ضرائب باهظة على الدخان تنعش خزينة حكومة غزة

مدخن
مدخن

بِظهرٍ مُنحنٍ، وبخطواتٍ تعتريها الرّعشةُ، وبوجهٍ حفرتْ عليه تجاعيدُ الزّمانِ، كل أصنافِ العذابِ، وحكايات الفقرِ، يمضِي "أبو سائد" حاملًا في يده بضعةَ شواكلٍ لشراءِ خمسةَ سجائر "رويال" المصرية من إحدى دكاكين حارته شمال قطاع غزّة، بعدما كانتْ هذه الشواكل كفيلة بشراءِ علبةٍ كاملةٍ قبل عدّة سنواتٍ.

أسعارٌ جنونيةٌ للدخان المصري في غزة، مقارنة بنفس الأنواع في جمهورية مصر العربية، حيث تصل سعر العلبة بغزة لخمسة أضعافها في مصر، نظرًا للضرائب الباهظة التي تفرضها حكومة غزة على الدخان المصري، التي تدرُ دخلًا كبيرًا عليها، وتشكل مصدرًا أساسيًا في الدخل الحكومي في غزة -حسب خبراء اقتصاديين- على الرغم من أن حكومة غزة، قد صرحت قبل ذلك أن الهدف من ذلك هو الحد من ظاهرة التدخين، واستخدام عائدات التدخين في بناء البنية التحتية في القطاع.

ضرائب جنونية

ويشيرُ الصحفي الاقتصادي محمد أبو جياب، أن ضرائب السجائر تعد ركنًا أساسيًا في الإيراداتِ الضريبية، وتأتي في مقدمّة الدخل بالنسبة للحكومة، كما تستهلكُ على نحوٍ يوميٍ ولحظيٍ".

 

ويوضحُ "أبو جياب" في حديثٍ لموقع "زوايا"، أن هناك توجها، لزيادة الضرائبِ بشكلٍ كبير على الدخان، لكي يتم تحصيل أكبر قدرٍ من الأموالِ، لتعد دخلًا ثابتًا وشهريا حكوميًا، نافيًا في الوقتِ نفسه أن المواطن الفلسطيني في غزة قادرٌ على دفع المزيدِ من الضرائب في ظل وضعٍ اقتصاديٍ مترهلٍ وصعبٍ للغايةٍ.

 

ورجّح الخبير الاقتصادي، أن قطاع غزة تدخل إليه عبر مصر، قرابة 7000-8000 كرتونة، كل كرتونة بها 50 كروز، وكل كروز يحتوي على 10 علب، والحكومة في غزة، تتقاضى ضريبيًا 3000 شيكل عن كل كرتونة.

 

وتوقع "أبو جياب" أن يكون عدد المدخنين في قطاع غزة قد بلغ أكثر من 350 ألف مُدخن، بناء على إحصائيات سابقةٍ، في ظل ضبابية المعلومات، والتي لم يذكرها جهاز الإحصاء ولا الحكومة، في دراسة حديثة.

 

وبناءً على ما ذكره جهاز الإحصاء الفلسطيني فإن متوسط إنفاق الفرد الشهري في فلسطين حوالي 840 شيكل، وتشير التقديرات إلى أن عدد المدخنين في فلسطين يبلغ حوالي 800 ألف شخص، ينفقون نحو 500 مليون دولار سنويا على السجائر والتبغ.

 

ووصلت نسبة الفقر في قطاع غزة، بناء على المعايير الجديدة لـ 80%، والبطالة لأكثر من 52%، بناءً على جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، وشكلت الضرائب عبئا كبيرا على السكان، الذي يعانون اقتصاديًا في ظل الحصار الإسرائيلي على القطاع، والعقوبات التي تفرضها السلطة الفلسطينية على موظفيها منذ 2017 في غزة، بسبب خلافها مع حركة حماس.

 

التُجّار والمواطنون يشتكُون

 

بحديثٍ غليظٍ، يقول التاجر (م.س)، الذي رفض الكشف عن اسمه، وهو ينفثُ دخان سيجارته الرويال، والتي يبلغُ سعرها واحد شيكل وتساوي ثلث دولار أمريكي تقريبًا "يعتقدُ بعض النّاس أننا سبب ارتفاع السجائر في قطاع غزة، ولكن الحكومة في غزة هي التي رفعت الضريبة علينا لأكثر من ثلاثة أضعاف، مما أدى لارتفاعها بجنونٍ، لتصل أسعارها مرتفعة إلى المدخنين".

 

وبين تاجر التبغ الفلسطيني، أنه عندما كانت الأنفاق تعمل بصورةٍ مستمرةٍ، كان تهريبُ الدخان سهلًا، ويحصل التاجر عليه بأسعارٍ زهيدةٍ، ومن ثم يصل للمواطن الفلسطيني في غزة بأسعار مناسبة للغاية، تمكنه من شراء العلبة بأريحية كاملة".

 

أما التاجر (أ.ح) فيعترضُ على ما قاله النائب في المجلس التشريعي في غزة عاطف عدوان، في آذار/مارس 2019،ن بأن الهدفَ من رفع ضرائب الدخان المصري هو الحد من التدخين، وقال: "المدخنون سيحصلون على التبغ بأي سعرٍ وبأي ثمنٍ في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، والمشاكل التي تعصفُ بسكان غزة، والهدف الرئيسي من رفع الضرائب هو تحصيل الأموال أكثر وزيادة دخل الحكومة لتأمين التزاماتها ورواتب موظفيها على حسابنا وحساب المواطن".

وينوه التاجر الفلسطيني، أن حكومة غزة كان تجبي سبعة شواكل على كل علبةٍ قبل ارتفاع الأسعار، لكنها أجبرت التجار على 10 شواكل ثمن كل دمغة على علبة السجائر".

 

أما المواطنُ (م.ك) الذي كان واقفًا عند أحد أكشاك الدخان في شارع الجلاء بغزة، ويمدُ يديه لاستلام سيجارتين مقابل اثنين شيكل، أي أكثر من نصف دولار أمريكي، فيستنكر ويشجب ارتفاع الأسعار الكبيرة في أسعار الدخان، قائلًا "آه يا زمن، كنتُ أشتري علبة وعلبتين بأقل من عشرة شيكل أي قرابة ثلاثة دولارات، والآن أشتري سيجارة أو سيجارتين ما يسمى بـغزة بــ "النفل" نظرًا لارتفاع الأسعار الكبير في التبغ المصري الذي يدخل عبر معبر رفح البري جنوب قطاع غزة.

 

20 مليون شيكل شهريًا

 

ويذكرُ أن اتفاق المصالحة في 2017، قد نقل سيطرة معبري رفح، لحكومة رام الله، مما أضر بمدخولات حكومة غزة، بعدما كانت تجبي ما يزيد عن 15 مليون شيكل شهريًا من معبري رفح وكرم أبو سالم، ومع استعادة حركة حماس السيطرة على المعابر مجددًا بعد خلافهما، عاود الارتفاع مجددًا للسلع ومنها السجائر.

 

وأكد أحد التجار الفلسطينيين، أن علبة الرويال قد بلغ سعرها في غزة 20 شيكلًا، أي أكثر من ستة دولارات، والكاريلا بـ 17 شيكلًا، والتايم بـ 13 شيكلًا، والكينق بـ 12 شيكلًا" "الدولار =3.23 شيكل".

 

وتوقع أحد الخبراء الاقتصاديين، أن غزة تستهلكُ أكثر من تسعة ملايين علبة، موضحًا أن أكثر من 20 مليون شيكل تجبيها الحكومة على نحوٍ شهريٍ، وهذا ما أكده أسامة نوفل، مدير عام الدراسات، والتخطيط في وزارة الاقتصاد.

 

وتجني حكومة غزة، أموالًا باهظة نتيجة الضرائب المفروضة على التبغ المصري، في ظل أوضاعٍ اقتصاديةٍ صعبة، تمر بها غزة، من حصارٍ إسرائيلي وعقوبات، وتشديدٍ في دخول الأموال لغزة، بحجة أنها تصل لأيدي المقاومة.

 

وما بين تبريرات مسؤولي حكومة حماس برفع الضرائب على الدخان، وعدم اقتناع واكتراث المواطن بها، لعدم لمسه ترجمة لتبريراتهم على الأرض بتعبيد الطرقات وإصلاح البنية التحتية، تبقى الضرائب المفروضة على المواطن هي الكنز الأكبر لدعم ميزانية الحكومة في غزة.

 

المصدر : خاص زوايا
atyaf logo