ماذا تهدف "إسرائيل" من وراء نسب عمليات الداخل لداعش؟

صورة من عملية بالضفة الغربية
صورة من عملية بالضفة الغربية

تركزت اتهامات الاحتلال الإسرائيلي في نسب العمليات التي طالتها مؤخراً، إلى تنظيم "داعش" وخاصة عمليتي النقب والخضيرة أواخر مارس الماضي، حيث استندت في ذلك إلى إن المنفذين يحملون أفكاراً تكفيرية، حسب زعمه.

غير أن ساسة ومحللون ذهبوا باتجاه أن الاحتلال يحاول "دعشنة" العمليات ومنفذيها، من أجل كسب التعاطف الدولي والعربي في تبرير جرائمه وتمرير مخططاته ضد الفلسطينيين، فيما لم يستبعد آخرون ضلوع "متأثرون" بداعش في مثل هذه العمليات ولو بشكل نسبي.

ووفقاً لقناة "I24NEWS" الإسرائيلية، فقد أعلنت سلطات الاحتلال أنها قامت باعتقال 12 مشتبهاً بهم في أم الفحم ووادي عارة وسخنين، في أعقاب "الاعتداءين الخطيرين اللذين وقعا خلال أقل من أسبوع ونسبتهما داعش إلى عملائها من العرب في إسرائيل"، وفق وصفها.

يذكر أن ثلاث عمليات وقعت في غضون سبعة أيام أودت بحياة 11 إسرائيلياً، توزعت على شمال فلسطين ووسطها وجنوبها، مثلما توزعت مشارب منفذيها بين الضفة الغربية المحتلة والداخل المحتل.

إدعاءات "كاذبة"

ولم يتردد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة، في أن يشكك برواية الاحتلال حول ضلوع "داعش" في عمليتي النقب والخضيرة، مستنداً في حديث لـ"زوايا" أنه لم يثبت أبداً أن قامت داعش من قبل بأي عمليات فدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي، لا في غزة ولا في الضفة ولا في الأرض المحتلة قبل ٤٨.

وأشار نافعة إلى أنه عندما يدعي الاحتلال الإسرائيلي أن داعش هي التي قامت بالعمليات الأخيرة فهو "كاذب ويهدف لتشويه النضال الفلسطيني، والفصائل الفلسطينية التي تحمل السلاح ضده ووصفها بالإرهاب، كون داعش تُعرف في العالم كله بالإرهاب الأكثر تطرفاً ووحشية".

وأضاف قائلاً "لأن الحرب في أوكرانيا أعادت الاعتبار إلى كل من يقاوم الاحتلال، فلم يكن من مصلحة إسرائيل أن تُشير في هذا الوقت بالذات إلى منظمات المقاومة، ومن هنا أصبحت داعش هي المخرج".

ومن وجهة نظر نافعة، فإن تحييد داعش من جانب الفصائل الفلسطينية ومقاومتها والتعاون مع دول مثل مصر للارشاد عن عناصرها - في إشارة إلى حركة حماس في قطاع غزة- سببه "أن داعش لا تعتبر المشروع الصهيوني هو الخطر، وأن الخطر الحقيقي على الأمة الاسلامية يأتي من النُظم الحاكمة التي تعتبرها غير إسلامية ومتعاونة مع أعداء الأمة".

ويرى نافعة أنه من الواضح بأن داعش تنظر الى السلطة الفلسطينية وأيضاً إلى فصائل المقاومة باعتبارها جزء من المنظومة الحاكمة في العالمين العربي والاسلامي، وبالتالي عقبة في طريق إقامة ما تسميها "الدولة الاسلامية".

اقرأ أيضاً: "كتيبة جنين".. مقاومة تشتد رغم المستحيل

وفي قراءته التحليلية، لوصف الاحتلال منفذي عمليتي النقب والخضيرة بأنهم من اتباع داعش، فقد اعتبر الكاتب والمحلل السياسي المقرب من حماس مصطفى الصواف، أن ذلك "هروب واضح من الاحتلال إلى الأمام"، مؤكداً "ما يعنينا كفلسطينيين هو أن منفذي العمليات هم فلسطينيون وأن المستهدف هو المحتل، وهي رسائل للمحتل تقول له بشكل واضح ارحل".

وأشار إلى أن الأمر له بعدان يحاول الاحتلال الفوز بأحدهما، الأول أن الاحتلال لا يريد إثارة الرأي العام الصهيوني، حتى لا تكون هناك عمليات ضغط على الحكومة للرد على قوى المقاومة الفلسطينية، لأنها المتهم الأول في التحريض على الاحتلال والداعم الذي يقف خلف العمل المقاوم في فلسطين، وهو بذلك يريد تبرئة المقاومة من المسئولية عن العملية وبذلك يتجنب الضغط من الشارع الصهيوني.

والأمر الثاني أن الاحتلال عندما يتهم منفذي عمليات المقاومة بأنهم داعشيون، هو يريد اصطفاف جديد من الدول العربية والإدارة الأمريكية لمساندته لمواجهة داعش، التي تشكل تهديداً وهمياً، خاصة أن داعش صناعة أمريكية صهيونية بامتياز.

ومنذ سنوات تقوم حركة حماس بتحسين علاقتها مع مصر، على حساب تشديد إجراءاتها الأمنية على الحدود الفاصلة بين مصر وغزة، من أجل منع تسلل "متشددين" من غزة إلى سيناء وبالعكس، كما ركزت على ملاحقة واعتقال المنتمين للتنظيمات المتشددة ومؤيديهم، ومحاربة "الفكر المنحرف" عبر المساجد ومؤسساتها المختلفة.

 تزامناً مع القمة

من ناحيته، عبر المختص في الشأن الإسرائيلي عصت منصور، عن اعتقاده بأن التسرع في نسب العمليات لداعش يحل أزمة بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، بمعنى أنه سهل جداً لها أمام الغرب والرأي العام العالمي وحتى الإسرائيليين لصق أي شئ من هذا القبيل لداعش، فالأخير سمعته تسبقه، كما قال.

ويرى منصور في حديثه لـ "زوايا" أن ذلك يجعل الاحتلال يتنصل من أي مسؤولية عن جرائمه المتعلقة بالتهجير والاقتلاع والقوانين التي يسُنها وحالة التهميش التي يتعامل بها مع الفلسطينيين في الداخل، فضلاً عن تهميش حالة التوترات التي يثيرها الاحتلال في القدس والضفة.

وأوضح أنه بالتزامن مع القمة التي عُقدت مؤخراً في النقب، فإن الاحتلال قصد من وراء وجود بعض وزراء الخارجية العرب في تلك القمة، أن لا تربط العمليات بالتنظيمات الفلسطينية وآثرت إلصاقها بداعش "حتى لا يتم طرح القضية الفلسطينية على طاولة القمة، وإنما لينصب الحديث إلى جانب خطر إيران النووي، في البحث حول إرهاب داعش التي تعاني منه بعض هذه الدول الحاضرة للقمة في النقب".

وتزامنت القمة التي ضمت 4 دول عربية بالإضافة الى الولايات المتحدة والكيان، مع تنفيذ عملية الخضيرة التي قتل فيها جنديان إسرائيليان وأصيب 10 بجراح نفذها فدائيان من عائلة اغبارية في الداخل المحتل.

ورغم ما يراه منصور بأن إلصاق العمليات لداعش كان أنسب شئ للاحتلال ويخدمه آنياً ومستقبلياً، إلا إنه اعتبر بأن ذلك لن يحرف بوصلة النضال الفلسطيني و لن ينطلي على شعبنا والعالم.

واستدرك منصور قائلاً "ذلك لا يجعلنا نغفل أنه حتى لو كان هناك مزيج من التطرف الفكري لدى بعض الخلايا الفلسطينية ووفرة في السلاح، فإن العوامل الوطنية والقومية التي لها علاقة بالأقصى ويوم الأرض حاضرة، وهو ما أدى إلى هذه العمليات حتى وإن كانت داعش وراءها".

ومجيبا على سؤال لماذا جاءت محاولات الاحتلال في هذا التوقيت؟ قال منصور: "التوقيت له علاقة بالقمة وبالعنصرية التي يمارسها الاحتلال في الداخل المحتل"، مؤكداً أن مثل هذه العمليات لها علاقة بالواقع وبما يحدث على الأرض وبالصراع أكثر من قضية داعش.

