بدا الضعف والشحوب ظاهراً على ملامح الطفلة "أزاد العمصي"، البالغة من العمر عاما واحدا، فوزنها 6 كيلو جرامات فقط، بينما أقرانها بنفس العمر لديهم ضعف الرقم.
وتعاني "أزاد" من فقر الدم، الذي بالكاد يصل (7-8) جرام لكل ديسيلتر، ما نجم عنه نقص المناعة في الجسم، مع ضعفٍ في تحريك الأطراف بشكل طبيعي.
والدة الطفلة "أزاد"، قالت لموقع "زوايا": "أصبح عندها تأخر في النطق ومشاكل في السمع، ومنذ بداية الحالة، ونحن نركض من طبيب لآخر لمعالجة الطفلة".
وأضافت والدة الطفلة: "الحالة باتت تتحسن من خلال تحسين نوعية الغذاء، وإعطائها المكملات الغذائية اللازمة، خاصة تلك التي تحتوي على الزنك والفيتامينات".
وتضيف العمصي: "أحاول أن أعالج طفلتي من المضاعفات الصحية الناتجة عن سوء التغذية من خلال المساعدات الغذائية الصحية، التي تقدمها لنا جمعية "أرض الإنسان" التي تهتم بصحة الطفل، خاصةً وأننا لا نستطيع توفير الغذاء المناسب للحالة".
"أزاد" ليست الوحيدة التي تعاني من سوء التغذية، فالطفلة شام جبر من مدينة غزة تعاني من نفس الأعراض منذ ولادتها، حيث لا زيادة في الوزن وضعف في المناعة.
وتقول والدة الطفلة جبر: "كنت خائفة ألا تتحسن حالتها، وتسيطر عليها سطوة العلاجات طوال حياتها؛ لكن الحمد لله"، مشيرةً إلى أنه من خلال المتابعة باتت الحالة الصحية لشام تتحسن مع توفير المزيد من الطعام المخصص الذي يحتوي فيتامين (أ) (د)".
تزداد مع الوقت حالات سوء التغذية في قطاع غزة بسبب الفقر المدقع، ما ينذر بكارثة صحية خطيرة، خاصة في ظل تفشي جائحة كورونا، إلى جانب أن من يعانون من سوء التغذية أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة والأعراض المصاحبة لضعف المناعة.
يذكر أن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قال في تقرير له، أن نسبة الفقر في قطاع غزة بلغت 56 بالمئة في العام 2020.
أما فيما يتعلق بانعدام الأمن الغذائي، فإن حوالي 73 بالمئة من سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي، حيث ازدادت هذه النسبة بشكل كبير مقارنة بعام 2005، والتي بلغ فيها معدل الأمن الغذائي حوالي 44 بالمئة.
ارتفاع نسب الاصابة بسوء التغذية
مسؤولة برنامج الصحة والتغذية في منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" كنار القاضي، قالت إن نتائج المسح العنقودي حول تأخر الوضع التغذوي عند الأطفال في قطاع غزة، شهدت ارتفاعاً مقارنة بالأعوام الماضية.
وفي حديثها لموقع "زوايا"، قالت القاضي، إن الدور الواقع على "اليونسيف" تقديم الخدمات للأطفال المعرضين لسوء التغذية، والمساهمة في تحسين الوضع الصحي والتغذوي لهم ورعاية أسرهم، وتزويدهم بالمغذيات والمكملات الغذائية بالتعاون مع الشركاء، خاصة في ظل ارتفاع نسب الفقر وعدم القدرة على توفير نوعية غذاء جيد للأطفال، بالإضافة إلى عمل برامج توعوية حول التغذية السليمة والرضاعة الطبيعية والسلوك الغذائي الصحيح.
وتظهر بيانات وإحصاءات المسح العنقودي حول تأخر الوضع التغذوي عند الأطفال، ارتفاعا ملحوظا في عام 2019 مقارنة مع 2014، حيث كانت نسبة قصر القامة لدى الأطفال دون سن الخامسة في فلسطين 8.7 بالمئة، توزعت في الضفة الغربية 8.5 بالمئة، وفي قطاع غزة 9 بالمئة.
بينما كانت نسبة الأطفال دون الخامسة، الذين يعانون من قصر القامة بصورة متوسطة أو حادة، 7.4 بالمئة في فلسطين في عام 2014.
فيما يخص نقص الوزن كان 2.1 بالمئة من الأطفال في فلسطين دون سن الخامسة يعانون من نقص أوزانهم بالنسبة لأعمارهم خلال عام 2019، وكانت النسبة متساوية بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبالمقارنة مع عام 2014، فإن الارتفاع يبدو ملحوظا كذلك، حيث كانت النسبة الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من نقص الوزن آنذاك 1.4 بالمئة.
أما نسبة الهزال لدى الأطفال دون سن الخامسة فكانت 1.25 بالمئة، توزعت 1.7 بالمئة في الضفة الغربية و0.8 بالمئة في قطاع غزة. ويلاحظ ثبات هذه النسبة مقارنة بالعام 2014 إذ بلغت 1.2 بالمئة.
جدول: نسبة الأطفال دون سنّ الخامسة حسب وضعهم التغذوي وحسب جنس الطفل
مؤشر سوء التغذية | ذكور | إناث |
قصر القامة | 8.6 | 8.8 |
نقص الوزن | 2.6 | 1.6 |
الهزال | 1.3 | 1.3 |
عائق التمويل
بدوره، قال المدير التنفيذي لجمعية أرض الإنسان الفلسطينية الخيرية، د. عدنان الوحيدي، إن التمويل من أهم العقبات التي تؤثر على تقديم الخدمة النوعية المتكاملة الكافية لاحتياجات المرضى، مشيراً إلى صعوبة النقل الآمن للمكملات الغذائية وتوفيرها في وقت قصير.
وأضاف الوحيدي، في حديث لموقع "زوايا"، أن نسب المصابين بسوء التغذية باتت مرتفعة مقارنة بالأعوام الماضية، الأمر الذي زاد أعداد المصابين بفقر الدم عند الأطفال دون سن 5 سنوات، التي بلغت نسبتهم 40 بالمئة، وهي مؤشرات ودلائل خطيرة للغاية.
خطر الإصابة فيروس كورونا
وشدد الوحيدي، أن تفشي فيروس كورونا له انعكاسات خطيرة على مرضى سوء التغذية، بسبب ضعف جهاز المناعة، بالتالي عدم القدرة على مقاومة المرض.
وأوضح الوحيدي أن الخطر يكمن في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها أهالي القطاع، إذ لا تتمكن الأسر الفقيرة من تقديم "الغذاء النوعي"، الذي يحتوي على عناصر غذائية محددة، حسب قوله.
للمزيد: غزة المُهملة.. الشتاء يكشف عورة الطرقات وهشاشة المنازل
ويضيف الوحيدي أن ضعف البنية التحتية وضيق المنازل، وارتفاع أعداد أفراد الأسرة، ما يرفع احتمالية نقل الفيروس للأطفال المصابين بسوء التغذية "أصحاب المناعة الضعيفة".
وطالب الوحيدي بأن تكون لهذه الفئة نصيبا في اللقاحات التي تم إنتاجها عالمياً، من أجل حمايتهم في ظل تفشي الوباء.
عوامل إصابة الأطفال بسوء التغذية
أخصائية التغذية الإكلينيكية سحر سالم، قالت لموقع "زوايا"، إن أسباب سوء التغذية، تعود لعدة عوامل، قبل وأثناء وبعد الحمل، وجميعها مرتبط بتغذية الأم وطبيعتها الجسمية ومستوى الغذاء الخاص بها، واحتمالية معاناتها من سوء تغذية أو إن يكون وزنها غير مناسبٍ لطولها.
وأشارت سالم إلى وجود حالات تعود لأسباب جينية في العائلة، أو مرض الأم قبل الحمل، كأمراض الجهاز الهضمي أو نقص فيتامين B12، بالإضافة إلى بعض السلوكيات الخاطئة في الطعام أو الأدوية والمنبهات أو الإكثار من المشروبات الغازية التي تؤثر على صحة الجنين، كذلك تعرضها للإصابة بمرض ما خلال فترة الحمل مثل السكر أو ضغط الحمل، وهو ما يؤدي لتقليل المواد الغذائية التي تصل للطفل.
ونوهت سالم، أن قلة الاعتناء بالطفل من الأسباب المهمة التي تؤثر على تغذية الطفل، خاصة لو كانت العائلة كثيرة عدد الأفراد، أيضاً قلة الوعي فيما يخص ظروف الغذاء الصحي.
وأوضحت سالم: "هناك عدد من الحالات التي تعاني من الأمراض غير المفهومة لدى الأسرة، مثل حساسية القمح أو حساسية الحليب (لا يستفيد الطفل منها)، وبالتالي يظهر على الطفل أعراض سوء التغذية".
تدعيم الدقيق بالعناصر الغذائية
في ذات السياق، قال عبد الفتاح أبو موسى الناطق باسم وزارة الاقتصاد بغزة أن الوزارة، وبناءً على الموافقة الفلسطينية رقم 56 لسنة 2009 التعليمات الإلزامية رقم 9 لسنة 2005، تتابع تدعيم الدقيق بالحد الأدنى من العناصر الغذائية، على أن يكون مصدرها مركبات معتمدة من وزارة الصحة، والتي تحتوي عناصر الفوليك والحديد والزنك بالإضافة الى 7 فيتامينات (فيتامين بي 12، فيتامين بي 1، فيتامين بي 2، فيتامين بي 6، فيتامين بي 3، فيتامين a، وفيتامين د).
للمزيد: إنفوجرافيك فلسطين.. هل تقترب غزة من العطش؟
وأضاف أبو موسى، خلال حديثه لموقع "زوايا": "حسب الموافقة الفلسطينية 135 والخاصة ببطاقة البيان، يجب أن تدون على كل علبة دقيق البيانات مع ذكر كلمة (مدعم)".
وأكد أبو موسى، أنه يجب توفر جهاز خاص بوضع مادة التدعيم "البريمكس" في كل مطحنة دقيق، وهو جهاز لطحن مادة التدعيم المكونة من العناصر والفيتامينات سابقة الذكر، مشدداً على أن الوزارة تتابع من خلال مفتشي التموين باستمرار عمل المطاحن.
سلوكيات التغذية الخاطئة
بدوره وجه أخصائي التغذية د. مازن السقا، أصابع الاتهام نحو وزارة الاقتصاد، بسبب السماح بادخال المنتجات الصبغية والشيبس والمشروبات الغازية والمواد الحافظة، والتي جميعها تؤثر بشكل كبير على صحة الطفل والأم.
وفي حديثه لموقع "زوايا"، وصف السقا الواقع: "اليوم صرنا ندور على المناعة بالغربال!"، مشددا بذكر المثل الشائع "درهم وقاية خير من قنطار علاج".