يمثل المسار الإسرائيلي الممتد منذ عام 1967 حتى اليوم انتقالاً متدرجاً ومدروساً من الاستيطان إلى الضم الفعلي، بحيث لم تعد سياسات الاحتلال مجرد خطوات مرحلية لتغيير الواقع على الأرض، بل تحولت إلى استراتيجية حسم صهيونية تسعى إلى فرض وقائع لا رجعة عنها. "طوفان الأقصى" جاء ليمنح اليمين الفاشي الإسرائيلي غطاءً إضافياً لتسريع هذا المسار، مستنداً إلى معادلة "الفرصة التاريخية + ضعف الخصوم + دعم الحلفاء".
عناصر الاستراتيجية الإسرائيلية
الهيمنة الجغرافية:
- مصادرة الأرض وبناء المستوطنات (أكثر من مليون مستوطن اليوم).
- شق الطرق الالتفافية وعزل التجمعات الفلسطينية.
- السيطرة على مناطق استراتيجية كالأغوار وجنوب الضفة.
التحكم بالموارد:
- السيطرة الكاملة على الأحواض المائية والمناطق الزراعية.
- إضعاف قدرة الفلسطينيين على تطوير اقتصاد مستقل.
الهندسة الديموغرافية:
- خلق واقع "صراع مدني" بين المستوطنين والفلسطينيين.
- تحويل الجيش الإسرائيلي إلى "وسيط" يسمح بتسليح المستوطنين.
التدرج المرحلي للضم:
- تجنب إعلان الضم الشامل منعاً للضغط الدولي.
- اعتماد سياسة "القضم التدريجي" لأجزاء واسعة (80% من الأرض مقابل أقل من 20% للسكان الفلسطينيين).
- محددات البيئة الدولية والإقليمية
الدعم الأمريكي المطلق:
- ضمانة استراتيجية لتمرير أي خطوات دون عقاب فعلي.
- فارق بين الجمهوريين (تأييد متحمس) والديمقراطيين (اعتراض لفظي).
الانهيار العربي:
- التطبيع عبر "اتفاقات أبراهام" منح إسرائيل غطاءً إقليمياً.
- غياب أي ضغط عربي فعلي، وتحول بعض الدول إلى شريك في إعادة صياغة المشهد الإقليمي لصالح تل أبيب.
الانقسام الفلسطيني:
- الانقسام البنيوي بين غزة ورام الله شلّ قدرة الفلسطينيين على صياغة استراتيجية موحدة.
- تحول الانقسام إلى "مصلحة ذاتية" لكل طرف، ما سهّل على إسرائيل تسريع مشاريع الضم.
الموقف الأوروبي:
- خطاب انتقادي ضعيف وغير ملزم.
- خضوع دائم للقرار الأمريكي، مع تراجع المواقف حتى عن الحد الأدنى السابق.
التحديات والقيود أمام إسرائيل
تسونامي الغضب الشعبي العالمي:
- بعد حرب الإبادة على غزة، تشكلت موجة تضامن شعبية عالمية.
- اتساع حركة المقاطعة (BDS) وصعود خطاب حقوق الإنسان ضد الاحتلال.
التوترات الداخلية الإسرائيلية:
- الاستيطان والضم يفاقمان الانقسام الداخلي (أمني – سياسي – اجتماعي).
- الجيش الإسرائيلي يعارض أحياناً هذا التوجه خشية "فخ مميت" يضر بالمصالح الاستراتيجية.
المأزق القانوني الدولي:
- تصاعد توصيف إسرائيل كـ"دولة فصل عنصري وإبادة جماعية".
- احتمال فرض عزلة متنامية قد تُحرج الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين.
السيناريوهات المحتملة
الضم المرحلي (الأرجح):
- يبدأ بالأغوار ومناطق مختارة جنوب الضفة.
- فرض "كيان إداري فلسطيني" محاصر لا يتجاوز 20% من الأرض.
- إبقاء السلطة الفلسطينية في دور خدماتي محدود تمهيداً لتفكيكها.
الضم الشامل (مستبعد حالياً):
إعلان قانوني ورسمي للضم، لكنه محفوف بمخاطر عزلة دولية وضغط أمريكي.
إدارة الصراع دون ضم معلن:
- استمرار الاستيطان وخلق وقائع ميدانية دون إعلان سياسي واضح.
- إبقاء الوضع مفتوحاً للضغط والمساومات الإقليمية.
التداعيات الاستراتيجية
على الفلسطينيين:
- تهجير تدريجي، حصار كياني للمؤسسات الفلسطينية، وانسداد أفق الحل السياسي.
- تنامي المقاومة الشعبية والمسلحة كرد فعل طبيعي.
على الإقليم:
- توتير علاقات إسرائيل مع دول عربية رغم التطبيع.
- خلق بيئة خصبة للتطرف وعدم الاستقرار.
على إسرائيل نفسها:
- مكاسب جغرافية وديموغرافية قصيرة الأمد.
- مخاطر عزلة دولية وتحميلها صفة "دولة أبارتهايد" رسمياً.
الخلاصة
إسرائيل تتحرك وفق استراتيجية الضم المرحلي، مستفيدة من الدعم الأمريكي، والانهيار العربي، والانقسام الفلسطيني. لكنها تواجه لأول مرة بيئة دولية تتشكل فيها موجة غضب شعبي وسياسي ضدها، ما قد يفرض عليها إعادة حساباتها. النتيجة المتوقعة: توازن هش بين طموحات الضم ومخاطر العزلة، مع استمرار مأساة الفلسطينيين في إطار مشروع "تهجير بطيء" مرشح للتصاعد.