اقرأ أيضاً: قبيل شهر رمضان..القدس على صفيح ساخن

أما عن انعكاس هذه العمليات على الواقع الفلسطيني؟ فيرى منصور أنه من حيث مكانها سوف تؤثر على حالة التحريض القائمة ضد الفلسطينيين في الداخل، لافتاً إلى أن هناك قوانين سُنت أصلاً وقوانين أخرى في الجوارير تُعد وسيتم إخراجها مثل مشاريع بناء المستوطنات الذي سوف يتكثف وعملية تهويد النقب ومواصلة العنصرية ضد العرب في الداخل المحتل.

وقال: "هناك دعوات لتسليح المستوطنين، حيث ارتفعت نسبة الطلب على السلاح إلى ٧٠% لدى الاسرائيليين، وبالتالي من الممكن أن يزيد ذلك من حالة التجييش والغليان بين اليهود والعرب في الداخل"، متوقعاً أن كل هذا ينعكس على إمكانية المحاكاة والتقليد والتماهي في عمليات أخرى، وأن تتحول هذه العمليات إلى "موجة"، فضلاً عن أن هذا لا يلغي التوتر القائم في القدس والضفة، وربما يغذيه ويعطيه دفعة ويشجع على تنفيذ مزيد من العمليات".

وعاد منصور ليؤكد على أن محاولة ربط العمليات بداعش ليست جديدة لدى الاحتلال، حيث يندرج ذلك في إطار تجريم النضال الفلسطيني وربطه بالإرهاب، منوهاً إلى أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الأسبق "أرئيل شارون" ضلع في ذلك إبان عمليات القاعدة في أحداث 11سبتمبر في أمريكا وفي غيرها.

هل غيرت داعش استرتيجيتها؟

أما الكاتب والمحلل الفلسطيني مأمون أبو عامر، فقد رأى أنه بالرغم من أن فيديو الإعلان عن عملية الخضيرة والمنسوب لداعش ضعيف وركيك ولا يشبه إخراجها وإنتاجها المعهود لعملياتها، إلا أنه لا يمكن إنكاره من الناحية العملية، عاداً أن ذلك يتطلب الإثبات من خبراء الصوت حول ما إذا كان هذا الصوت لشهداء منفذي العملية أم لا، فضلاً عن أن الفيديو غير كامل.

وقال "على أية حال هناك بعض الشكوك، وفي نفس الوقت هناك بعض المعطيات بهذا الاتجاه، ولذلك لا يمكن الحسم في هذه المسألة حتى ذلك الوقت هل داعش تقف وراء العملية أم لا؟".

ولكن التحدي و السؤال الأهم الذي يُطرح، حسب حديث أبو عامر لزوايا هو "هل داعش غيرت سياستها واستراتيجيتها أم أن هذه الحالة طارئة؟"، متوقعاً أنه ربما بعد مقتل زعيم داعش السابق "البغدادي" والذي يتصف بالدموية، بأن يكون حدث هناك تحولاً مع حضور الزعيم الجديد "القرشي" على سلم القيادة، وذلك باتجاه تركيز القتال في هذه المرحلة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

لكنه أكد أنه "لا يمكن الحسم بأن داعش قدر غيرت استراتيجيتها حتى نرى الاتجاه العام لسلوكها في هذا الملف، وهل هي حالة عابرة لأناس تأثروا بداعش و ليس لهم علاقة تنظيمية رسمية بها!؟".

وحول انعكاسات ذلك على الفلسطينيين ومقاومتهم والقضية بشكل عام فيما لو كانت داعش وراء عمليتي النقب والخضيرة؟، قال أبو عامر "المقاومة الفلسطينية أكبر من داعش وغير داعش"، عاداً أن -المقاومة الفلسطينية- ستبقى مستمرة ولن تتأثر بمثل هذه الحالات، ولا سيما أن داعش الفلسطينية ضعيفة في قدرتها على التحشيد الجماهيري، على حد تعبيره.

وأوضح أبو عامر أن المقاومة الفلسطينية لن تتوقف عن أخذ دورها في الساحة الفلسطينية وقطع الطريق على داعش، حيث من المهم أن تبقى المقاومة الفلسطينية هي الحالة الفاعلة لتعبئة الفراغ ومنع الحالة الداعشية التي قد تسئ نوعاً ما إلى الحالة الفلسطينية، والتي قد تعطي الغطاء والذرائع للاحتلال للقيام بعمليات كبرى بحجة محاربة الإرهاب.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo