في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتوسع العمليات العسكرية لتشمل اجتياح المدن الفلسطينية، تواجه إسرائيل تحولاً جذرياً في موقعها الدولي. فبينما تحتفظ بتماسك نسبي على الصعيد الداخلي ودعم أمريكي مستمر، تتزايد عزلتها الدولية بوتيرة متسارعة، مما يجعلها، كما وصفها المراسل السياسي إيتمار آيخنر من صحيفة "يديعوت أحرونوت"، "دولة منبوذة".
أولاً: مظاهر النبذ الدولي
1- المقاطعة الاقتصادية والتجارية
تشهد إسرائيل تصاعداً في المقاطعة الاقتصادية تتمثل في:
- تعليق بنود في اتفاقيات التجارة مع عدة دول
- إعادة فرض رسوم جمركية على السلع الإسرائيلية كرد على الحرب في غزة والانتهاكات في الضفة الغربية
- إلغاء صفقات شراء الأسلحة من إسرائيل من قبل عدة دول
2- العزلة الثقافية والفنية
تتلقى الثقافة الإسرائيلية ضربات موجعة تشمل:
- دعوات واسعة النطاق لمقاطعة التعاون الثقافي مع إسرائيل تذكر بمقاطعة جنوب أفريقيا في عهد الأبارتهايد
- مواجهة الفرق الموسيقية الإسرائيلية صعوبات في المشاركة بالمهرجانات الدولية
- انسحاب إسبانيا من مسابقة الأغنية الأوروبية (اليوروفيجن) 2026 في حال شاركت إسرائيل
- انضمام هولندا وأيرلندا وسلوفينيا لتهديدات المقاطعة، مع تصاعد أصوات مشابهة في آيسلندا
3- المقاطعة الرياضية
تواجه الرياضة الإسرائيلية تهديدات جدية تشمل:
- محاولات منع الفرق الإسرائيلية من المشاركة في البطولات الأوروبية
- تهديدات بالاستبعاد الكامل من بطولة أوروبا لكرة القدم
- إمكانية المنع من المشاركة في الألعاب الأولمبية، على غرار العقوبات المفروضة على روسيا بعد الحرب الأوكرانية
4- الحصار الأكاديمي والعلمي
تتسارع المقاطعة الأكاديمية بما وصفته لجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية بـ"التهديد بفرض حصار علمي على إسرائيل"، والذي يشمل:
- إبعاد إسرائيل من برامج البحث الأوروبية
- مقاطعة الباحثين الإسرائيليين في الجمعيات الأكاديمية المهنية
- قطع العلاقات ووقف التعاون بين المؤسسات الأكاديمية
- وقف التعاون مع أعضاء هيئات التدريس الإسرائيلية
5- حظر الأسلحة والعتاد العسكري
منذ تموز/يوليو 2025، أوقفت مجموعة متزايدة من الدول بيع السلاح لإسرائيل أو قللت منه:
- سلوفينيا: أول دولة فرضت حظراً كاملاً
- إيطاليا وإسبانيا وكندا وهولندا والمملكة المتحدة وبلجيكا
6- القيود على السفر والسياحة
تشهد حرية الحركة الإسرائيلية تراجعاً ملحوظاً:
- تهديدات بإلغاء اتفاقيات الإعفاء من التأشيرة (رغم تمتع الإسرائيليين حالياً بإعفاء في 131 دولة)
- ظهور قيود فعلية في أمريكا الجنوبية، الوجهة المفضلة للمسرحين من الجيش
- نشر أسماء الجنود على شبكات التواصل الاجتماعي مما اضطرهم للمغادرة سراً خوفاً من الاعتقال
- إلغاء حجوزات Airbnb والفنادق لمجرد كون الشخص إسرائيلياً
ثانياً: الاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية
يشكل الاعتراف المتواتر بالدولة الفلسطينية من قبل عدد متزايد من الدول أحد أبرز مظاهر تآكل الموقف الإسرائيلي دولياً، مما يعكس تحولاً في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية.
ثالثاً: العوامل المساهمة في استمرار السياسة الإسرائيلية
1- التماسك الداخلي النسبي
- رغم النبذ الدولي المتزايد، تحتفظ إسرائيل بتماسك داخلي نسبي:
- غياب حركة احتجاجية فعالة ضد السياسات الحكومية
- استمرار الدعم الشعبي للعمليات العسكرية
2- الدعم الأمريكي المستمر
يبقى الدعم الأمريكي العامل الأبرز في استمرار السياسة الإسرائيلية:
- استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار مجلس الأمن الدولي المطالب بوقف إطلاق النار
- تفضيل الرئيس ترامب منح نتنياهو فرصة أخرى
- التقدير السائد بعدم وجود تحول في هذا الوضع إلا بتغير الموقف الأمريكي
3- الحسابات السياسية الداخلية لنتنياهو
تشير قرارات وتصريحات نتنياهو إلى اعتماده على استراتيجية استمرار الحرب:
- رفض المقترحات الأمريكية بشأن صفقات تبادل الأسرى
- الإصرار على اجتياح مدينة غزة رغم المعارضة المهنية داخل المؤسسة الأمنية
- تجاهل صرخات عائلات الأسرى الإسرائيليين
- الإعلان عن نية تحويل إسرائيل إلى "سوبر-إسبارطة" اقتصادياً مكتفية ذاتياً
رابعاً: التناقض بين المعارضة المهنية والقرار السياسي
يكشف التوغل في غزة عن تناقض صارخ بين التقييم المهني والقرار السياسي:
- اعتبار أوساط مهنية في المؤسسة الأمنية أن العملية مجازفة غير محمودة العواقب
- جدال رئيس هيئة الأركان الجنرال إيال زامير مع نتنياهو حتى اللحظة الأخيرة
- استمرار الضغط من أجل إبرام صفقة تبادل أسرى بدلاً من التصعيد العسكري
تقدير المسار المستقبلي
تشير المؤشرات الحالية إلى أن إسرائيل تواجه تحولاً جوهرياً في موقعها الدولي، حيث تتزايد عزلتها على نطاق واسع يشمل جميع مناحي الحياة. هذا التحول، الذي يحمل تشابهات مع ما واجهته جنوب أفريقيا في عهد الأبارتهايد، يعكس تغيراً عميقاً في الرأي العام العالمي.
غير أن استمرار الدعم الأمريكي والتماسك الداخلي النسبي يمنحان القيادة الإسرائيلية هامشاً للمناورة، بينما تراهن على أن التحديات الخارجية ستعزز من موقف نتنياهو كـ"الرجل المناسب" لمواجهة هذه التحديات.
يبقى السؤال الأساسي حول مدى قدرة إسرائيل على تحمل تكاليف هذه العزلة المتزايدة في المدى الطويل، وما إذا كان التماسك الداخلي والدعم الأمريكي كافيين لمواجهة ضغط دولي متصاعد يطال جميع جوانب الحياة الإسرائيلية.