تقرير اختيار التخصص لطلبة الثانوية العامة "بين رغبة الأهل وسوق العمل"

طلبة في محاضرة جامعية
طلبة في محاضرة جامعية

لم تمض سوى أيام قليلة على فرحة الطالب كريم المدهون من قطاع غزة بنجاحه في الثانوية العامة بمعدل 85% الفرع العلمي، حتى عادت له أيام التوتر والقلق من جديد بسبب حيرته في اختيار التخصص المناسب لإكمال دراسته الجامعية.

ويرغب الطالب المدهون في دخول كلية تكنولوجيا المعلومات – تطوير البرمجيات، إلا أن رغبته تصطدم برغبة والده الطبيب الذي يحثه على دخول كلية التمريض، وهو ما يراه "كريم" أن هذا التخصص بعيد كل البعد عن هوايته وأنه يحتوي على مواد علمية صعبة عانى منها خلال دراسة الثانوية العامة من بينها مادتي الكيمياء والأحياء.

وأضاف الطالب "المدهون" في حديث لـ موقع "زوايا"، أن الوقت يمضي سريعاً وأنه لم يلتحق بعد في أي من الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن اختيار الجامعة أيضاً يشكل له حيرة أخرى، بعد سماعه لتجربة الطلاب السابقين وشكاويهم المتكررة من النظام الإداري والأكاديمي لتلك الجامعات.

وبحسب وزارة التربية والتعليم العالي يوجد في قطاع غزة نحو 16 جامعة وكلية فلسطينية من أبرزها: "جامعة الأزهر والجامعة الإسلامية وجامعة القدس المفتوحة وجامعة الأقصى وجامعة فلسطين وجامعة الإسراء".

وضع اقتصادي صعب

الحيرة التي تنتاب الطالب المدهون هي ذاتها التي تعاني منها الطالبة سهى لولو الحاصلة على معدل 96 بالمئة في الفرع العلمي والتي تطمح في دراسة طب الأسنان في إحدى الجامعات بغزة، لكن أوضاع عائلتها الاقتصادية تحول دون التحاقها في تلك الكلية، حيث يبلغ سعر الساعة الدراسة 70 دينار أردني، أي ما يعادل 100 دولار للساعة الواحدة وهي بحاجة إلى دفع مبلغ 1200 دولار تقريباً لتسجيل 12 ساعة أكاديمية كحد أدنى للفصل الواحد.

وأوضحت لولو لفي حديث لـ "زوايا"، أن والدها يعمل مدرساً حكومياً وأنها الابنة الثالثة التي ستلتحق بالجامعة برفقة اثنين من إخوتها ممن يكملون دراستهما الجامعية، مشيرة إلى أنها اضطرت إلى تغيير رغبتها في دراسة طب الأسنان وستدرس في كلية الصيدلة والتي يبلغ سعر الساعة الأكاديمية فيها 24 ديناراً، للتخفيف من أعباء الدراسة على عائلتها.

أما الطالب عدى شاهين الحاصل على معدل 75 % الفرع الأدبي أكد لموقع "زوايا" أنه يبحث عن تخصص مناسب مطلوب في سوق العمل الفلسطيني حتى لا يلتحق بطابور العاطلين عن العمل بعد التخرج.

وأضاف أنه يرفض أنه يكرر تجربة إخوته وبعض أقربائه وجيرانه ممن أنهوا دراستهم الجامعية، ولم يجدوا فرص عمل نظراً لتكدس أعداد الخريجين في معظم التخصصات الجامعية.

ويفضل الطالب شاهين دراسة التخصصات الحرفية حيث يعتقد أنها ستوفر له فرص عمل في المستقبل، وأنها لا تحتاج إلى سنوات دراسية طويلة.

وكان الجهاز المركزي للإحصاء، استعرض في الـ12 من شهر أغسطس الماضي، أوضاع الشباب في المجتمع الفلسطيني، مشيراً إلى أن معدلات البطالة تشكل التحدي الأكبر أمام الشباب، إذ بلغت هذه المعدلات 64% بين الإناث و33% بين الذكور.

كما أكد المتحدث باسم وزارة العمل رامي مهداوي في تصريحات سابقة أن اختيار التخصص الجامعي المكرر يساهم في رفع نسبة البطالة لدى الخريجين.

معدل التوجيهي ليس برستيجًا

من جهته قال د. عزام أبو حبيب أكاديمي واستاذ جامعي وباحث في مجال الهندسة والإدارة والتعليم العالي لـ "ـزوايا"، إن الطلبة وذويهم مطالبون بالبحث عن الطريقة الأنسب والأفضل لأبنائهم لكي يستطيعون الموائمة بين قدراتهم الفردية والمعدلات التي حصلوا عليها في الثانوية العامة.

وأوضح أبو حبيب أن هناك ثلاث نقاط تشكل المحرك الأساسي للطلبة في اختيار التخصص هي:" شغف الطالب نفسه نحو تخصص معين، وفرص العمل ما بعد التخرج، ورغبة الأهالي وحضورهم الدائم في التأثير على الطالب في اختيار التخصص".

اقرأ أيضاً: “بزنس التعليم” معضلة أولياء الأمور في المدارس الخاصة بالضفة

وأضاف أن التخصص الجامعي يجب أن يكون وسيلة وبداية لمشوار ومعترك الحياة العملية وليس غاية، منوهاً إلى أن معدل الثانوية العامة غير ملزم وليس برستيجاً للدخول إلى تخصص مرموق من وجه نظر المجتمع، بل يجب أن يكون النظر إلى معدل الثانوية العامة المرتفع بشكل مختلف كونه يفتح الآفاق للطالب المتفوق بالدخول إلى أي كلية جامعية يشاء.

ودعا الأكاديمي أبو حبيب الطلبة إلى البحث والتحري وسؤال عدد لا بأس به من الخريجين الجدد والقدامى حول التخصص المراد الدخول فيه، وكذلك خريجين يعملون في قطاعات حكومية وخاصة متنوعة، معللاً ذلك إلى أن السؤال عن التخصص يتيح للطالب المجال للتعرف على القدرات والإمكانات العلمية التي يمتلكها لدراسة هذا التخصص من عدمه، مشيراً إلى أنه من المؤسف أن يدرس الطالب عاماً أو عامين في تخصص ما، وبعد ذلك يضطر إلى تغيير التخصص، بعد أن أضاع الوقت والجهد والمال.

وأوضح أبو حبيب أن الطالب بحاجة إلى دراية كاملة بكافة العلوم التطبيقية والتجريبية والانسانية ومعرفة المكونات الأساسية لكل علم من هذه العلوم، سواء من قبل المختصين أو بالبحث عبر محرك البحث جوجل والشبكة العنكبوتية.

وأوضح أن هناك فروقات جوهرية بين التخصصات داخل الكلية الواحدة فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك فروقات داخل كلية الهندسة فالفرق كبير بين هندسة الكهرباء والاتصالات وغيرها، مشيراً إلى أن الطالب بحاجة ماسة لمعرفة هذه الفروقات وطبيعة كل تخصص والمواد التي يجب أن يتفوق فيها لاجتياز التخصص.

تخصصات مضللة

وكشف أبو حبيب لزوايا عن صيحة من التخصصات الجديدة انتشر بين الطلاب، والتي يُروج لها البعض، مشيراً إلى أن هذه التخصصات تكون مشتقة من تخصصات أساسية ويتم فيها تضليل الطلبة، مضيفاً أنه من باب أولى دراسة التخصص الأساسي وبعد ذلك التفرع إلى التخصصات الفرعية والثانوية.

وحذر أبو حبيب الطلبة من الذهاب إلى مسميات براقة لتخصصات لا تعدو كونها دورات تدريبية احترافية، وخصوصاً تلك التي تتعلق بتكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني وغيرها، مبيناً أن هذه التخصصات قابلة للاحتراف وتأتي بالخبرة والعمل عبر الدورات التدريبية المكثفة والتي لا تتعدى مدتها الزمنية ستة أشهر فقط، بعيداً عن الدراسة الجامعة.

التخصصات التقليدية

المختص في شؤون التعليم الاستاذ محمد الحطاب وخلال حديثه لـ "زوايا" دعا الطلبة إلى اختيار التخصص الملائم، الذي يشعر الطالب بأنه يمتلك المهارات والمعرفة الكافية به وبما يناسبه.

وأضاف أن هناك تخصصات استهلكت بحثًا ودراسة ويجب الابتعاد عنها، وإن كان لا بد منها يجب على الطالب التهيؤ جيدا بعدم الاكتفاء بما تقدمه الجامعة أو الكلية في إطار التخصص، موضحاً أن هناك منافسة شديدة داخل سوق العمل الأمر الذي يدفع الطالب إلى التزود بمؤهلات كبيرة وأن يكون ذو ثقافية عملية واسعة.

ورأى الحطاب أن التشاور بين الطالب وذويه والتخطيط للحياة الجامعية بيئة صحية، لا سيما إن كانت العائلة تحوي اشخاصاً متعلمين ومثقفين، وعلى علم ودراية بسوق العمل والتخصصات المختلفة.

كما دعا المختص في شؤون التعليم عبر "زوايا" طلبة التوجيهي إلى ضرورة التوجه للكليات المستحدثة والابتعاد عن الكليات التقليدية منها كلية الثروة السمكية الموجودة في جامعات الخارج، مشيراً إلى أن قطاع غزة يفتقر لمثل هذه التخصصات التي تساعد في استغلال المورد البحري.

وأعلنت وزارة التربية والتعليم في فلسطين، في الثالث من شهر أغسطس نتائج "التوجيهي" في جميع الفروع لعام 2021، حيث بلغ عدد المتقدمين في الفروع كافة أكثر من 82 ألفاً مشتركا، وكان عدد الناجحين منهم أكثر من 59 ألفاً بنسبة بلغت (71.37)%.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo