقة، التطبيع الأيديولوجي مع العالم العربي لتكون الصهيونية "إمكانية عربية"، تحويل إسرائيل من عدو إلى صديق أنظمة عربية قامعة تتحكم بشعوبها وترسم نظاما جديدا للمنطقة العربية، اختفاء القضية الفلسطينية من وعي الشارع الإسرائيلي ومن مخاوفه ومن أجندة التهديدات الاستراتيجية،
ومراوحة إسرائيل بين حسم القضية الفلسطينية من جانب واحد (تصفيتها) وبين إدارتها فيما يتعلق بابتزاز موافقة السلطة وأنظمة المنطقة أو على الأقل تحصيل سكوتها وتعاونها مع المشروع الصهيوني.
لقد قوي اليمين الذي أسقط أجندة اليسار القائمة على التسوية وعلى ثنائية الدولة اليهودية والاتفاق مع الفلسطينيين، وأثبت اليمين أنه يستطيع الاستمرار في مشروعه التوسع والاحتلال والقمع والأبارتهايد دون اتفاق مع الفلسطينيين، مما جعل مصطلح "السلام" الذي تميز به "اليسار" فائضا على الحاجة، أي أصبح اليسار الصهيوني –الذي لم يعترف أبدا بحقوق الشعب الفلسطيني لكنه اعتراف بحاجة إسرائيل لسلام تخضعه الأخيرة لشروطها- نفسه فائضا عن الحاجة.
من جهة أخرى فإن غياب المقاومة والنضال الفلسطيني يقوي اليمين في إسرائيل، عبر معادلة أنه لا تكلفة للاحتلال ولا تكلفة للحصار ولا للقتل، انعدام التكلفة هذه تقوي الموقف الإسرائيلي الذي يؤمن أنه يستطيع أن يتمتع أيضا بمردود مشروع توسعي تطهيري وأيضا بحياة طبيعية دون أن يدفع أي ثمن، ودون أن يحتاج لأي تسوية مع الفلسطينيين أو لأي نوع من تحقيق حقوقهم.
سيطرة اليمين هذه لا تعني قدرته على تشكيل حكومة ثابتة، لكن هذا لا يعود إلى أسباب سياسية فقط، بل إلى أسباب إسرائيلية داخلية تتعلق بالفساد وباستقلالية القضاء والإعلام الذي يشن نتنياهو حربا عليهما، وبانشقاق أجزاء من اليمين الليكودي التقليدي وازدياد المعارضة الليكودية الساعية إلى التخلص من نتنياهو الشخص، مع الإبقاء على سياساته تجاه الفلسطينيين.
معدلات الجريمة تشهد ارتفاعا كبيرا في المجتمع الفلسطيني بالداخل المحتل.. أسباب هذا الارتفاع؟ وهل الحكومة تقبل مقترحاتكم لحلها؟
الجريمة هي الشكل الجديد الذي استحدثته "إسرائيل" في السيطرة على الفلسطينيين داخلها، فهي تقلب الأجندة السياسية الفلسطينية، لكي تلتف حصرا حول هذه القضية، كما نراه يحدث فعلا، وبالتالي تشغلهم عن النضال السياسي الأشمل والأكثر استراتيجية، وتفكك وحدتهم وتماسكهم الداخلي عبر تطوير أعداء داخليين من عصابات الجريمة وحتى لجان الصلح، وتحول الشرطة إلى عامل صلح اجتماعي داخل المجتمع الفلسطيني فتزيد من تحكمها الاجتماعي ومن سيطرة قبضتها على تفاصيل الحياة الاجتماعية داخل المجتمع، وتزيد من العداءات التي هي أكبر من الجرائم الفردية، وتزيد من تراجع هيبة وسلطة الأحزاب والعمل السياسي الذي يقف حائرا وفاقد الحيلة أمام مطالبات الشارع له بحلها ومعالجتها.
وتقلص من سقف توقعات ومطالب الشارع الفلسطيني لتقتصر على الأمن والأمان اليومي، ولتحول عداءنا الرئيسي من عداوة تجاه الدولة لعداوات داخلية.
لقد وجدت "إسرائيل" في تفشي الجريمة آلية مذهلة في التحكم والسيطرة على الفلسطينيين في الداخل وعلى حدود ومضامين اهتماماتهم السياسية، وعلى التحكم بقوة الفاعلين الاجتماعيين، وعلى خلق قيادة جديدة تتحكم بهم هي عصابات الإجرام.
الإمكانية الوحيدة للخروج من هذه الدائرة هي عبر تسييس القضية ووضعها في إطارها السياسي الصحيح، ليس كقضية جريمة بل كقضية تحكم سياسي وتشويه هوياتي وإضعاف نسيج مجتمعي، أي كآلية تحكم استعماري.
وعبر رؤية الفعل المركزي الوحيد تجاهها في تطوير مظاهرات وحراكات شعبية واسعة غاضبة تتطور إلى عملية صدام ومقاطعة للشرطة كذراع من أذرع دولة معادية لنا، واستغلال هذه القضية لإعادة طرح خطاب علاقتنا مع الدولة كعلاقة مواطنة غير طبيعية، وتطوير وعي ومطالب ومشروع كامل يرتكز على هذا الخطاب السياسي.
بعد 14 عام من الانقسام الفلسطيني الداخلي صدر مرسوم بشأن الانتخابات، كيف تابعتم الأمر؟
الداخل الفلسطيني في حالة عزوف كاملة عن الشأن الفلسطيني العام، وهو في حالة انفصام وطني عن الحالة الفلسطينية العامة وعن تحدياتها الوطنية الاستراتيجية الكبرى.
الداخل الفلسطيني غارق في لعبة البقاء في الكنيست، ضمن حالة سياسية تشهد انكماش الأحزاب وتراجع دورها السياسي وامتدادها الجماهيري، وتراجع البعد الفلسطيني العام بل اختفائه من أجندتنا، وقانون القومية وصفقة القرن، المرشحين لإحداث تغيير جذري في عملنا السياسي باتجاه رفع مشروع المواطنة المعادية للصهيونية كمركز عملنا السياسي وكمشروعنا الأساسي والذي منه يشتق أداؤنا وأجندتنا، بدل قصر عملنا السياسي على قضايا خدماتية وتحويل التكتيك السياسي إلى استراتيجية، أو بالأحرى الغرق في تكتيكات فاقدة لمشروع استراتيجي. هذه السياسة الذي نتخذها هي التي تمنع نضالنا في الداخل أن يتقاطع مع نضال شعبنا في التحرر وفي تطوير نهج بديل عن أوسلو الكارثي، ويجعل نضالنا نضالا منفصلا عن نضال شعبنا ومرتبط فقط بعلاقة ثنائية داخلية مع إسرائيل.
كيف تعقبين على قرار محكمة الجنايات الدولية ولايتها على الأراضي الفلسطينية؟
لك قرار في غاية الأهمية، إذ أنه بالرغم من الانتصارات العسكرية ومن الاختراقات السياسية لـ"إسرائيل" في المنطقة وسيطرتها المطلقة على مجريات الصراع وعلى خلق وقائع جديدة على الأرض تعيد سحب بساط الشرعية الأخلاقية لـ"إسرائيل"، وفي النهاية الدول تحتاج لشرعية مهما بلغت قوتها، خطاب الشرعية هي حدود قوة "إسرائيل"، وهي ورقة الضغط الحالية للفلسطينيين التي عليها أن ترفق عملية إعادة بناء قوتهم الذاتية ومؤسساتهم ومشروعهم الوطني.
لكن تلك القوة الأخلاقية وعملية موضعة "إسرائيل" إلى الخانة التي تستحقها كمجرمة حرب لن تؤت ثمارها السياسية العملية إلا بوجود إرادة سياسية تصر على تفعيل المحاكمة، هنالك خشية من أن يستعمل أبو مازن القرار كورقة مناورة وضغط ضد المصلحة الفلسطينية مقابل عودة الحكومة الإسرائيلية إلى طاولة المفاوضات، كما فعل مع قرار محكمة الجنايات الدولية، ومع الكثير من الإجراءات الدولية التي كان من الممكن أن تشكل ورقة قوة بيد الفلسطينيين.
يبقى أن نذكر أن ملاحقة "إسرائيل" دوليا وقانونيا هي جزء من استراتيجيات النضال الفلسطيني وهو الجزء الداعم، لكن النضال المركزي يبقى للمقاومة الشعبية والنضال على الأرض في مواجهة الاحتلال وأدواته، المقاومة الشعبية هي تلك التي تزيد من نجاعة ومرود النضال الدولي والقانوني والاستراتيجيات الدبلوماسية، ولا يمكن الاكتفاء أو الاعتماد على المحاكمات الدولية وغيره من الأدوات العالمية، يبقى الشعب الفلسطيني على الأرض في مواجهة الاحتلال والاستعمار والشرطة والجيش هو حامل النضال المركزي.
هناك أزمة دبلوماسية بين حكومة الاحتلال وجو بايدن، ما هي حقيقتها؟ وهل يمكن أن تنعكس لصالح حقوق الفلسطينيين؟
كل الأزمات مع الإدارة الأمريكية هي أزمات خارج التحالف الأيديولوجي بين "إسرائيل" والولايات المتحدة هي جزء من سياسات الولايات المتحدة الداخلية، "إسرائيل" هي قضية داخلية أمريكية وهي ليست قضية خارجية، والعلاقة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة ليست مجرد علاقة استراتيجية، بل هي علاقة تماهي وهي علاقة عضوية. بالتالي كل الخلافات هي خلافات لا تمس المصلحة الإسرائيلية أمام الفلسطينيين، بل تمس حميمية العلاقة الشخصية بين شخص رئيس حكومة وشخص رئيس جمهورية.
لكن مع ذلك علينا أن نقر أن ترامب ذهب بعيدا كثيرا ليس في دعمه لـ"إسرائيل"، بل في تبني المشروع الصهيوني وتحويله لمشروع أمريكي، أي لمشروع يقع على عاتق الولايات المتحدة تنفيذه وإعطائه الشرعية ومحاربة كل المؤسسات الدولية التي قد تعيقه، هذا سيتغير، لكن بايدن لن يستطيع التراجع عن مرتكزات القوة الكبيرة التي أعطاها ترامب للمشروع الصهيوني ألا وهي نقل السفارة الأمريكية للقدس، وصفقة القرن التي وإن لم يتم الموافقة عليها من خارج طرفي طرحها: إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أنها ستكون أساس مناورات المرحلة القادمة، والأساس الذي تستأنف به الحديث عن القضية الفلسطينية، أي حتى عودة طرح حل الدولتين سيكون متصالحا أكثر مع صفقة القرن وقاعدة شرعنة الاستيطان الكامل التي ثبتتها بعد أن كان استيطانا غير شرعيا في مفهوم الإدارات الأمريكية السابقة، إلا إذا قام الشعب الفلسطيني بقلب الطاولة على سلطة رام الله و"إسرائيل" وأمريكا معا.
شهدنا خلال الآونة الأخيرة عمليات تطبيع متعددة، هل تتوقعين أن تلتحق دول أخرى بركب التطبيع، السعودية مثلا؟
ممكن جدا وهذا يتوقف على سلطة أبو مازن وأعوانه، إذا استمر في مساره الكارثي فلا شيء يعيق السعودية إلا خوفها من معارضات سعودية داخلية، وهذا عندها سيتعلق بقوة تلك المعارضات، وبمدى استعداد السعودية أن تذهب في قمعها.
ما يحدث هو أكثر من تطبيع، ما يحدث هو تحالف استراتيجي تقوده "إسرائيل"، وما يمكن أن يوقف هذا المسار الكارثي في المنطقة ومحاولة عملية خلق نظام عربي جديد وتحويل الصهيونية إلى إمكانية عربية، هو إما موجات ثالثة من الثورات العربية ونجاحها الكامل أو الجزئي في فرض تغييرات جدية داخل دولها وفي المنطقة عموما، بالذات في سوريا ومصر، أو ثورة فلسطينية ضد سلطة المقاطعة وضد "إسرائيل" معا.
برأيي فقط تلك التغييرات الدراماتيكية ستحدث تغييرا استراتيجيا في مسار التطبيع وقيادة "إسرائيل" لمحور عربي ضد شعوب المنطقة وقواها الإقليمية.