"طوفان الأقصى " في ميزان التكاليف والأرباح

انهيار-اتفاق-وقف-إطلاق-النار-في-غزة-ومستقبل-غامض-ينتظر-القطاع-1024x683.jpeg
انهيار-اتفاق-وقف-إطلاق-النار-في-غزة-ومستقبل-غامض-ينتظر-القطاع-1024x683.jpeg

لا أحد يمكنه الإدعاء أنه يملُك الحقيقة، لكننا تعلمنا في أبجديات التفكير السياسي والوطني اتّباع صوابية الأفكار ومنطق الأشياء بمعزل عن التوجهات الأيدلوجية والسياسية وبمعزل عن التمنيات، 
لأن الأماني شيء والواقع شيء آخر . 

تتناول هذه المقالة، بموضوعية، نتائج الطوفان، من جهة الإنجازات ومن جهة الإخفاقات كذلك، حيث تقتضي المسؤولية الوطنية وضع الطوفان في ميزان الربح والخسارة، ومعالجة ما نتج من دمار، والبناء على ما نتج من إنجازاتٍ بمعزلٍ عن الفارق بين الكارثة والإنجاز . 

انقسم الفلسطينيون حول عملية “الطوفان”، بين من رآها مؤامرة أو مغامرة أو مقامرة، ومن عدّها إنجازًا وطنيًا، لكنّ المطلوب هو تقييم النتائج ومعالجة الكوارث والبناء على ما تحقق.
في معرض الحديث عن الخسائر والإنجازات منذ أكتوبر 2023 حتى منتصف 2025 قُتل أكثر من 65 ألف فلسطيني، ودُمّر 60٪ من مباني غزة، وانهارت البنية الصحية والتعليمية، وبلغت الخسائر المادية نحو 68 مليار دولار، وأصيب الاقتصاد بشللٍ تامٍ وانخفض الناتج المحلي بنسبة 80٪.

يتوقع استمرار أزمة الإعمار في غزة لأكثر من عقد، مع تفاقم الفقر والبطالة والانقسام السياسي، أما بعد 2030 فقد يؤدي النزوح والهجرة إلى فقدان 40٪ من سكان القطاع، وازدياد الأزمات النفسية والاجتماعية وصعوبة قيام دولة فلسطينية مستقلة.

من المستغرب أن يذهب كثيرون للحديث عن عملية الطوفان وكأن الزمن قد توقف عند السابع من اكتوبر ، التوقف عند الحدث والهجوم عليه بمعزل عن معالجة آثاره والبناء على نتائجه يعدّ خللاً كبيرًا في الفهم السياسي؛ فالسابع من أكتوبر 2023 أصبح ماضيًا، والمنطق السياسي والوطني يقول ان تستخلص العبر من هذا الماضي وان نقيس النتائج الكارثية لهذه العملية، ونعمل على معالجة تلك النتائج الكارثية؛ وفي الوقت ذاته نعمل على البناء على أي إنجاز تحقق.

في معرض الحديث عن الإنجازات السياسية والدبلوماسية والشعبية على مستوى العالم، سيما في المجتمع الغربي، من المعروف أن الحركة الصهيونية المعاصرة عملت قبل نشأتها على إعادة تشكيل الذهنية الغربية تجاه المظلومية اليهودية، وبدأ هذا الجهد فعليًا بعد بعض التغيّرات الدينية والاجتماعية في أوروبا الغربية في أواخر القرن السابع عشر، واستمرّ لقرنين تقريبًا، ووُظِّفت لصالح هذا المسعى حركة رأس المال، وبعض التيارات الدينية الإنجيلية والبروتستانتية، ومنظمات الدعاية (الهسبِرا وغيرها)، وأنفقت الحركة مبالغ ضخمة على هذا المشروع تُقدَّر بتريليونات الدولارات وكان هدفها معالجة العداء التاريخي في العقل الغربي نتيجة اتهامات قديمة، والعمل على إيجاد وطن قومي لليهود.

هذه المسافات الزمنية والموارد لم تُبقَ دون أثر، لكنّ آثار السابع من أكتوبر أدت، من جهة، إلى هزّ روايةٍ نشأت عبر سنوات طويلة، وبروز جيل جديد في العالم، خاصة في أوروبا الغربية، بدأ يؤمن بوجود عنف ممنهج وخطر يهدد السلم العالمي. إضافة إلى ذلك، شهد العالم تحولات في المواقف الرسمية والشعبية تجاه القضية الفلسطينية سياسيًا ودبلوماسيًا، أعاد السابع من أكتوبر القضية الفلسطينية إلى واجهة العالم، وارتفع عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى أكثر من 150، وطرحت الأمم المتحدة مشروعًا لعضوية كاملة. تغيّر الخطاب الغربي وبدأ وصف إسرائيل بدولة فصل عنصري، وارتفع التأييد الشعبي لفلسطين في الغرب.

عربيًا، أكدت القمم رفض التطبيع قبل إنهاء الاحتلال، وأُنشئ صندوق لإعمار غزة.
ميدانيًا، كُسرت أسطورة الردع الإسرائيلي واستمرت المقاومة، وتم تحرير نحو أربعة آلاف أسير فلسطيني.
قانونيًا، تحركت دعاوى ضد إسرائيل في المحاكم الدولية، وتصاعدت حملات المقاطعة العالمية (BDS) وانسحبت شركات من السوق الإسرائيلية.
اجتماعيًا، تعززت الوحدة الوطنية، وبرز جيل فلسطيني جديد أكثر وعيًا وتنظيمًا.

آن الأوان أن نرتفع عن الحسابات الضيقة ونتفق بصراحة وشجاعة على حصاد ما تحقق وعلى حجم الخسارة، هذا الاتفاق ليس نهاية السرد بل بدايته: نؤسس لبرنامج وطني شامل يحمينا ويعيد لنا حقوقنا، برنامج يسند المواطن قبل أن يقوّي المؤسسة، ويوازن بين مقاومة الاحتلال واستثمار كل الوسائل الدولية والقانونية للحصول على العدالة، لنجعل من المصاب وقودًا لوطنية جديدة: وحدة واضحة، خطة عملية، وإرادة لا تلين.

السابع من أكتوبر محطة فاصلة بين خسائر فادحة وإنجازات وطنية ودولية ملموسة. والمطلوب اليوم برنامج وطني شامل يوازن بين المقاومة والعمل السياسي والقانوني، ويحوّل المأساة إلى طاقة لوحدة وإرادة فلسطينية جديدة. 
وما دون ذلك عبث سياسي.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo