تقرير الاحتلال يُعمق أزمة المناخ في فلسطين.. ونتائج كارثية متوقعة

الاحتلال يعمل على تجريف الأراضي
الاحتلال يعمل على تجريف الأراضي

في الوقت الذي تعمل فيه دول العالم على التصدي لأزمة المناخ المتوقعة ورسم الخطط لدعم الاقتصاد الأخضر، يتعرض الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل، إلى ظلم من الاحتلال الإسرائيلي الذي يعيق الخطط الفلسطينية التي تم اعتمادها عام 2016، بممارساته اللاقانونية من اعتداءات على الأراضي الفلسطينية وتدميره للأشجار في الضفة الغربية، والقاء النفايات الكيميائية في مناطق السلطة، والسيطرة على المياه، وغيرها من الممارسات، وهو ما سيؤثر على الفلسطيني سلباً في حال بقي الوضع على ما هو عليه دون تدخل دولي يجبر دولة الاحتلال على السماح للفلسطينيين بتنفيذ خططهم التنموية لمواجهة الأزمة الخطيرة التي تهدد العالم بأكمله، في الوقت الذي يقوم فيه الاحتلال بعمل الخطط التنموية باستثناء "القرى العربية" التي يقطنها فلسطينيو الداخل.

يشار إلى أن فلسطين انضمت رسمياً في العام 2015 بتوقيع الرئيس محمود عباس على صك الانضمام لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC)، وسلم الطلب رسميًا إلى الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) في باريس، بصفته الجهة الوديعة للاتفاقية.

وأشارت وزارة الخارجية الفلسطينية آنذاك على الجاهزية الكاملة لدولة فلسطين للامتثال لمتطلبات الانضمام إلى هذه الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات والمؤسسات الدولية، وطالبت، في الوقت ذاته، الدول الأعضاء بتحمل مسؤولياتها لإلزام إسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال)، بالامتثال إلى قواعد القانون الدولي والاحتكام إلى مواد الاتفاقيات الدولية. وهو ما لم تلتزم به "إسرائيل".

إدراك شبابي فلسطينية لخطورة الأزمة

وإدراكاً من الشباب الفلسطيني بخطورة أزمة المناخ العالمية، طالبوا خلال مشاركة شبابية ضمت 30 شاباً وشابة في مسار بيئي في محمية وادي القف في الخليل، زعماء العالم بحماية البيئة الفلسطينية، والأخذ بعين الاعتبار أثر الاحتلال الإسرائيلي على أزمة المناخ في فلسطين، لأن سياساته تعيق الفلسطينيين من تنفيذ المبادرات للتغلب على هذه الأزمة.

اقرأ أيضاً: الشيخ جراح يعري قضاء الاحتلال بالرفض وينتظر الإسناد الكامل

وطالب الشباب بنقاش نظام البناء والتصاريح الإسرائيلي وانعدام العدالة في توفير المياه للفلسطينيين وتوفير الحماية للبيئة الفلسطينية ومواردها الطبيعية، وزيادة الدعم المالي للتدخلات الخاصة للتكيف مع التغير المناخي. وبممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية لاحترام الاتفاقيات البيئية والسماح للفلسطينيين بمعالجة أزمة المناخ من خلال السماح لهم ببناء الآبار وزراعة الأشجار وإدخال المعدات الزراعية لأراضيهم.

تهميش إسرائيلي لفلسطيني الداخل من مخططات مواجهة أزمة المناخ

وفي الداخل الفلسطيني أوضحت الكاتبة ديما أبو العسل في مقالٍ لها، نشره موقع عرب 48، أن المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل يعيش واقعاً صعباً جراء تجاهل الحكومة الإسرائيلية البلدات العربية من مخططاتها الرامية لمواجهة أزمة المناخ، مشيرة إلى أن البلدات العربية بدأت تعيش بعضًا من ظواهر أزمة المناخ خلال فصلي الشتاء والصيف، في السنوات الأخيرة، مثل الفيضانات الغزيرة، أو موجات الحر المتطرّفة التي امتدت إلى بضع أيام متتالية.

وأكدت الكاتبة أن المجموعات الضعيفة ومن بينهم الفلسطينيين، هي من ستدفع ثمن التغير المناخي علماً أن الدول الغربية هي المسبب الرئيسي لانبعاث غازات الدفيئة التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، وستكون عرضة لضرر أزمة المناخ أكثر من الفئات الغنية والمقتدرة، وذلك لشح الموارد الماثلة أمامها لمواجهة التحديات أو لفقدانها تماما.

غزة تدفع ثمن باهض جراء تغير المناخ

من جهته، أوضح الخبير في شؤون البيئة الدكتور أحمد حلس، أن التغيرات المناخية الناتجة عن الاحتباس الحراري، والذي يؤدي إلى اختلاف وانخفاض نسبة المطر وتأثر بها قطاع غزة، حيث انخفضت كميات مياه الأمطار على القطاع بنسب متفاوتة من 30-20%، أثرت على المياه الصالحة للشرب التي انخفضت كميتها في الخزان الجوفي لأنه يعتمد اعتماد شبه كلي بنسبة 96 بالمئة على الأمطار، والبنية التحتية للقطاع غير قادرة على استيعاب كميات الأمطار حيث يضيع ما نسبته 40 بالمئة منها للبحر أو مياه الصرف الصحي، ما سمح بدخول مياه البحر إلى الخزان الجوفي ما أدى إلى تلوثه بنسبة أكبر.

كما أوضح الخبير حلس في حديث مع "زوايا" أن ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة، أدى إلى ارتفاع مستوى البحر إلى نصف متر، وهذا أدى الى تآكل شاطئ غزة، كما حدث في شارع الرشيد في خانيونس، ورفح حيث تصدعت الشوارع، نتيجة ارتفاع وقوة الامواج في فصل الشتاء وتدافعها نحو الشاطئ.

وتابع، أن التغير المناخي أدى لتضرر المزارع الفلسطيني في غزة، والذي أصبح غير قادر على التنبؤ بالأحوال الجوية، وعدم توزع مياه الامطار بانتظام، وتكدسها في فترة قليلة ما أدى الى غرق الأراضي الزراعية وتلف المحاصيل الزراعية، إلى جانب عدم جودة الانتاج في بعض المحاصيل التي تغيرت عليها درجات الحرارة بالارتفاع والانخفاض، إلى جانب أن التغير المناخي أدى لظهور بكتيريا جديدة أضرت بالمحاصيل الزراعية والتربة.

وأكد أن الأضرار التي لحقت بقطاع غزة جراء التغير المناخي أمراً طبيعياً ومتوقعاً، لأن غزة ضمن المناطق الأكثر فقراً وهشاشة وهي الأكثر عرضة لدفع فاتورة كبيرة جداً جراء التغير المناخي، فيما الدول المتقدمة والتي هي سبب أزمة تغير المناخي في مأمن أكثر بكثير من دفع فاتورة هذه الأزمة نتيجة قدرتها على اتخاذ إجراءات من شأنها التخفيف من التأثيرات السلبية لهذه الأزمة والتي لا تقوى على تنفيذها المناطق الفقيرة.

المخاطر والبدائل

من جهتها فندت الباحثة غدير عرفة في حديث خاص لـ موقع "زوايا"، المخاطر التي تحدق بالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة جراء عراقيل الاحتلال أمام تنفيذ خطة التنمية المستدامة التي وضعتها السلطة الفلسطينية للتصدي لأزمة المناخ، ووضعت عدة بدائل من شأنها أن تساعد السلطة الفلسطينية في إجبار إسرائيل للامتثال للقانون الدولي الذي يوجبها بإزالة العراقيل أمام الفلسطينيين لتحقيق الاقتصاد الأخضر.

الباحثة التي أعدت دراسة خاصة حول أزمة المناخ وانعكاسها على الفلسطينيين، بعنوان "نحو تحقيق "العدالة المناخية" في فلسطين: التوجهات القانونية والسياسات المستقبلية في ظل الصراعات والأزمات"ـ أكدت على أن الانضمام لاتفاقية "باريس الدولية للتغير المناخي"، يلزم جميع دول العالم بمواجهة ظاهرة ارتفاع الاحتباس الحراري للكرة الأرضية، وذلك بخفض انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن الممارسات البشرية والأنشطة الصناعية.

وأشارت إلى أنه في أهداف التنمية الألفية التي تم الاتفاق عليها في سبتمبر 2000 كأجندة عمل لمدة 15 عامًا، وترحيلها إلى أجندة التنمية المستدامة 2030، والتي تستند إلى تعزيز الاستراتيجيات الوطنية للدول المشاركة في الاتفاقية، مستدركة أنه نظراً إلى الحالة السياسية التي تعيشها فلسطين في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وقياس ما تم تحقيقه من أهداف إنمائية للألفية في الاستراتيجية الفلسطينية حتى العام 2015،

وكما ورد في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأخير، فإن المؤشرات تشير إلى أن هناك تراجعًا في تحقيق تلك الأهداف؛ أهمها عدم تمكن فلسطين من السيطرة على مواردها المائية والطبيعية الناتجة بسبب الاحتلال وما يفرضه على الشعب الفلسطيني من تحديات وحرمان من الحقوق، إضافة إلى تركيز المانحين على المساعدات الطارئة الإغاثية، دون التطرق إلى الأهداف التنموية طويلة المدى.

تدمير متعمد

ونوهت إلى إن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أشار إلى أن معظم القطاعات الاقتصادية، منها الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة، تعاني من تدمير إسرائيلي متعمد بغية إضعاف مقومات الاقتصاد الفلسطيني، حيث تجرّف قوات الاحتلال مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وقامت باقتلاع أكثر من مليون شجرة مثمرة، إضافة إلى تدمير البنية التحتية لقطاع البيئة، بما في ذلك طمر النفايات الخطرة والسامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإغلاق الطرق المؤدية إلى مكبات النفايات، وتدمير شبكات وأحواض الصرف الصحي، وشبكات وآبار المياه، إضافة إلى الاستنزاف المستمر للمصادر الطبيعية، ومنع الفلسطينيين من استغلال حقوقهم من هذه المصادر وآبار المياه، وكذلك مصادرة الأراضي الفلسطينية لإقامة المستعمرات عليها، والطرق الالتفافية، ونقل المصانع الملوثة وغير المقبولة بيئيًا إلى داخل المستعمرات؛ ما ترك آثارًا سلبية على الصحة العامة والتنوع الحيوي في فلسطين.

الانقسام اضعاف اضافي

كما أشارت إلى أن الساحة الفلسطينية المنقسمة سياسيًا ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة تساهم في تباطؤ الجهود الرامية اتجاه التعامل مع التغير المناخي، فضلًا عن تجزئة أراضي الضفة إلى مناطق (أ) و(ب) و(ج)، وتدهور أغوار الأردن، ما يسفر عن شح المعلومات الضرورية لدراسة التغير المناخي، وعدم بناء قاعدة بيانات رئيسية يمكن الاعتماد عليها لإنتاج المعرفة، بسبب سوء التنسيق والتعاون ما بين مختلف القطاعات.

السياسات الداخلية في فلسطين لمواجهة التغير المناخي

وأشارت الباحثة غدير عرفة إلى أنه في العام 2016، تم اعتماد الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغير المناخي التي أعدتها سلطة جودة البيئة، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. من قبل اللجنة الوطنية لتغير المناخ في فلسطين، والتي تعد المرجعية العليا للسياسات في تغير المناخ. والتي تستهدف 12 قطاعًا هي الأكثر تأثرًا بالمناخ.

ولفتت إلى أنه بلغت القيمة الإجمالية للخيارات المقترحة للقطاع المائي والزراعي للتكيف المناخي في التقرير ما يعادل 3.2 مليار دولار لمدة عشر سنين. إلا أن خيارات التمويل تنحصر في دعم الدول المانحة، بما فيها صندوق التمويل الأخضر، حيث تم اعتماد سلطة جودة البيئة كنقطة اتصال وطنية لصندوق المناخ الأخضر بقرار من مجلس الوزراء، وذلك بعد أن وقّعت دولة فلسطين على اتفاقية باريس المناخية العام 2016 بصفتها دولة مراقب غير عضو، حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 67/19.

ظلم إسرائيلي للفلسطينيين

وشددت الباحثة على أن هناك ظلم يقع على الفلسطينيين من قبل الاحتلال الإسرائيلي جراء عدم احترامه للمعاهدات والاتفاقيات الدولية والقانون الدولي، التي توجب على إسرائيل كدولة احتلال المسؤولية القانونية لتلبية احتياجات السكان الواقعين تحت سيطرتها، بما فيها بنود "الاحتلال الناجم عن الحرب".

واقترحت الباحثة أربعة بدائل يمكن للفلسطينيين العمل عليها لتحقيق العدالة المناخية في فلسطين، وهي فضح ممارسات الاحتلال في محكمة الجنايات الدولية، والضغط عليها من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة، فتح الحكومة الفلسطينية صندوق اقتصادي من خزينة الدولة للمشاريع والمبادرات الخضراء. وإنشاء بنك معلومات فيما يتعلق بالمتغيرات المناخية التي يمكن على أساسها قياس مدى الظلم واللاعدالة البيئية والمناخية، وذلك من خلال استحداث العديد من الدراسات والقراءات البحثية، بحيث يؤخذ بعين الاعتبار تأمين الأجهزة والمعدات اللازمة لتحقيق ذلك. وأخيراً البديل الرابع يتمثل في دعم الخطط والاستراتيجيات التخفيفية، والخطط والاستراتيجيات التكيفية، والتأقلم لمكافحة التغير المناخي.

وفي ظل حديث الخبراء عن أن أزمة المناخ ستؤدي إلى تعرض نباتات وحيوانات للانقراض لعدم قدرتها على التكيّف مع التغييرات البيئية المحيطة، والنقص الشديد في الأمن الغذائي ومصادر مياه الشرب العذبة، إضافة إلى توقع غرق الكثير من مدن الساحل ونزوح سكاني كبير، يتوجب اتخاذ إجراءات من شأنها عدم الوصول لنقطة اللاعودة بحيث لا يمكن إعادة العجلة إلى الوراء وتدارك آثار الأزمة.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo