تقرير السوق السوداء وتلاعب الدولار في غزة

الدولار الامريكي
الدولار الامريكي

السوق السوداء وتلاعب الدولار في غزة .. هكذا عبر المواطن محمود أبو هاشم عن استيائه من الفجوة الكبيرة في سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الشيكل الإسرائيلي . الذي يعد العملة الرئيسية للفلسطينيين بمقتضى اتفاق باريس الاقتصادي، والتي تذبذبت بنحو (12 شيكل) منذ مطلع ديسمبر الجاري.

  عين المشتري إلى شاشة البورصة العالمية، وعين البائع على جيبه

أزمات عالمية و تأثيرها على السوق السوداء

وانحدر سعر الدولار مقابل الشيكل خلال الآونة الأخيرة بفعل تقلبات جيوسياسية وأزمات عالمية بالإضافة إلى تأثير جائحة كورونا على العملة الأكثر انتشاراً.

وتساءل أبو هاشم كغيره من المواطنين، عن أسباب الانحدار والاختلاف الكبيرين في السعر، ليس فقط على شاشة البورصة العالمية؛ بل داخل مكاتب الصرافة والتي يتحكم بها عددٌ من التجار؛ الذين أسماهم "حيتان سوق العملة".

وقال أبو هاشم لـ موقع "زوايا": "خسرت 24 شيكلاً عند بيع 200 دولار؛ بفعل تقلبات السعر عن قيمته السابقة الشهر الماضي (3.40 شيكل) للدولار.

وأكد أبو هاشم: "عدم التزام الصرافين بسعر البورصة العالمية؛ حيث يتم تحديد السعر بناءً على مصالحهم الشخصية، وهو ما يبدو واضحاً عند التنقل من صراف لآخر بنفس التوقيت الزمني؛ إذ يظهر اختلاف الأسعار بينهم".

اقرأ أيضا: بالضربة القاضية.. كورونا تفتك بعمال غزة والمساعدات شعارات

يشار إلى أن الأراضي الفلسطينية وخصوصاً قطاع غزة، يعاني من انتشار "السوق السوداء"، والتي تعمل بشكل موازٍ للسوق القانونية كباقي دول العالم؛ حيث تشهد نشاطات غير قانونية تؤدي إلى عدم القدرة على ضبط الاحتكار وسعر صرف العملة مقابل الدولار، الأمر الذي يكبد المواطن خسائر في المعاملات التجارية والمالية.

سوق غزة يحكمه "الحيتان"

الصرّاف المتجوّل أشرف اللهواني، الذي يعمل في هذه المهنة منذ 14 عاماً. قال في هذا الإطار:" سوق غزة لا يخضع لسلطة النقد، هو عبارة عن سوق سوداء " حكمه (الحيتان)، لا يخضع لرقابة من قبل سلطة النقد"، حسب قوله.

وأوضح اللهواني" تاجر العملة يتعامل مع السوق بما يتوافق مع مصلحته، وحسب وضع السيولة في البلد، خاصة وأنها المحدد لمسار الصرف" مضيفاً: "عند زيادة العرض على الدولار الأمريكي في حال صرف راتب موظفي" الأونروا". يقرر كبار التجار خفض سعر الدولار مقابل الشيكل، ومثل ذلك أيضاً رواتب موظفي السلطة وكذا صرف المنحة القطرية، واصفاً المشهد" غزة بورصة لحالها".

حجب العملة عن الزبون في ظل التقلبات السريعة

وحول حالات حجب العملة في ظل التقلبات السريعة، ذكر اللهواني أن بعض تجار العملة بغزة، وبسبب تخوفهم من التقلبات المتسارعة في سوق العملات، امتنعوا عن البيع أو الشراء خاصة في بداية انتشار فيروس كورونا.

وقال: "بشكل مفاجئ ارتفع الدولار مقابل الشيكل بمقدار 15 شيكل بعدها زيادة بمقدار 10 شيكل وصولاً إلى سعر صرف 3.86 شيكل، تبع هذا انخفاض بقيمة 15 شيكل، الأمر الذي سبب خسارة فادحة لدى التجار"، ما شكل دافعاً للتوقف عن تبادل العملات.

"أين اختفى الدينار"؟

غزة ليست وحدها داخل اللعبة، فالشاهد هنا ورقة معلقة على أحد محال الصرافة في مدينة رام الله، كتب عليها "نعتذر لزبائننا الكرام، لا نتعامل بالدينار". لكن هذه المرة الاحتلال "الإسرائيلي" هو اللاعب الرئيسي.

الاحتلال يتعمد خلق أزمة سيولة مالية

اتحاد جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني أكد أن الاحتلال هو المسبب الأول والرئيسي لهذه الأزمة، من خلال عرقلة وصول الدينار إلى السوق الفلسطينية من خلال التجار أو البنوك وحتى المسافرين، ورفض البنوك الاسرائيلية استقبال ملايين الشواكل المتكدسة في البنوك، في محاولة لخلق أزمة سيولة مالية تجبر المواطنين على التعامل بالشيكات، وتهويد مكانة الدينار لإحلال الشيكل بدلاً منه في كافة المعاملات.
اقرأ أيضاً: “زوايا” تكشف خفايا المصالحة بين عباس ودحلان

يشار إلى أن المناطق الفلسطينية تفتقد لمقومات السياسات النقدية، بالرغم من وجود سلطة نقد تقوم بكافة مهام البنوك المركزية، إلا أن حُرمت من إصدار عملة وطنية، ما يعني سيادة عملات الشيقل الاسرائيلي والدولار الأمريكي والدينار الأردني، وتأثر الاقتصاد الفلسطيني بالسياسات النقدية للبنوك المركزية المصدرة لتلك العملات.

سوق العملة في ظل جائحة كورونا

وأوضح الصراف اللهواني، أن جائحة كورونا حملت في طياتها مخاسر طائلة في سوق العملة، في ظلال التذبذب في الأسعار، والإجراءات المشددة التي صاحبت الجائحة من إغلاقات نتج عنها ضعف الحركة في الاسواق.

وأضاف أن أكثر ما وقع على تجار العملة من مخاسر إغلاقات المعابر التجارية، خاصة وأننا نعتمد على تجار الاستيراد من الخارج أصحاب آلاف الدولارات.
وتعتبر مهنة "الصرافة" من المهن المنتشرة في الأراضي الفلسطينية، حيث يمارسها مئات التجار الذين يتوزعون في الأسواق وعلى أبواب البنوك، وهم يحملون مبالغ مالية، وكذلك توزيع جغرافي متنوع لمحال الصرافة.

تجار غزة وتراكم الخسارة

التاجر حمزة الرياطي، أحد المتضررين من تقلبات أسعار العملة في غزة؛ خاصة وأنه يستورد بضائعه من الخارج بعملة الدولار الأمريكي، في المقابل ما يمتلكه من سيولة بعملة الشيكل، لذا يضطر لتحويلها للعملة الأمريكية، وهنا يقع ضحية تقلبات الشاشة وتجار العملة.

وقال الرياطي:" سعر الدولار في القطاع يخضع لمنظومة داخلية بعيدة عن شاشات الغرفة والأسهم العالمية والسوق العالمي بشكل عام، وعند استيراد بضائعنا من تركيا أو غيرها من الدول التي تخضع لسعر البورصة العالمية يكلفنا ذلك خسائر مالية".

وأوضح الرياطي العملية بلغة الأرقام، "عند التحويل من شيكل إلى دولار تخسر ما يقرب من 10-20 شيكل، وعند تحويل مبلغ 10000 دولار مثلاً تخسر ما يقرب من 300 دولار بالحد الأدنى".

وأقر التاجر الرياطي في حديثه لـ موقع "زوايا"، أن سوق العملة بغزة يحكمه تكتل واضح من أصحاب رأس المال الكبير، الذين يتلاعبون بالسعر بناءً على آلية وقوانين خاصة بهم بعيداً عن الشاشة العالمية، دون الأخذ بالاعتبار الخسائر الفادحة التي تلحق بتجار الاستيراد"، لافتاً إلى أنه تعرض لخسارة مالية كبيرة جراء تقلب أسعار الدولار في السوق المحلي.

كبار تجار العملة المستفيد الأول من تقلبات السوق

في ذات السياق، قال "سامر أحمد" صاحب محل صرافة طلب عدم الكشف عن اسمه، أغلب التجار لا يتبعون سعر الصرف على الشاشة العالمية، إنما يتم تقييم الأمر حسب الحالة المحلية ووفرة السيولة، أي تلاعب حسب العرض والطلب.

وحمل "أحمد" سلطة النقد المسؤولية عن الحالة التي شبهها بتعويم العملة، دون قوانين ضابطة، خاصةً وأنهم من المتضررين أيضاً إلى جانب المواطنين من تذبذب الأسعار، واصفاً الحالة " خذ من جيب الصغير وحط بجيبة الكبير".

الرقابة القانونية غائبة

الكاتب والمختص الاقتصادي د. مازن العجلة أوضح أنه في ظل عدم وجود رقابة كافية من الممكن أن يتصرف أصحاب محال الصرافة العديد من التصرفات غير القانونية، مثل تغيرات سعر الصرف، وحجب الدولارات عن المواطنين بحجة ندرتها".

وأضاف "يقع ضمن هذه الحالة أيضاً حكاية الدولار الأبيض والازرق ولكل منها سعر صرف يختلف، لان المرغوب هو الأزرق بحكم أنه طبعة جديدة وهذا مخالف تماماً للقانون".

وفي قراءة لتذبذب أسعار العملة الأجنبية مقابل الشيكل، أوضح د. العجلة الحالة بأن تباين أسعار صرف العملات، يرجع لعدة عوامل أهمها العرض والطلب، وقوة الشيكل أمام الدولار الأمريكي الآن تعود لانخفاض الدولار عالمياً، وهي سياسة تريدها أمريكا لتعزيز قدرتها التنافسية في التصدير وتصحيح خلل الحساب الجاري.

وأضاف أن الاقتصاد "الإسرائيلي" يتمتع بقوة واستقرار رغم تداعيات كورونا التي جاءت أقل من المتوقع".

وفيما يخص معدلات الفرق بين أسعار البيع والشراء أشار العجلة، بأنها تكاد تكون متقاربة بين الصرافين الرسميين (أي أصحاب المحال)، أما الصرافين الجائلين فتتباين بينهن بفجوة أكبر، إذ تستطيع شركات الصرافة الكبيرة أن تنافس من خلال هذه الفجوة بين سعري الشراء والبيع.

" السوق السوداء " حالة عالمية

فيما يخص التلاعب بسعر الشاشة العالمية من قبل بعض التجار لتقليل الخسائر الواقعة على جيوبهم، قال د. العجلة: "لا شك أن هناك فجوة بين السعر العالمي ونظيره المحلي، وهذه ليست "سوق سوداء" هي حالة موجودة في معظم دول العالم، وتزيد بزيادة الطلب والعكس صحيح".

ونوه د. العجلة إلى أن الفجوة الآن أكبر لأن الطلب على الدولار يتزايد في ظل انخفاض سعر صرفه مقابل الشيكل، وهذا هو العامل الأهم في وجود هذه الفجوة، موضحاً أنه عندما كان سعر الدولار مقابل الشيكل 3.8 قبل عدة أشهر، كان السعر العالمي مساوٍ له أي 3.8، بل وأحيانا كان السعر في غزة أقل 3.75، وقتها كان العرض أكبر من الطلب".

سلطة النقد تتوعد

وكان محافظ سلطة النقد السابق عزام الشوا، قد أكد في مؤتمر صحفي في مايو الماضي، أنه يجري التحقق في شكاوى بشأن قيام بعض الصرافين بالتلاعب في أسعار صرف العملات خلال فترة الطوارئ التي أعلنها الرئيس محمود عباس جراء جائحة كورونا في الخامس من مارس الماضي، وصرف الحوالات الواردة بعملة أخرى بخلاف العملة الأصلية للحوالة بما يخالف التعليمات الصادرة وشروط الترخيص. مشدداً على أنه سيتم اتخاذ إجراءات صارمة بحق كل صراف يثبت عدم التزامه بالتعليمات ويستغل ظروف الطوارئ ويتلاعب في أسعار الصرف.

وفي ظل هذه الحالة من عدم الاستقرار لسعر صرف الدولار في الأراضي الفلسطينية، فإن كافة القطاعات المرتبطة بالدولار تأثرت من عقارات إلى سوق السيارات والأجهزة الكهربائية والتكنولوجية، على أمل استقرار سعر صرفه.

المصدر : غزة - خاص زوايا: عبد الرحمن أبو عساكر

مواضيع ذات صلة

atyaf logo