"براءة الذمة".. كيف عرقلت شفافية الترشح للانتخابات المحلية بالضفة؟

توزيع صناديق ومواد الاقتراع في محافظات الضفة
توزيع صناديق ومواد الاقتراع في محافظات الضفة

في مزارع النوباني شمال غرب رام الله، كانت "براءة الذمة" عائقا أمام المهندس سعد داغر ورفاقه في الترشح للمرحلة الأولى من الانتخابات المحلية، لكن وبسبب عدم إجراء الانتخابات وقتها، عاد وقدم طلبا للحصول على "براءة الذمة" من المجلس القروي في قريته، لكنه عانى مجددا بسبب المماطلة في منحها له ولرفاقه، والذي اعتبر أن الهدف من ذلك "ثنيهم عن الترشح للمرحلة الثانية من الانتخابات المحلية".

وأوضح داغر في حديثه لـ "زوايا" أن القضية لم تكن حديثة، وإنما بدأت قبل نحو عام، عندما قرروا الترشح للمرحلة الأولى من الانتخابات المحلية، حيث استيفوا كافة الشروط لبراءة الذمة، لكن لجنة تسيير الأعمال في المجلس القروي وضعت العراقيل أمام حصولهم عليها، مستذكراً بعضا من هذا العراقيل مثل: عدم استكمال مخططات المساحة، وشروط الترخيص، وقال: "هذه متطلبات لا علاقة لها ببراءة الذمة أو بالترشح للانتخابات، وإنما لها علاقة بترخيص مشروع أو بناء منزل".

وأضاف: "بعد محاولات وضغوطات عديدة تمكنا من الحصول على براءة الذمة في اللحظات الأخيرة، وترشحنا للمرحلة الأولى من الانتخابات حينها إلى جانب قائمة أخرى مكونة من 9 مرشحين، لكن القائمة الثانية انسحبت لاحقا من العملية الانتخابية، ونظرا لأننا قائمة أقل من 9 أشخاص (عدد أعضاء المجلس)، لم تجر الانتخابات في مزارع النوباني، وتم تأجيل العملية الانتخابية للمرحلة الثانية.

إجراء لإبقاء السيطرة

وأوضح داغر أنه بدأ مع رفاقه بالتحضير لانتخابات المرحلة الثانية التي ستجرى في 26 آذار الجاري، لكنهم فوجئوا بنفس العراقيل من قبل لجنة تسيير الأعمال على الرغم من استكمالهم شروط براءة الذمة لجميع أعضاء القائمة، بهدف ثنيهم عن الترشح، بالتالي إبقاء المجلس في يد فئة متنفذة.

اقرأ أيضاً: سحب الجواز الدبلوماسي ورقة يستخدمها الرئيس عباس لتكبيل معارضيه

تلك المماطلة دفعة المهندس داغر ورفاقه للاعتصام أمام المجلس القروي، ثم انتقلوا للاعتصام أمام مجلس الوزراء، ما دفع وزارة الحكم المحلي للتحرك، حيث اجتمعوا مع الوزير ووكيل الوزارة، الذين طلبوا من لجنة تسيير الأعمال منحهم براءة ذمة، لكن اللجنة خرجت بذات الحجج مرة ثانية ورفضت طلب الوزارة، مما أجبر الوزارة على حل اللجنة وتعيين لجنة تسيير أعمال جديدة من الوزارة لحين إجراء الانتخابات.

وأضاف أن لجنة تسيير الأعمال الجديدة، قامت بالتأكد من استكمالهم شروط براءة الذمة، ومنحتهم إياها، وقاموا بالترشح للانتخابات وحيدين بعدما فشل الطرف المنافس من تشكيل قائمته، بالتالي تعتبر قائمتهم فائزة بالتزكية.

شروط منح براءة الذمة

وقد عممت وزارة الحكم المحلي، إجراءات كيفية الحصول على براءة الذمة المالية، التي ينوي الشخص الترشح للانتخابات المحلية، وهي:

أولاً: ديون الكهرباء

تُجبى لصالح البلديات، لذلك يجب أن تسدد ديون الكهرباء الخاصة بشركة كهرباء الجنوب أو شركة كهرباء الشمال، من قبل المكلف (المرشح) المترتبة عليه في الهيئة التي يرغب بالترشح لمجلسها فقط، ولا يمنع ذلك من وجود ديون أخرى بذمته لشركة الكهرباء في منطقة أي هيئة أخرى تابعة لتوزيع الشركة.

ثانياً: ديون الأملاك

يتم منح براءة ذمة مالية للمرشح بعد دفع ديونه عن أملاكه في منطقة الهيئة المحلية التي يرغب بالترشح لمجلسها فقط، ولا يمنع ذلك وجود ديون في ذمته عن أملاكه في منطقة أي هيئة أخرى.

ثالثاً: المياه

ليست من متطلبات براءة الذمة المالية تسديد فواتير استهلاك المياه، باستثناء بعض الهيئات التي تقدم هذه الخدمة من خلالها.

رابعاً: النفايات

يتم منح براءة الذمة المالية بعد دفع ديون ومستحقات بدل النفايات والصرف الصحي الواردة في فاتورة المياه فقط وكذلك التي يتم جمعها مباشرة.

أما بخصوص المرشح إن كان وريثاً: يدفع ديون مورثه المستحقة عليه لصالح البلدية، إذا كان هو المنتفع الوحيد وإذا كان جميع الورثة منتفعين فيدفع من ديون مورثه بنسبة حصته في الميراث.

وأما المخالفات غير المالية التي تصدرها البلدية بحق المرشح فهي ليست سبباً لعدم منح براءة الذمة المالية مالم يتم تحويلها إلى مبلغ.

وزارة الحكم المحلي توضّح

أما وزارة الحكم المحلي فأكدت لـ "زوايا"، أنها قامت بحل كافة الإشكاليات التي واجهت المرشحين في براءة الذمة، في العديد من المجالس المحلية، فمثلا في منطقة مزارع النوباني قامت الوزارة بتشكل لجنة لان رئيس المجلس المحلي، كان رافض ومتعنت منح براءة الذمة، بهدف منع أي شخص غيره من الترشح للمجلس المحلي، حيث تم حل المجلس ومنح براءة الذمة للمترشحين.

وقال سمير دوابشة مدير عام الانتخابات والتشكيلات في وزارة الحكم المحلي، إن المشكلة ليست بالقانون وإنما في اجتهاد كل رئيس هيئة محلية في تفسير القانون فيما يتعلق بمنح براءة الذمة.

وأكد دوابشة أن بعض رؤساء الهيئات المحلية والبلدية كان يرفض منح براءة الذمة للأخرين كنكاية او ابتزاز لمنعهم من الترشح. موضحا أن الوزارة كانت تتدخل وتجبرهم على منح براءة الذمة للمترشحين.

وأشار إلى أن وزارة الحكم المحلي أصدرت تعميميا على الهيئات المحلية جميعها، بأن أي شخص ينوي الترشح يجب أن يكون بريء الذمة من كل الديون، لانه من غير المعقول أن يكون هناك ديون على المرشح للهيئة المحلية. لافتا إلى أن رئيس الهيئة المحلية والأعضاء يجب ان تكون براءة الذمة الخاصة بهم مصادق عليها من قبل وزير الحكم المحلي.

10 هيئات تكررت فيها عملية المماطلة

من جانبه، أوضح عارف جفال مدير المرصد العربي للديمقراطية والانتخابات، أن مزارع النوباني في محافظة رام الله وقباطية في محافظة جنين أكثر هيئتين محليتين عانى المرشحون فيهما من الحصول على براءة الذمة المالية.

وبيّن جفّال في حديثه لـ "زوايا" أن تفسير تعميم وزارة الحكم المحلي بخصوص براءة الذمة اختلف فهمه على الأقل في 10 هيئات، فبعضها لم تتعامل مع كل شخص على أساس انه شخصية إدارية بنفسها، مثلا كان يتم الطلب من الشخص دفع الديون المالية المترتبة على والده لصالح المجلس المحلي، على الرغم من أن والده لم يتوفى.

كما أن بعض البلديات مثل بلدية البيرة طلبت الأشخاص المتقدمين للحصول على براءة ذمة أن يأتوا ببراءة ذمة من مصلحة مياه القدس وشركة كهرباء القدس، على الرغم أن مصلحة المياه وشركة الكهرباء لا تتبعان البلدية عكس بعض البلديات في شمال الضفة أو جنوبها، والتي تكون البلديات مساهمة أو مالكة لشركة الكهرباء أو المياه.

ابتزاز وفهم مغلوط للتعميم

وقال جفال إن تعميم وزارة الحكم المحلي بخصوص عدم وجود ديون كهرباء أو مياه كشرط للحصول على براءة الذمة، يخص الكهرباء والمياه التي تساهم أو تملكها البلديات، بالتالي فُهم ذلك على جميع الهيئات البلدية وهو ما دفع بلدية البيرة لهذا الإجراء.

واعتبر أن "براءة الذمة لا زالت تشكل وسيلة ابتزاز من قبل بعض الهيئات المحلية قاصدة تعطيل أشخاص يرغبون بالترشح للانتخابات المحلية، من خلال فهم مغلوط لتعميم الوزارة بخصوص الرسوم الواجب دفعها للحصول على براءة الذمة، حيث تنص المادة بوضوح أن المقصود هي الضرائب المفروضة على الشخص المعنوي المسجل لدى الهيئات المحلية".

اقرأ أيضاً: شهادة هآرتس: قانون أملاك الغائبين استثنائي جارف يستهدف الفلسطينيين

ورأى أن "القانون للأسف لم يجبر رئيس المجلس البلدي والأعضاء على الاستقالة قبل عملية الترشح بثلاثة أشهر على الأقل حتى لا تحدث عملية الابتزاز".

وأكد أن هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها عملية الابتزاز والعرقلة في الحصول على براءة الذمة بهدف الترشح للانتخابات، إذ حدثت في مراحل سابقة من عمليات الترشح للانتخابات المحلية، خاصة في الهيئات التي كان رئيسها ينوي الترشح مرة أخرى، وكانت تهدف لثني المنافسين عن الترشح للانتخابات.

وأشار إلى أن من بين الحجج والذرائع في المماطلة بمنح براءة الذمة، أن رئيس المجلس غير موجود، أو يجب تشكيل لجنة لدراسة المخالفات، أو أن المجلس البلدي لم يعقد اجتماعه الدوري.

267 طلب ترشح

وأُغلق باب الترشح الخميس (17/2/2022)، وأعلنت لجنة الانتخابات، السبت (19/2/2022) أنها تسلمت 267 طلب ترشح في جميع محافظات الضفة، مشيرة إلى أن طواقمها تعمل على مراجعة الطلبات وتدقيق بيانات المرشحين وإدخالها وإدارتها، وعرضها على لجنة الانتخابات للبت فيها طبقا للقانون.

ومن المقرر أن تجري المرحلة الثانية من الانتخابات المحلية في 102 هيئة محلية في الضفة الغربية يوم السبت 26/3/2022، علما أن عدد أصحاب حق الاقتراع في هذه الهيئات 787 ألف مواطن ومواطنة، وفقا لسجل الناخبين النهائي.

وسيتم إعلان النتائج الأولية للانتخابات في اليوم التالي، والنتائج النهائية خلال 72 ساعة من انتهاء عملية الفرز.

وأجريت المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية بتاريخ 11/12/2021، في 154 هيئة محلية بالضفة الغربية، حيث بلغت نسبة الاقتراع فيها 66.14% من أصحاب حق الاقتراع البالغ عددهم 405,687، ووصل عدد المقترعين الإجمالي إلى 268,318، إذ حصلت القوائم المستقلة على 70.86% من العدد الكلي للمقاعد المتنافس عليها والبالغة 1,503 مقاعد، بينما حازت القوائم الحزبية على 29.14%. كما أعلنت لجنة الانتخابات فوز 162 قائمة بالتزكية.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo