كل مرحلة يمر بها الشعب الفلسطيني تحمل جينات تلك المرحلة في تركيبته التاريخيّة والسياسية. مررنا بالاحتلال بالمقاومة بالحصار ثم بالدمار المتدرج؛ وصلنا اليوم إلى مرحلة الإبادة والتطهير العرقي والتهجير الشامل. ومع ذلك لكل زمنٍ مناحيه والمرحلة القادمة إذا أردنا أن نسمِّيها بالحرف فهي: إحلال الحق ليس انتقامًا بل استردادًا للعدالة التي تأخرت طويلاً.
الفلسطيني لم يعد يُقتل فقط صار مطلوبًا منه أن يقدّم “ورقة رسمية” تُثبت إنسانيته. شهادة ميلاد شهادة وفاة بيان قاضي ليتأكد العالم أنه يستحق أن يتنفس. بينما القاتل يُمنَح إعفاءً قانونيًا وسياسيًا يُترجم إلى ضوء أخضر على أرض الواقع. هذه هي القسوة: أن تحول الضحية إلى متهم، والمجرم إلى صاحب امتياز
التطبيع ما نفعش
هل تطبيعكم… حمى قطر من قصف إسرائيلي؟
هل صفقاتكم… منعت تل أبيب من التهديد لو بضرب “المقدسات” في السعودية… أو أي عاصمة عربية؟
هل سفاراتكم المفتوحة… جعلت إسرائيل تتردد قبل أن تدمر مسجداً… أو تُطلق صاروخاً على ميناء؟
الإجابة؟ لا.
لأن التطبيع لم يُربّع معادلة… بل أزال الصفر من الميزان.
إسرائيل لا تخشى “الغضب العربي”… لأنها تعرف: الغضب مُربوط بخيط من رضوخ.
والتهديد بضرب المقدسات؟ مجرد “تمرين بلاغي”… لأن إسرائيل تعرف… لن يكون هناك رد.
الوقت = رصيد إبادة
أعظم سلاح منحه الغرب لإسرائيل… لم يكن صاروخاً… بل الوقت والزمن إضافي.
ترامب منحها “إجازة إبادة” بحجة “ما فيش شريك”…
وقبلو بايدن مدد الترخيص… “لأن الهدوء مطلوب… حتى لو كان هدوء القبور”.
هذا “الوقت” لم يكن فرصة للسلام… بل رصيد إضافي في حساب الإبادة… يُحسب ثانية بثانية… كديون حرب… لن تُدفع إلا بالدم… أو بالحساب.
اعتراف؟ مجرد صفحة تزيين
اعترافات الدول الكبرى بفلسطين “دولة”؟
جميل… لكنه لا يرقى لمنسوب الدم الذي سُفك… ولا يُعيد شهيداً… ولا يوقف قنبلة.
إنه مجرد “صفحة تزيينية” في كتاب أوروبا عن “حقوق الإنسان”… تُضاف بعد فوات الأوان… كتعويض نفسي عن قرن من التواطؤ.
دولة على الورق… وشعب يُدفن تحت الحجر.
ماذا يساوي “الاعتراف”… إذا لم يُترجم إلى حماية… عقوبات… مساءلة… ووقف للإبادة؟
لا شيء.
إلا إذا قررت أوروبا أن تُمزّق الصفحة… وتكتب فصلاً جديداً… بأفعال… لا ببيانات.
كفى… بس ما حد سامع
“إحلال الحق”… ليس شعاراً…
بل فاتورة متأخرة… مكتوبة بدم… ومُوجّهة لكل من خان… وساوم… وفرّط.
والفلسطيني اليوم… ليس “قضية”…
بل اختبار أخلاقي وجودي لكل دولة وقعت اتفاقية… وفتحت سفارة… وصافحت جنرالاً فوق أنقاض غزة.
“ما بعد العسر يسر”…
لكن هذا اليسر… لن يجيء بالتطبيع…
بل بالحق… المُصان…
وبالسياسة… التي تجرؤ أن تقول:
“كفى… كفى… كفى.” اننا امام مصير مجهول حيث خلّفت الإبادة أكثر من 65 ألف شهيد و166 ألف مصاب، كما استشهد جراء التجويع 442 فلسطينيا، بينهم 147 طفلا، وفق أحدث إحصاءات وزارة الصحة في قطاع غزة
لو كان الفلسطيني في فيلم… لكان “التجربة الإنسانية الوحيدة في التاريخ التي يُطلب منها تقديم شهادة ميلاد… وشهادة وفاة… وشهادة حُسن سلوك… لإثبات أنها تستحق أن تعيش”.
بينما القاتل؟ يُمنح شهادة “امتياز في الإفلات من القانون الدولي”… مع توصية: “يُستنسخ في مناطق صراع أخرى”.
الفيلم لا ينتهي… لأنه لا يُسمح له أن ينتهي…
والمشاهد؟ العالم العربي المطبّع… الذي يُصفّق أحياناً… ويُصدر بيانات… ثم يعود لتوقيع صفقة جديدة.
زاوية حادة تسئل
قبل أن تصبح فلسطين “حالة أرشيف”… اسألوا أنفسكم:
هل ستُدرّسون لأبنائكم أن التطبيع كان “خياراً استراتيجياً”؟
أم “خيانة… مُقنّعة ببدلة دبلوماسية”؟