تقدير موقف

أسباب النجاح والفشل.. قمة شرم الشيخ فرصة هشة أم نقطة تحول

تقدير موقف
تقدير موقف

تُعقد اليوم 13 أكتوبر 2025 قمة دولية في شرم الشيخ بمشاركة أكثر من 20 زعيماً بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بهدف دعم جهود السلام في غزة. تأتي القمة في توقيت حرج بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، لكنها تواجه تحدياً جوهرياً: غياب الأطراف الرئيسية في النزاع (إسرائيل وحماس) عن المشاركة الرسمية.

قراءة في المشاركات والغيابات

مشاركة الرئيس الأمريكي ترامب و20 زعيماً تعكس:

  • أهمية استراتيجية قصوى للملف في الأجندة الدولية
  • محاولة واشنطن قيادة المسار السياسي بعد الدعم العسكري للاحتلال (22 مليار دولار)
  • رغبة في تحويل اتفاق وقف النار إلى تسوية سياسية شاملة

الغياب الإسرائيلي: دلالات متعددة

رفض إسرائيل المشاركة رسمياً يحمل رسائل واضحة:

1- الرفض السياسي للمسار:

  • عدم الاستعداد للالتزام بأي تفاهمات دولية قد تقيد حريتها
  • تحفظ على أي دور للمجتمع الدولي في تحديد مستقبل غزة
  • الضغوط اليمينية الداخلية ترفض التنازلات

3- التناقض الاستراتيجي:

  • إسرائيل تريد إنهاء الحرب لكن بشروطها الخاصة
  • رفض السماح للسلطة الفلسطينية بإدارة غزة يعقّد أي حل مستدام
  • الغياب يعني عدم الرغبة في تحمل التزامات دولية واضحة

حضور محمود عباس: فرصة وتحدٍّ

المشاركة الفلسطينية عبر السلطة تحمل أبعاداً متناقضة:

الفرصة:

  • إعادة السلطة الفلسطينية إلى معادلة غزة
  • الحصول على دعم دولي لدور السلطة في إعادة الإعمار
  • تعزيز الشرعية الدولية للقيادة الفلسطينية

التحدي:

  • الاعتراض الإسرائيلي الصريح على دور السلطة
  • الانقسام الفلسطيني الداخلي بين فتح وحماس
  • ضعف قدرة السلطة على فرض سيطرتها في غزة دون توافق

تحليل الأهداف المعلنة

  1. تأطير الاتفاق دولياً

الهدف: إضفاء شرعية واسعة على تفاهمات وقف النار

التقييم:

  • صعوبة تحقيق الهدف دون حضور الطرفين الرئيسيين
  • الشرعية الدولية لا تضمن التنفيذ على الأرض
  • قد يتحول الأمر لمجرد دعم أدبي دون آليات إنفاذ

2-تشكيل تحالف لإعادة الإعمار

الواقعية: هذا الهدف قابل للتحقق أكثر من غيره

المؤشرات الإيجابية:

  • الدول الخليجية قد تساهم مالياً
  • الاتحاد الأوروبي لديه تجربة في دعم إعادة الإعمار
  • مصر والأردن مهتمتان باستقرار غزة

التحديات:

  • من سيدير عملية الإعمار؟
  • كيف يتم منع استخدام الأموال للفصائل؟
  • ما الضمانات لعدم تدمير ما يُعاد بناؤه؟

3- صياغة آلية مدنية لإدارة غزة

أخطر ملف في القمة لأنه يمس جوهر الصراع:

السيناريوهات المطروحة:

  • إدارة دولية مؤقتة (مرفوضة من حماس وإسرائيل)
  • تمكين السلطة الفلسطينية (مرفوضة إسرائيلياً)
  • لجنة محلية تحت إشراف دولي (معقدة وغير واضحة)
  • إدارة عربية مشتركة (تحتاج لموافقة جميع الأطراف)

التحديات الجوهرية

  1. فجوة التنفيذ

القمة قد تُنتج قرارات وتوصيات، لكن:

  • غياب آليات إلزامية للتنفيذ
  • عدم وجود قوة إنفاذ دولية مقبولة من الجميع
  • الفيتو الإسرائيلي على أي ترتيبات لا تناسبها
  1. الضغوط الداخلية الإسرائيلية

الواقع السياسي:

  • اليمين الإسرائيلي يرفض أي تنازلات
  • الحكومة الحالية تواجه ضغوطاً شعبية بسبب الخسائر (1,973 قتيلاً)
  • القبول بدور دولي يُعتبر ضعفاً سياسياً داخلياً

3- الانقسام الفلسطيني

  • حماس لن تقبل بحلول لا تشارك فيها
  • السلطة الفلسطينية تفتقر للقوة لفرض أمر واقع
  • المواطن الفلسطيني في غزة يحتاج حلولاً عاجلة بغض النظر عن الخلافات السياسية

4-المخاوف الإقليمية

إيران وحلفاؤها:

  • يرون في أي تسوية تهميشاً لنفوذهم
  • قد يعملون على إفشال التنفيذ

الدول العربية:

  • تريد استقراراً لكن دون أعباء سياسية ثقيلة
  • خشية من الانجرار لمواجهة مع إيران أو تحمل مسؤولية الفشل

السيناريوهات المحتملة

السيناريو الأول: نجاح جزئي

المخرجات المتوقعة:

  • إعلان دعم دولي لإعادة إعمار غزة
  • تشكيل صندوق تمويل دولي
  • تعهدات بمليارات الدولارات
  • توصيات عامة حول الحوكمة

لكن دون:

  • آليات تنفيذ واضحة
  • اتفاق على من يدير غزة
  • التزامات إسرائيلية محددة بالانسحاب

السيناريو الثاني: فشل دبلوماسي

إذا فشلت القمة في إنتاج مخرجات ملموسة:

  • تآكل المصداقية الدولية
  • عودة التصعيد بعد انتهاء الهدنة
  • تعميق اليأس لدى الفلسطينيين

السيناريو الثالث: اختراق نوعي

يتطلب:

  • ضغطاً أمريكياً حقيقياً على إسرائيل
  • توافقاً فلسطينياً داخلياً
  • قبولاً إقليمياً بصيغة حوكمة مبتكرة

الدور الأمريكي: محوري لكن معقد

نقاط القوة الأمريكية:

  • النفوذ الاقتصادي والعسكري
  • القدرة على الضغط على جميع الأطراف
  • السيطرة على مسار التفاوض

التحديات التي تواجه واشنطن:

  • التوازن بين دعم إسرائيل والضغط عليها
  • إدارة التوقعات العربية والدولية
  • تجنب الانسحاب المبكر من الملف

اختبار إدارة ترامب:

مشاركة ترامب شخصياً تعني:

  • رغبة في إنجاز دبلوماسي كبير
  • لكن هل لديه الصبر لمتابعة التنفيذ؟
  • نمطه التفاوضي قد يناسب "الصفقات الكبرى" لا التفاصيل المعقدة

المصالح المتقاطعة والمتعارضة

مصر:

المصلحة: استقرار حدودها الشرقية ودور محوري في الترتيبات التحدي: عدم الرغبة في تحمل مسؤولية كاملة عن غزة

قطر:

المصلحة: الحفاظ على دور الوساطة وعلاقتها بحماس التحدي: الموازنة بين علاقاتها الأمريكية والإقليمية

دول الخليج:

المصلحة: إنهاء حالة عدم الاستقرار الاستعداد: تقديم دعم مالي دون التورط سياسياً

تركيا:

المصلحة: دور إقليمي وعلاقة بحماس التحدي: تحسين العلاقات مع إسرائيل مع دعم الفلسطينيين

مؤشرات النجاح والفشل

مؤشرات النجاح:

  • إعلان صندوق إعادة إعمار بتمويل محدد
  • اتفاق مبدئي على آلية حوكمة انتقالية
  • جدول زمني للانسحاب الإسرائيلي
  • آلية مراقبة دولية مقبولة

مؤشرات الفشل:

  • بيانات عامة دون التزامات محددة
  • غياب الاتفاق على الحوكمة
  • رفض إسرائيلي صريح لمخرجات القمة
  • عدم تحديد مصادر التمويل

التوصيات:

للمجتمع الدولي:

  1. التركيز على الإعمار الفوري كمدخل عملي
  2. إنشاء آلية رقابة شفافة لاستخدام الأموال
  3. ربط الدعم المالي بخطوات سياسية ملموسة
  4. تشكيل قوة مراقبة دولية محايدة

للأطراف الإقليمية:

  1. تقديم ضمانات أمنية متبادلة
  2. دعم المصالحة الفلسطينية الداخلية
  3. تنسيق الأدوار لتجنب التنافس المدمر
  4. الاستعداد لمشاركة طويلة الأمد

للسلطة الفلسطينية:

  1. تقديم خطة واضحة لإدارة غزة
  2. البحث عن صيغة توافقية مع حماس
  3. إثبات القدرة على الحوكمة الرشيدة
  4. ضمان عدم التحول لأداة في يد أي طرف

خلاصة التقدير

قمة شرم الشيخ تمثل فرصة ضائعة محتملة أكثر منها نقطة تحول:

لماذا قد تفشل؟

  1. غياب الأطراف الرئيسية (إسرائيل وحماس)
  2. عدم وجود آليات إنفاذ حقيقية
  3. الانقسامات الداخلية الإسرائيلية والفلسطينية
  4. تعقيد الملفات الأمنية والسياسية

لماذا قد تنجح جزئياً؟

  1. الزخم الدولي غير مسبوق
  2. حاجة جميع الأطراف للتهدئة (حتى لو مؤقتة)
  3. توفر تمويل محتمل للإعمار
  4. الإرهاق من الحرب الطويلة

الخلاصة النهائية:

القمة ستنجح على الأرجح في جمع الأموال والتعهدات، لكنها ستفشل في حل المعضلة الأساسية: من يحكم غزة وكيف؟

التحدي الحقيقي ليس في شرم الشيخ اليوم، بل في الأسابيع والأشهر القادمة عندما يتعين تنفيذ أي اتفاقات. بدون ضغط أمريكي حقيقي ومستمر على إسرائيل، وبدون مصالحة فلسطينية داخلية، ستبقى أي مخرجات للقمة حبراً على ورق.

السؤال المحوري: هل المجتمع الدولي مستعد لتحويل الزخم السياسي إلى مسار تنفيذي ملزم؟ التاريخ يقول: نادراً ما يحدث ذلك في القضية الفلسطينية.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo