أزمة الدواجن بغزة.. ولدت المقاطعة وكشفت الضعف الحكومي في إدارتها

مزارع الدواجن في غزة
مزارع الدواجن في غزة

ولدت أزمة الغلاء والاحتكار الأخيرة للمنتجات والسلع الأساسية في قطاع غزة، حالة من المقاطعة وخاصة للدجاج اللاحم الذي ارتفع سعره بشكل "جنوني"، الأمر الذي كشف أيضاً عن ضعف الحكومة القائمة في القطاع على إدارة هكذا أزمة.

وشكل الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم البيضاء سخطاً كبيراً في أوساط المواطنين وخاصة مع بداية شهر رمضان، حيث دشن رواد مواقع التواصل الإعلامي وسم #قاطعوا_الدجاج، وانضم للحملة جملة من المحلات التجارية والمولات الكبيرة في غزة منها: "مول مترو، ومدينة اللحوم، والبشير عالم اللحوم".

ونشر متجر "البشير عالم اللحوم" عبر صفحته "الفيس بوك": "نواصل مقاطعة لحوم الدجاج في البشير عالم اللحوم، متأملين منكم تفهم موقفنا حتى انتهاء حالة الاستغلال والاحتكار وعودة الأسعار لطبيعتها".

eeb66aa8-6363-49b2-b947-92ca76bfb20f.jpg

26cc1f77-a492-413c-b615-91c987f2d747.jpg


866b5ac9-8f5a-4762-bd7e-434d93569345.jpg
 

الزراعة.. جزء من الأزمة

وسجلت أسعار الدواجن في قطاع غزة أرقاماً قياسية، إذ وصل ثمن الكيلوغرام الحي من الدجاج 17 شيكلاً، وسط اتهامات لكبار التجار والمربين بالحصول على حصص كبيرة من البيض المخصب لصالح مزارعهم، وتفريخها في فقاساتهم، وحرمان صغار المربين من الحصول عليها، والتسبب بالأزمة.

إلى جانب ذلك، فقد كشف مصدر مطلع لـ "زوايا" أن تأخر وزارة الزراعة في السماح بتوريد الكميات اللازمة من البيض المخصب شكل جزءاً نسبياً من الأزمة، حيث تعزو –الزراعة- ذلك إلى تخوفها من إصابة هذا البيض بمرض انفلونزا الطيور الذي يضرب أجزاء من دول الإقليم.

وأشار المصدر إلى أن وزارة الزراعة في غزة ابتعثت قبل نحو شهر لجنة من المختصين لاستطلاع إمكانية إدخال البيض المخصب من مصر، وإلى حين عودة اللجنة والتوصية بإدخال ما لا يزيد عن مليون بيضة، فقد كان الوقت فات بحلول رمضان، وبالتالي فوات موعد دورة التفقيس والتربية والإنتاج، والتي هي نحو 60 يوماً.

كما كشف المصدر أن اللجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي بغزة وعدم استعداد المسؤولين في وزارتي الزراعة والاقتصاد واتخاذهم الاحتياطات اللازمة ضمن خطة مسبقة قبل حلول شهر رمضان أدى إلى هذا العجز، حيث أن القطاع يحتاج في رمضان 5 مليون دجاجة وهي ضعف الكمية المعتاد استهلاكها شهرياً والبالغة نحو 3 مليون دجاجة.

يذكر –حسب المصدر- بأن وزارتي الزراعة والاقتصاد الوطني عقدتا اجتماعات مكثفة قبل نحو شهرين من حلول رمضان، ولكن ذلك كله لم يحل دون الدخول في الأزمة الحالية، علماً أنه وفقاً لإحصائيات رسمية صادرة عن وزارة الزراعة، فإن أعداد الحيازات الزراعية من مزارع الدواجن والبالغة 1640 مزرعة ويعمل فيها نحو 5000 مزارع، باستطاعتها إنتاج 26 مليون دجاجة سنوياً.

على حساب المربي "المزارع"

وفي الوقت الذي لم يعفِ رئيس نقابة مربي الدواجن مروان الحلو وزارة الزراعة من المسؤولية عن الخلل في تأخر السماح بتوريد الكميات اللازمة من البيض المخصب للقطاع قبل شهر رمضان بمدة كافية، فإنه قد حمل المسئولية الكاملة عن ارتفاع أسعار الدواجن في الأسواق إلى "بعض" تجار الأعلاف وأصحاب الفقاسات وكذلك كبار موزعي الدواجن.

وأوضح الحلو لـ "زوايا" أن المذكورين سالفاً، قاموا باحتكار إنتاج الصوص اللاحم المخصص لرمضان ووضعه في مزارعهم الخاصة، وبذلك تم حرمان المزارعين الصغار والمتوسطين من عملية إنتاج الدجاج، مطالباً الحكومة في غزة بمراقبة كافة حلقات الإنتاج في قطاع الدواجن وملاحقة المحتكرين للسلعة والأسعار في إطار القانون حسب الأصول.

اقرأ أيضاً: قبيل شهر رمضان..القدس على صفيح ساخن

وقال الحلو "المزارع البسيط لا يستطيع أن يأخذ عدد ألف صوص ليقوم بتربيتهم والاسترزاق من إنتاجهم مع أنه دفع ثمن الصيصان وبسعر جنوني هو4.5 شيكل (..) أغلب الدجاج الذي سيتم إنتاجه في شهر رمضان بما نسبته 80% تقريباً، هو للأسف موجود لدى تجار الأعلاف وبعض أصحاب الفقاسات وبعض كبار موزعي الدواجن، وتم حرمان المزارع المغلوب على أمره من كميات الصيصان المراد إنتاجها لشهر رمضان".

وأضاف "لن نسكت عن انتهاك حقوق مزارعينا مهما كلفنا الأمر، وسنترك مساحة كافية من الوقت نحو تعديل المسار في التعامل معنا، وفي حال المراوغة في أخذ القرار بتعديل المسار حكومياً سنلجأ إلى الاستعانة بكافة إمكانياتنا المتاحة لنا إعلامياً وقضائيا، وليحكم القضاء بيننا وبين الإخوة في وزارة الزراعة، ونأمل ألا نصل الى هذا الطريق"، حسب تعبيره.

بدورها، قالت وزارة الزراعة إنها تتوقع انتهاء أزمة غلاء الأسعار في الدجاج اللاحم في قطاع غزة مع نهاية العشر الأوائل من شهر رمضان المبارك، وذلك بعد وصول قرابة 1.5 مليون دجاجة.

وأكد وكيل الوزارة أيمن اليازوري خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزارة الاقتصاد الثلاثاء الماضي، أنه جرى تحسن على إدخالات الدجاج اللاحم إلى غزة في النصف الثاني من شهر فبراير ومطلع شهر مارس الماضي، مشيراً إلى أنه جرى اتخاذ عدة إجراءات لتدارك هذه الأزمة.

وقال إنه تم استحداث آلية لإدخال البيض المصري المخصب، حيث دخل غزة في مارس الماضي ما يزيد عن 924,000 بيضة، ولا يزال الإدخال مستمر من الجانب المصري، مبيناً أنه تم فتح باب الاستيراد من كل المعابر لإدخال المبردات والمجمدات من اللحوم البيضاء (الدجاج والحبش) من الضفة ومصر ودولة الاحتلال، حيث بلغت الإدخالات ما يزيد عن 1400 طن من المبردات والمجمدات البيضاء.

وذكر أن وزارة الزراعة قامت بعقد سلسلة لقاءات مع أصحاب المزارع الداجنة (الدجاج والحبش) لتحديد سقف سعري، ودفعهم لتوفير الكمية اللازمة، وتم تثبيت سعر الدجاج 14 شيكل للكيلو والحبش 12 شيكل للكيلو وصولاً للمواطن، موضحاً أنه تم إدخال 9500 حبشة إضافية للسوق بوزن حوالي 120 طن من لحوم الحبش لسد العجز في لحوم الدجاج، وذلك على مدار الخمسة أيام الأولى من رمضان.

وأكد أن الحكومة في غزة اتخذت قراراً بتصفير رسوم الإدخال على اللحوم البيضاء الواردة للقطاع سواء المبردة أو المجمدة طوال شهر رمضان وذلك لدعوة التجار إلى مضاعفة إدخالهم من هذه السلعة، لافتاً إلى أن أزمة الدجاج في قطاع غزة شأنها مثل الضفة المحتلة وبعض دول الإقليم.

وأضاف: "نحن لا ننتج البيض المخصب للدجاج اللاحم، وذلك لأن مزارعه تتطلب مناطق معزولة ومتباعدة عن السكان وتتطلب درجة عالية من التعقيم والعزل"، موضحا "الوزارة تستورد شهرياً حوالي 3 مليون بيضة من دولة الاحتلال والدول الأوروبية وشمال أمريكا لتغطية احتياجات القطاع من الدجاج اللاحم".

ورغم كل التدخلات والتبريرات التي ساقتها الحكومة في غزة حول أزمة الدواجن، إلا أن ذلك لم يمنع سيل الهجوم عليها من الكُتاب والإعلاميين المعروفين ومن النشطاء والمواطنين وغيرهم، وتحميلها المسؤولية عن الأزمة، والسؤال عن دورها الاستباقي لتفاديها، ودورها الرقابي في ضبط الأسعار وكسر الاحتكار ومحاسبتهم التجار المستغلين والمحتكرين.

ورصدت "زوايا" جملة من المنشوارت على مواقع التواصل الاجتماعي بهذا الخصوص كانت كما يلي:

 

1.jpg

 

2.jpg

3.jpg


 

5.jpg

4.jpg

غياب سياسيات وتهاون

ووفقاُ لمتابعاته لأزمة الغلاء والاحتكار التي ضربت قطاع غزة مؤخراً، فقد أكد الصحفي عيسى سعد الله، المختص في الشأن الاقتصادي، أن أزمة الغلاء والاحتكار التي يشهدها القطاع بين الحين والآخر، تعود إلى عدة أسباب أهمها "غياب السياسات الحكومية الصحيحة والرشيدة لتقدير احتياجات القطاع من السلع المختلفة، وعدم توجيه القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي لمواءمة الزراعة والتربية باحتياجات القطاع والقدرات التصديرية".

كما أكد سعد الله لـ "زوايا" أن الحكومة في غزة تتحمل مسؤولية التهاون مع التجار المحتكرين الذين يتحكمون في تدفق البضائع والسلع إلى الأسواق، رغم تكدسها بكميات كبيرة، حيث يؤدي ضخها إلى السوق في كبح الأسعار، قاصداً هنا شريحة واسعة من التجار وخصوصاً التجار مستوردي البيض المخصب والفواكه والخضروات الذين يتحكمون في كمية السلع المعروضة للبيع.

ويرى سعد الله أن ما قامت به الحكومة مؤخراً من إجراءات "جيدة"، ولكنها غير كافية، وتحتاج إلى تكثيف في المتابعة والتنفيذ وإنزال العقوبات على التجار وتحييد الواسطة والمحسوبية، عاداً أن حملات المقاطعة الشعبية كانت الحل الوحيد المتاح للمواطن، وقال: "هي حل ناجع إلى حد كبير ويحتاج الى ثقافة أوسع وتشجيع من قبل جماعات ضغط ومؤسسات راعية تحارب الاستغلال والفساد".

وحول الحلول البديلة لهذه المقاطعة وخفض الأسعار وكسر الاحتكار، فقد شدد سعد الله على أنه لا بد من وضع الحكومة لاستراتيجية واضحة تقوم على معرفة حجم الاستهلاك، وبالتالي منح الأذونات اللازمة لاستيراد السلع في الوقت المناسب وتوجيه المزارعين والمربين باتجاه زراعة السلع التي يوجد بها عجز، إضافة الى توسيع أعداد كبيرة من التجار على الاستيراد، ومراقبة المستوردين، وعدم السماح لبعض التجار باحتكار استيراد بعض الأصناف كالدجاج والبيض المخصب والفواكه.

الأزمة لها أبعاد أخرى

من جهته، فقد حاول الخبير في الشأن الاقتصادي محسن أبو رمضان، الوقوف على أسباب الغلاء الحاصل في السلع والمنتجات بشكل عام، عاداً أن الغلاء له سبب عالمي ويكمن بعنصرين هما: التغير المناخي الذي أدي إلى تدني الإنتاج في ظل زيادة الطلب والاحتياج العالمي.

أما العنصر الثاني- حسب حديث أبو رمضان لـ"زوايا" - فيعود إلى الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أدت إلى انقطاع سلاسل الإنتاج من مصادرها، سواء كانت روسيا أو أوكرانيا، ما يعني زيادة التكاليف الخاصة بالنقل والشحن.

اقرأ أيضاً: المواطن الفلسطيني ضحية ارتفاع الأسعار.. ماذا تفعل الحكومة؟

ويرى أبو رمضان أن الغلاء في فلسطين تحديداً، له علاقة بعوامل أخرى من ضمنها الاقتصاد الإسرائيلي، حيث تُصدر دولة الاحتلال أكثر من ستة مليارات دولار إلى الضفة والقطاع، منهم حوالي 2.5 مليار لقطاع غزة، منوهاً إلى أن دولة الاحتلال تستورد بأسعار عالية بسبب العناصر المذكورة أعلاه، وبالتالي فهي تُصدر إلى الضفة والقطاع بأسعار عالية أيضاً.

وقال: "في حالة قطاع غزة فإن العوامل العالمية والاحتلالية تؤثر على أسعار الموجودات بالقطاع، ولكن الملفت للنظر حالة ارتفاع الأسعار بصورة مفاجئة، أي لحظة حدوث الحرب الروسية الأوكرانية، في الوقت الذي كان يملك القطاع مخزونا نسبيا من القمح، أي بدرجة أقل من الوقود"، حسب رؤيته.

وذكر أبو رمضان، أن حالة الاحتكار لبعض السلع في قطاع غزة، قبل وصول الواردات الجديدة، قد أدى لارتفاع الأسعار بشكل عالي وصل أضعاف أساس سعر السلعة كالدواجن والبيض مثلاً .

وعبر أبو رمضان عن اعتقاده، بأن إجراءات الحكومة في غزة كانت "مناسبة" من حيث مراقبة الأسعار، حيث ثم ضبطها عبر إلزام التجار بالبيع بأسعار محددة إلى جانب توقيف أو اعتقال بعض المحتكرين، مركزاً على أهمية أن تكون هناك سياسة ثابتة لدى الحكومة في غزة بمنع مسألة التلاعب بالأسعار، وكذلك دعم السلع الغذائية الأساسية، وتوفير برنامج للضمان الاجتماعي لصالح الفقراء ومعدومي الدخل.

وحول المقاطعة الشعبية التي شهدها القطاع، فقد اعتبر أبو رمضان أنه يجب توظيف هكذا مقاطعة بعد هذه الأزمة بشكل استراتيجي في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ذات البديل المحلي، عاداً أن ذلك يساهم بتقوية الاقتصاد المحلي.

لكنه أشار إلى ثغرة في تكوين هذا الجدار الاقتصادي، تكمن في أننا نستورد المواد الخام من دولة الاحتلال، الأمر الذي لن يؤثر كثيراً على سعر التكلفة بالنسبة للمستهلك، كما يتطلب ذلك تحسين جودة المنتج المحلي، ليتوافق مع معايير الأيزو العالمية.

ويرى أبو رمضان في ختام حديثه، أن مقاطعة المنتج الاسرائيلي واستبداله بالوطني قضية سياسية مهمة تساهم في خسارة الاحتلال اقتصادياً وسياسياً، مستدركاً أن هذا لن يتم بدون تفكيك بروتوكول باريس الاقتصادي، والتحرر من اتفاق أوسلو، وتعزيز اقتصاد الصمود، والبحث عن بدائل تنموية تعتمد على الذات وتشبك مع بلدان تحاول تجاوز عالم أحادي القطب، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo