بيع الأدوية أون لاين بغزة.. مخاطر جمة والصحة لا تسيطر

بيع الأدوية في غزة
بيع الأدوية في غزة

عن طريق أحد إعلانات بيع الأدوية والمكملات الغذائية المنتشرة على منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" اشترت الفتاة أسيل كساب عقارا طبيا لعلاج اضطرابات النوم، في محاولة منها لتخفيف أعراض الأرق، الذي تعاني منه منذ شهور، وقامت بذلك تجنباً لزيارة طبيب أو صيدلي، لكن العلاج كان فخاً سقطت في شباكه.

استخدمت أسيل العقار الطبي مرتين في اليوم، الأولى قبل خمس ساعات من موعد نومها، والثانية قبل الخلود إلى السرير مباشرة، وذلك حسب الإرشادات التي كتبها لها البائع، واستمرت عليه لمدة أسبوعين دون أن يتحسن نومها، ما دفعها إلى مراجعة صفحة البائع على فيسبوك.

بحسب حديث أسيل لـ"زوايا"، فإن البائع أكد لها أن النتائج ستظهر في غضون ثلاثة أيام، وبعد مراجعته طلب منها المواظبة على العلاج أسبوعين إضافيين، وبعدها ستتحسن حالة نومها بالشكل المطلوب.

لم يكن أمام أسيل إلا الالتزام بتناول العلاج، فهي لا ترجو سوى النتائج، وبعد مرور شهر من الاستخدام ونفاذ العقار لديها دون أن يطرأ أي تحسن على حالتها، راجعت الصفحة فوجدت أنها مغلقة، حينها أيقنت أنها تعرضت "لعملية احتيال".

أدوية ومكملات غذائية وأعشاب طبية… شكاوى مستمرة

بشكل كبير تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وبالتحديد "فيسبوك"، صفحات تروج لأدوية ومكملات غذائية وأعشاب علاجية، وتباع في غزة عبر الانترنت "أون لاين" دون أن يكون لها صيدلية أو مستودع ولا حتى مكان مخصص لعرض المنتجات، ويتم طلب المنتج عبر الصفحات أو أرقام واتساب فقط، وتكون عملية التوصيل مجانية.

في حالة الشراء من الإنترنت لا يلتقي المريض أو الزبون بالبائع، ولا يعرف عنوانه ولا أي وسيلة للتواصل معه سوى تلك التي اتبعها أثناء عملية الشراء، ما يجعله عرضة لعمليات الاحتيال والنصب وقد يكون المنتج غير مضمون وبدون فعالية، بحسب ما أكد مختصون في الرعاية الصحية لـ"زوايا".

اقرأ أيضاً: "البرغوثي": مستقبل المشروع الوطني مرهون بـ"المقاومة والوحدة وبناء المنظمة"

وتؤكد أسيل ذلك، فهي لم تتحسن، تقول الفتاة: "حاولت بعد شراء المنتج الصحي مراجعة الصفحة إذا كانت حاصلة على ترخيص، والحصول على إثبات المعايير الطبية للعلاج، لكن لم أحصل على إجابة، وحاولت التواصل معهم أكثر من مرة، وكانوا تارة يردون ومرات يتركوني دون إجابة".

عملية الاحتيال التي تعتقد أسيل أنها تعرضت لها، دفعتها إلى تقديم شكوى في وزارة الصحة بالخصوص، وهناك وجدت العديد من الأشخاص قد تعرضوا لنفس الموقف الذي وقعت فيه، وأن هذا الملف قيد المتابعة.

خلال عملية البحث عن ضحايا آخرين، وجدنا آدم حلس، الذي طلب من صفحة لبيع المكملات الغذائية فيتامينات لطفلته "ندى"، التي لم يتجاوز عمرها سنتين، وزوده مسؤول الصفحة بسلسلة أنواع ليختار منها.

حول ما جرى معه، يقول آدم: "بلغت مسؤول الصفحة أن طفلتي عمرها سنة ونصف، وهي قليلة تناول الطعام، وأبلغني أن هناك فيتامينات وفاتح شهية، أكدت عليه أكثر من مرة عمر طفلتي وأجابني بثقة أنه يناسب جميع أعمار الأطفال فقمت بعملية شراء علبتين سعر الواحد يقدر بحوالي 145 شيكل".

بعد مواظبة طفلة آدم على العلاج، أصيبت بتيبس معوي (فقدان شهية، قيء، وتورم في البطن)، يشير إلى أنه راجع الطبيب في المستشفى، وأبلغه أن المكمل الغذائي ليس مناسبا لمن هم دون الخمس سنوات.

شاط آدم غضباً، كما شاطت منى الشرافي بعد شرائها مستحضر تجميل لإزالة البقع التي يخلفها حب الشباب، واستخدمته لأكثر من شهرين دون نتيجة، فراجعت الفتاة التي تصنعه محلياً دون أن تصل إلى أي معلومات أو تبريرات حول ما أصابها من نتوءات إضافية ظهرت على بشرتها.

المعلومات الطبية المطبوعة مزورة

تكرار الحالات، دفع وزارة الصحة الفلسطينية والمسؤولين الطبيين في غزة أيضاً لتحذير المواطنين من شراء الأدوية أو المكالمات الغذائية ومستحضرات التجميل من الانترنت، كونها مغشوشة وغير فعالة، وقد تحتوي على مواد سامة لها أعراض جانبية خطيرة قد تؤدي للوفاة.

فكرة بيع الأدوية الطبية "أون لاين"، ليست حديثة، بل موجودة في الأراضي الفلسطينية منذ عام 2019، وفي كثير من الأحيان لا تخضع لإشراف رسمي.

يقول المختص في الرعاية الصحية عطية العجلة "بحسب المتابعة فإن معظم الصفحات التي تروج للمنتجات الطبية أون لاين تكون مجهولة المصدر، ولا تتيح لعملائها معلومات عن مكانها وتبيع دون روشتات علاجية".

ويضيف لزوايا: "لاحظنا خطورة في استخدامها، ووجدنا أن المعلومات الطبية المطبوعة عليها مزورة، وبعد الفحص تبين أنها لا تحتوي على أي فعالية علاجية، وبعض المستحضرات غير مطابقة للمواصفات الطبية، ورغم التحذيرات التي تطلقها وزارة الصحة إلا أن الصفحات مستمرة والناس لا تتوقف عن الشراء".

وبحسب العجلة، فإنه من الممكن أن يكون هناك مستحضرات تجميل فعالة، خاصة تلك التي تنتج محلياً وتخضع لمراقبة ويجري إنتاجها وفق المواصفات والمقاييس العلاجية، لكنه يشير إلى أن هذه المنتجات أيضاً يشوبها الخوف خاصة أنها تنقل وتخزن بطرق غير سليمة.

اقرأ أيضاً: دعوات لفلسطينيي الداخل بتنظيم مسيرات موازية لحراك المعارضة في "إسرائيل"

تحاول جهات الاختصاص في غزة مراقبة الأدوية وطرق دخولها إلى القطاع وآليات بيعها، ومن أجل ذلك عملت وزارة الصحة والاقتصاد على تشكيل لجنة مختصة لمتابعة هذا الموضوع.

وزارة الاقتصاد تشترط الترخيص وتسجيل المنتج

يقول مدير عام حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني في غزة عبد الفتاح أبو موسى إن المنتجات من هذا النوع تنقسم إلى قسمين، الأول يحمل صفات علاجية وهذه تقع ضمن اختصاص وزارة الصحة، والثاني عبارة عن منتجات لا صفة علاجية فيها مثل مستحضرات التجميل والكريمات والشامبوهات ونطلق عليها مصطلح "كوزمتكس" وتقع ضمن اختصاصنا.

المنتجات التي تدخل من المعبر يجب أن تخضع للمواصفات القياسية، وإلا يتم مصادرتها

ويضيف لزوايا: "في الحالتين هناك بروتوكول يضع آليات للتعامل مع هذه المنتجات، ويشترط قبل تسويقها في غزة منحها الصفة الرسمية حتى يتم التعامل بها من المواطنين".

ويؤكد أبو موسى أن "المنتجات التي تدخل من المعبر يجب أن تخضع للمواصفات القياسية، وإلا يتم مصادرتها، وبعد المطابقة يشترط أيضاً على صاحبها ترخيصها"، لافتاً إلى أن معظم هذه المنتجات تضر صحة المواطن، ودائرته تتلقى شكاوى بشكل مستمر حول جودتها.

تصرف دون وصفة طبية

بحسب المعلومات التي حصلت عليها "زوايا" من وزارة الصحة، فإنها رصدت نحو 115 صفحة على "فيسبوك" و"انستغرام" تعمل على ترويج منتجات طبية غير آمنة، وأشعرت حولها المباحث الطبية، التي بدورها تتابع الصفحات، وتعمل على إحالتها إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية.

وحول تفاصيل الملف، يقول أشرف أبو مهادي مدير عام دائرة الصيدلة والدواء في وزارة الصحة في غزة إنهم يقسمون هذه المنتجات إلى ثلاث أنواع، الأول الأدوية العلاجية، والثاني المكملات الغذائية، والثالث مستحضرات التجميل الطبية، مضيفا "نعتبرها جميعاً مخالفة للقانون وغير حاصلة على تراخيص".

ويضيف أبو مهادي لـ "زوايا" :"الأدوية لا تسوق عبر الإنترنت أو صفحات التواصل الاجتماعي، لأنها تصرف بإذن من الطبيب أو الصيدلي وتخضع هذه العملية لرقابة صارمة، أما الأدوية المعروضة عبر الانترنت غير موثوقة، لأن صاحبها غير متخصص في صرف العلاج".

وفقاً للقانون المنظم لسوق الدواء في نقابة الصيادلة، فإنه من غير المسموح الترويج للعلاج عبر الإنترنت وتعد صفحات بيع الأدوية مخالفة للقانون.

طرق دخول الأدوية إلى غزة

وبحسب أبو مهادي، فإن معظم الأدوية التي تباع عبر الإنترنت تدخل إلى غزة عن طريق التهريب، أو تأتي عن طريق الطرود البريدية، أو من خلال المسافرين.

ويتابع "في حال دخل الدواء عن طريق المعبر، فإننا نقوم في دائرة المعابر الصحية بتحريزه وتحويله إلى اللجنة الجمركية التي تتخذ الإجراءات الأصولية، وتفحصه إذا كان مسجلا في بيانات وزارة الصحة أو لا، وبعد التأكد من أن الدواء غير مسجل يتم مصادرته وإتلافه"، مؤكداً أنه لا يُسمح لعموم المواطنين إحضار أدوية معهم أثناء العودة من السفر.

وفي معرض رده على سؤال أن الصفحات تدعي حصول الأدوية على ترخيص وإذن من وزارة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية العالمية ومن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، يقول أبو مهادي "هذه تراخيص غير معتمدة في الأراضي الفلسطينية، ويجب أن يحصل الدواء على ترخيص محلي، ويجب تسجيله ضمن قائمة العلاجات في داخل فلسطين، أما خلاف ذلك يعد المنتج العلاجي غير نظامي ويجب عدم التعامل معه".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo