تواجه الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو مرحلة حرجة عقب التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، في ظل جدل داخلي متصاعد حول نتائج حرب استمرت عامين. فبينما يرى الجنرال المتقاعد إسحق بريك أن هدف إسقاط حماس كان غير قابل للتحقيق منذ البداية، يسعى نتنياهو لترتيب أوراقه السياسية واستغلال مراحل الاتفاق لتعزيز موقفه الداخلي.
استقرار الائتلاف الحكومي
يبدو أن ائتلاف نتنياهو بات أكثر استقراراً بعد الاتفاق، إذ لم يعد لدى حزبي سموتريتش وبن غفير مصلحة انتخابية بالانسحاب، خاصة بعد عودة المحتجزين الأحياء دفعة واحدة. غير أن الأحزاب الحريدية (شاس ويهدوت هتوراة) تشكل تحدياً آخر بإصرارها على تمرير قانون إعفاء الحريديم من التجنيد، ما يضع الحكومة أمام معادلة صعبة بين إرضاء هذه الأحزاب والامتثال لقرارات المحكمة العليا.
الموازنة العامة
يمثل إقرار موازنة 2026 قبل نهاية مارس اختباراً حاسماً للحكومة، إذ يؤدي التأخير تلقائياً إلى حل الكنيست وانتخابات مبكرة. ستشهد الموازنة نقاشات حادة وابتزازات محتملة من أحزاب الائتلاف، مع توقعات بتضخم واضح في موازنة الأمن.
الملفات القضائية
تؤثر قضايا الفساد، خاصة "ملف 1000" المعروف بملف الهدايا، في حسابات نتنياهو. كما أن طلب الرئيس الأميركي ترامب المباشر بمنح عفو رئاسي لنتنياهو يضيف بعداً جديداً للمعادلة السياسية، رغم أن صحيفة "هآرتس" تربط ذلك بضرورة تحمل نتنياهو المسؤولية واعتزاله السياسة.
التحديات المؤثرة
تردي اقتصادي
أدت حرب العامين إلى تدهور اقتصادي حاد، ما يضع نتنياهو أمام ضرورة إيجاد صيغ "مرضية" لشرائح واسعة من المجتمع ضمن الموازنة والسياسة الاقتصادية المقبلة.
حراك لم يهدأ
يستمر الشرخ الذي بدأ خلال محاولة الانقلاب القضائي وتعمق طوال الحرب، مع مطالبات متزايدة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث 7 أكتوبر 2023 وإخفاقات الحكومة والأجهزة الأمنية. تتصدى الحكومة لهذه المطالب، لكن أي حراك شعبي واسع قد يزعزع استقرارها.
ضعف المعارضة
تعاني المعارضة البرلمانية من عجز عن بناء بديل واضح لنتنياهو بعد تماهيها مع سياساته تجاه غزة، ما يمنح الحكومة الحالية مساحة للمناورة رغم التحديات.
السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول: استمرار الحكومة حتى موعد الانتخابات المقرر (أكتوبر 2026) في حال نجح نتنياهو في إقرار الموازنة وتمرير التشريعات المقيدة للقضاء، مع تهدئة الأحزاب الحريدية بشأن قانون التجنيد.
السيناريو الثاني: انتخابات مبكرة نتيجة فشل إقرار الموازنة أو انهيار الائتلاف بسبب أزمة قانون التجنيد، أو تصاعد الضغوط الشعبية لتشكيل لجنة تحقيق.
السيناريو الثالث: استغلال نتنياهو لأي تطورات إقليمية أو أمنية لإعادة التصعيد في غزة، بهدف تعزيز موقفه الداخلي وإطالة عمر حكومته.
الخلاصة
يظل المشهد السياسي الإسرائيلي ضبابياً في ظل تفاوت الخلاصات الداخلية بشأن الحرب وتعدد التحديات التي تواجه نتنياهو. يحاول رئيس الحكومة الاستفادة من دعم ترامب وخطة التطبيع الموسعة لتعزيز شرعيته، لكن نجاحه يتوقف على قدرته على الموازنة بين متطلبات ائتلافه المتناقضة، والضغوط القضائية والاقتصادية، والانقسام المجتمعي المتفاقم.