الدفاع المدني بغزة يعاني من الترهل.. كيف؟

الدفاع المدني بغزة
الدفاع المدني بغزة

يقع جهاز الدفاع المدني تحت ضغط الأزمات المتلاحقة التي تضربُ قطاع غزة سواء من حروب وتصعيدات متتالية يشنها الاحتلال الإسرائيلي وتلحق أضرارا ودمارا هائلا في القطاع، إلى جانب الكوارث الطبيعية وأحداث الحرائق وغيرها التي تحدثُ بين الفينة والأخرى كأي بلدٍ في العالمِ.

وأعادت قضية حريق جباليا، الذي أودى بحياة 21 مواطناً، إثر حريق شب في شقتهم في الطابق الثالث، تسليط الضوء على دور الدفاع المدني في غزة وإمكانياته في التعامل مع هذا الحجم من الأزمات.

ويبلغُ عدد موظفي الدفاع المدني في قطاع غزة 860 منقسمون بين موظفين إداريين وموظفين يعملون في الميدان، ويشغلون 18 مركزًا للدفاع المدني و31 سيارة توصف معظمها بـ"المتهالكة"، في حين قدّم الدفاع المدني 31 شهيدًا خلال الحروب والمهمات منذ عام 2007، كما يقول العميد محمد شرير مدير إدارة الإمداد والشؤون المالية في الدفاع المدني لـ "زوايا".

منعٌ بحجة ازدواجيةِ الاستخدامِ

وأكد "شرير" أن المعدات التخصصية لرجال الدفاع المدني هشةٌ ومتهالكةٌ حسب المعايير الدولية، ويمنع الاحتلال دخولها منذ عام 2007م، بحجةِ ازدواجية الاستخدام.

وحولَ الأجهزة التي يمنع الاحتلال دخولها لرجال الدفاع المدني، بيّن "شرير" خلال حديثـه لـ "زوايا" أن هناك العديد من الأجهزة مثل جهاز الأوكسجين وتنقية الأبخرة السامة والأقنعة الواقعية وكاشف الأحياء تحت الأنقاض وفرشات الهواء وغيرها، والتي من خلالها يستطيع رجلُ الإطفاء الدخول إلى الشقق المحروقة وإنقاذ العالقين.

إضافةً إلى ذلك، فإن الاحتلالَ ما زال يمنع دخول البدل الواقية من النيران إلى قطاع غزة، بحسب "شرير" الذي أوضح أن الدفاع المدني طلب من المؤسسات الدولية الضغط على الاحتلال من أجل إدخالها، إلا أن الأخير رفض التعامل بحجة أنها تستخدم بشكل ازدواجي (أعمال مدنية وعسكرية).

زمن الاستجابة وتطوير المعدات

وعن المعدّات التي يمكن تطويرها من خلال السوقِ المحلي والتعامل مع الأزمة في ظل الحصار ومنع الاحتلال، فقد أفاد المدير بالدفاع المدني أنه "من الممكن تطوير القاذف الأمريكي والألماني متعددي الاستخدام، إلا أنه رأى أن التطوير غير كافٍ، لأن سيارات الإطفاء جميعها من إنتاج 1994-1996 وهي ساقطة من الخدمة"، بحسب وصفـه.

اقرأ أيضاً: "التكييش" يدهم المجتمع الغزي.. هل التدخل الحكومي كاف؟

ويسعى الدفاع المدني في قطاع غزة لتعجيل زمن الاستجابة من 4-5 دقائق إلى دقيقتين فقط، وتطوير المعدات المتهالكة في الورش المحلية، حتى تصل المواطن بالمعايير المطلوبة وإعطاء الخدمة المناسبة، بحسب ما قاله "شرير".

وحول آلية "سرعة الاستجابة" يتم تحويل الإشارة المستلمة حول وجود حادث فورًا، ويتم حساب زمن الاستجابة من وقت استلام الإشارة إلى تواجد عناصر الدفاع الوطني في الحدث.

وتابع "نسعى لأن نزيد أعداد عناصر الدفاع المدني والسيارات العاملة ودوريات عاملة على مفترقات الطرق لزيادة معدّل الاستجابة ووصول مكان الحدث بأقصى سرعةٍ"

دوراتٌ محلية.. وسعى لدوراتٍ خارجية

وحول الدورات التأهيلية والتطويرية لطواقم الدفاع المدني قال" الدورات في حالة انعقاد مستمرٍ والتدريب مستمر لطواقم الدفاع المدني حتى لا ترتبك الطواقم في الميدان، ويشارك فيها المؤسسات المحلية، في حين الدورات الخارجية تحتاجُ إلى قبولٍ وقد تحدثنا للصليب الأحمر والموضوع قيد الدراسة كما راسلنا مؤسسة "أحباء ماليزيا" لتعلم الخبرات الماليزية كما عقدنا مؤتمرًا مع الأشقاء المصريين في مصر ولكنها تسير بشكلٍ بطيءٍ"

وبشأنِ المعدات المتوفرة في الشركات المحلية مثل شركة "الحساينة" و"الغصين" أكد أنها نفس المعدات ولا تختلف شيئًا عن المعدات المتوفرة لدى جهاز الدفاع المدني، مؤكدًا أن المعدات التخصصية يمنعها الاحتلال عن كل شركات قطاع غزة.

وناشد "شرير" المؤسسات الدولية مثل الصليب الأحمر والسلطة للضغط على الاحتلال، من أجل إدخال المعدات الحديثــة حتى يتم "تأدية الواجب الوطني وخدمة المواطن على أكمل وجه".

وحول الموازنة المرصودة لمدير الدفاع المدني، قال "الموازنة محدودة ولا تفي بالاحتياج المطلوب" مناشدًا رئاسة العمل الحكومي بغزة "فرز موازنة خارج الموازنة المعتمدة لمديرية الدفاع المدني لكي تعمل طواقم الدفاع المدني على أكمل وجهٍ في الميدانِ".

تطوير سيارات الدفاع المدني

واستطاعت مؤسسة "أحباء غزة ماليزيا" أن تُساهم بتطوير خمس سيارات للدفاع المدني بتكلفة نصف مليون دولار عقب التصعيد العسكري في قطاع غزة في مايو 2021، وتم توزيع 4 سيارات على محافظات غزة في حين أن الخامسة قيد التطوير، وهي لمصلحة محافظة الوسطى.

وطالب "شرير" بضرورة أن تسير المؤسسات على طريق مؤسسة "أحباء غزة ماليزيا" من أجل تطوير السيارات الأخرى، قائلًا "نطمحُ أيضًا لزيادة عدد المراكز لخمسة مراكز أخرى لتصبح 23 مركزًا في قطاع غزة".

واعتبر وجود 18 مركزًا للدفاع المدني في ظل حالة الأزمات والحروب المتكررة غير كافٍ، مبينًا أنه تم تخصيص أراضٍ من سلطة الأراضي في غزة لإنشاء مراكز أخرى إلا أنها تحتاجُ إلى ترميم وإعادة بناء.

وحول التوصيات عقب حريق عائلة أبو ريا قال " من التوصيات عقب الحريق أنه لا بد تقليل زمن الاستجابة، ولا بد من تحديث المعدات والتعرف على المعدات داخل الدول المتطورة وطلبها والضغط من أجل إدخالها قطاع غزة.

إمكانيات أقلُ وحوادثٌ أكثر

من جانبه قال الناطق الرسمي باسم الدفاع المدني في غزة الرائد محمود بصل، أن قطاع غزة بقعة جغرافية في حالةٍ حروبِ وأزمات دائمة، والدفاع المدني كأحد الأجهزة العاملة بالقطاع ينقصه بشدة المعدات الحديثة والمتطورة التي تنسجم مع حالة الاستهدافات للمنازل والبنايات المرتفعة ووجود مواطنين تحت الأنقاض وغيرها.

اقرأ أيضاً:  التصور بأن إسرائيل لا تفهم سوى القوة يزداد قوة

وأشار "بصل" في حديثــه لـ "زوايا" أنّ 70% من معدات الجهاز متهالكة وقد عفا عليها الزمن ويجب إخراجها من الخدمةِ، لكنّ التجاربَ والتدريب المستمر لطواقم الدفاع المدني جعلها تتعامل باحترافيةٍ أكثر مع الأحداث العنيفة رغم كل الظروفِ المحيطة.

ويملك الدفاع المدنية 31 سيارة إطفاء في قطاع غزة، حيث أكد "بصل" على ضرورة إخراجها جميعها من الخدمةِ، منوها إلى أنه وحسب المعايير الدولية فيتوجب استبدال سيارات الدفاع المدني كل خمس إلى ست سنوات.

التعامل مع الأزمة

وحول البدائل الممكنة في ظل مواصلة الاحتلال منع إدخال معدات الدفاع المدني، شدد "بصل" على ضرورة تطوير جميع سيارات الدفاع المدني في قطاع غزة، حيث تكلف الواحدة 100 ألف دولارٍ.

وحتى في حال تطوير سيارات الدفاع المدني في قطاع غزة، إلا أنّها تحل المشكلة جزئيًا، لأنها لا تتوافق مع السيارات الحديثة العالمية وليست بقدرتها وجودتها.

وعند سؤال "بصل" هل الدعمِ المالي يكفي لتطوير جهاز الدفاع المدني؟ أجاب: "من الممكن أن تحل المشكلة جزئيًا في حال تطوير 31 سيارة دفاع مدني في قطاع غزة من السوق المحلي وهذا مرتبط بالدعم".

واستدرك "لكنّ تقديم الدعم وحده لا يكفي، فهناك معدات تخصصية من الضروري دخولها لقطاع غزة، إلا أن الاحتلال يمنعها بحجة استخدامها في العمل العسكري".

وأشار إلى أن طواقم الدفاع المدني تستخدم معداتٍ يدويةً في حال انتشال العالقين تحت الأنقاض بدلًا من المعدات الكهربائية الغائبة تمامًا بسبب الاحتلالِ، مبينًا أنه حتى لو زادت "رئاسة العمل الحكومي" بغزة الموازنة فإن ذلك لا يعد حلًا جذريًا.

وحول سؤالٍ لماذا لا تدخل المعدات من معبر رفح في ظل منع الاحتلال، قال شرير: "أعتقد أن هناك فيتو إسرائيلي عليها".

توصياتٌ وعبر

وقال الدكتور نظام الأشقر المختص في إدارة الأزمات والكوارث وأستاذ الكيمياء في الجامعة الإسلامية أن سرعة الاستجابة مهمة جدًا لتفادي الكوارث أو التخفيف من حدتها، داعيًا الدفاع المدني والجهات المختصة للعمل على تطوير المعدّاتِ وزيادة الوعي لدى عناصر الدفاع المدني للتعامل مع الأزمات والكوارث والمواد الخطرة.

وأكد أن الحصار له دورٌ كبيرٌ في نقص المعدات مثل الرافعات ووسائل الإطفاء الحديثة ومواد الإطفاء ذات الكفاءة العالية، كما أن طواقم الدفاع المدني بحاجةٍ لدوراتٍ متقدمةٍ والتعرف على آليات حديثـة في التدخل أثناء الكوارث.

وأشار أن هناك برامج للتعامل مع المواد الخطرة في بعض التخصصات الأكاديمية في جامعات قطاع غزة.

وبيّن أن الاكتظاظ السكاني وضعف الوعي لدى الجمهور الفلسطيني في غزة يساهم في تفاقم بعض الكوارث، داعيًا لوجود لجنة طوارئ عليا للخروجِ بتوصياتِ وتحديث لوائح العمل ضمن معايير صارمة لضمان السلامة والأمانة لدى المؤسسات والمنشآت.

ونصح الجمهور الفلسطيني أن يرفع درجة والوعي وأن يعتبر كل مادة مشتعلة خطرة واصفًا إياها بـ "القنابل الموقوتة" وأن يكونوا على مستوى الحذر وأن يبعدوا المواد الخطرة بعيدًا عن الأماكن السكانية.

ودعا إلى ضرورة عقد دورات في الأمن والسلامة للأهالي، والتصرف بحذر عند وقوع أي حادث وعدم الاكتظاظ أثناء الحوادث والتصرف بحكمة وعدم التسرع لكيلا تزداد الإصابات.

ووجه رسالة لوسائل الإعلام بضرورة استضافة الخبراء ونشر ثقافة الأمان والسلامة للتعامل مع المواد الخطرة في البيوت والمنشآت.

وحول تخزين المواد الخطرة في البيوت قال "الأشقر" دعا لعدم تخزين أي مواد سائلة خطرة في البيوتِ معتبرًا إياها خطرة ومشتعلة خطرة.

وبشأن أسطوانات الغاز قال إنه من الضروري أن تكون الأسطوانات خارج المنزل ووجود صمامات أمان بعيدًا عنها، وأن تكون مغلقة أثناء الليل إضافة إلى تفقد أماكن الخطر والتأكد من عدم التسرب وسلامة الوصلات وإبعاد الأطفال عن العبث بها.

وحول سلامة المنازل أثناء الحوادث ولا سيما الحرائق قال الأشقر " يجب أن يكون مخرج سلامة آمن للبيت وعدم الإغلاق التام للمنازل بوسائل حديدية كاملة وأن يكون مسربًا آمنا وأن تكون الأبواب سهلة الخروج والابتعاد عن أماكن الحدث والإخلاء وسرعة الاتصال بأهل الاختصاص حتى يتم التدخل سريعًا"

وحذر من الإطفاء بوسائل بدائية، وتعريض حياة المواطنين للخطر، داعيًا إلى ضرورة أن يكون منافس للشبابيك وتهوية ولا سيما مع حلول فصل الشتاء، كما شجع أن يكون في كل منزل وفي كل سيارة وكل مكان أداة إطفاء.

وما زال الاحتلال الإسرائيلي يمنع دخول الأدوات التخصصية المتطورة للتعامل مع الأزمات والكوارث في قطاع غزة والخاصة بعناصر الدفاع المدني، وسط دعواتٍ لتطويرٍ محلي في ظل انعدام الحلول الخارجية إضافة رفع درجة وعي الأهالي والسكان الغزيين تجاه التعامل مع الحوادث والمواد الخطرة وغيرها ليتجنّب قطاع غزة التداعيات الأكثر كارثية للأزماتِ والحوادثِ.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo