ترامب يحصي الرهائن… وإسرائيل تكذّب المجاعة

نتنياهو وترامب
نتنياهو وترامب

عندما تكذب السياسة تصبح المجاعة “مؤامرة” والرهائن “دعاية” في واشنطن لا صوت يعلو فوق صوت الديمقراطية… إلا إذا جاء من تل أبيب هناك تُطبخ القرارات على نار هادئة: بيانات قلق، ثم بيانات أشد قلقًا، ثم نوم عميق. أما الدم الفلسطيني؟ فمجرد خبر جانبي في نشرات المساء لا يفسد ودّ التحالفات ولا يغيّر قواعد اللعبة.

منذ أوسلو وحتى اليوم، تتقن الولايات المتحدة لعبة "حل الدولتين" على طريقة الوجبات السريعة: صور بروتوكولية توقيعات أنيقة ووعود براقة لكن على الأرض صفر أفعال. الجديد اليوم أن واشنطن لم تعد حتى تتظاهر بالحياد. السفير الأمريكي في إسرائيل يغرد بحرية على منصة "إكس"، يهاجم الأمم المتحدة ويتهمها بالفساد وسوء الكفاءة، بينما تقرير المنظمة عن مجاعة غزة في نظر إسرائيل مجرد "كذبة" وتبدأ لعبة تبادل اللوم: "لسنا نحن من نحاصر غزة، بل مصر والأردن وبعض دول العريبة !" هكذا تحاول إسرائيل أن تلبس عباءة الضحية وتستفيد من صمت رسمي عربي يخلط الحقائق.

لكن الحقائق لا تُكذَّب إلى الأبد. الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تؤكد أن القطاع يحتاج إلى نحو 600 شاحنة مساعدات يوميًا على الأقل لتلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان كم تسمح إسرائيل بالدخول؟ جزء ضئيل – أحيانًا نحو مئة شاحنة – مع تسويق ذلك كإنجاز إنساني عظيم. وفي الوقت ذاته، تحاول ترويج رواية أن المعابر والمعوقات من فعل العرب بينما هي التي تتحكم بالمعابر والبحر والسماء دول الخليج مصر، والأردن يرسلون مساعدات بالفعل رغم العقبات، لكن الحصار الحقيقي قرار إسرائيلي بامتياز تُستخدم فيه لغة "الأمن" كذريعة لتجويع جماعي.

وفي هذه الأجواء الملبدة يطلّ دونالد ترامب من ليضيف جرعة من الإثارة: "الأحياء من الرهائن أقل من عشرين." لا أحد يصحح الرقم ولا أحد يسأل عن مصدره. إسرائيل لا تؤكد، حماس لا تنفي، وواشنطن تصمت. في نهاية المطاف تحوّل ملف الرهائن إلى وقود في معركة دعائية والضحية الكبرى شعب كامل يُباد تحت عنوان "إعادتهم أحياء". كأن حياة مليونَي إنسان معلقة برقم انتخابي يعلنه ترامب في خطاب عابر.

والأنكى أن حماس، رغم إعلانها أو مبادرتها لوقف الحرب في أكثر من مرحلة لم تحصد سوى اجتياح جديد. اجتياح يُقدَّم في الرواية الإسرائيلية على أنه "نصر"، بينما هو في الواقع مزيد من الدم والأنقاض وعداء يتراكم ويُولّد مقاومة جديدة في كل دورة عنف فهل هذا النصر يعيد الرهائن؟ أم يعيد إنتاج الكراهية والصراع لعقود قادمة؟

في تل أبيب المظاهرات اليومية لعائلات الرهائن تملأ الشوارع. يصرخون ضد نتنياهو، يطالبون بإنقاذ أحبائهم، ينتقدون الحكومة. لكن هل نجحوا في تغيير قناعات اليمين المتطرف الذي يتحكم بالمشهد السياسي؟ الأرجح لا كل ذلك يبدو أقرب إلى ديكور ديمقراطي أمام كاميرات العالم. أما في كواليس الحكم فاليمين يهدد بالانسحاب، وسقوط الحكومة يعني سقوط نتنياهو بين يدي القضاء، لكن المشهد يظل ضبابيًا لأن الرابط العضوي بين واشنطن وتل أبيب يمنع أي مراجعة حقيقية أو محاسبة جدية.

الأكثر سخرية أن إسرائيل تُنكر تقارير الأمم المتحدة عن المجاعة وتتهم العرب بالحصار بينما واشنطن تواصل بيانات القلق السياسة تتحول إلى مسرح عبثي: إسرائيل تلعب دور الضحية، ترامب يطلق أرقامًا غير مؤكدة، والواقع أن غزة تموت جوعًا تحت القصف والحصار والعالم يتفرج. هنا تسئل زاوية حادة السؤال

هل ننتظر من إدارة أمريكية – أكانت إدارة ترامب العائد أم أي إدارة تعيش على أوكسجين اللوبيات – أن توقف المجزرة؟ أم نسأل سؤالاً أكثر سخرية: إذا سقطت حكومة نتنياهو غدًا هل ستحاكمه تل أبيب كمجرم حرب؟ أم تمنحه وسام "بطل الأمن القومي" مع كذبة جديدة من ترامب عن عدد الرهائن؟

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo