رهائن وخرائط

تقدير موقف: "صفقة غزة الكبرى": مبالغات إعلامية أم فرصة حقيقية؟

فلسطيني يحمل اطفاله على ظهره اثناء إخلاء منزله
فلسطيني يحمل اطفاله على ظهره اثناء إخلاء منزله

يشهد المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط حالة من التفاؤل الحذر حول إمكانية التوصل لتسوية شاملة تنهي الحرب في غزة بعد ما يقرب من عامين.

هذا التفاؤل برز بوضوح عقب انتهاء المواجهة الـ12 يومًا بين إسرائيل وإيران، والتي جاءت في وقت كانت فيه مفاوضات الهدنة تعاني من حالة ركود وانسداد في الأفق.

تتميز المناقشات الحالية حول الصفقة بأنها تتجاوز مجرد وقف إطلاق النار في غزة، لتشمل إطارًا أوسع على المستوى الإقليمي يتضمن توسيع اتفاقات التطبيع المعروفة بـ"اتفاقات إبراهام" مع دول إقليمية إضافية.

أبعاد متعددة

1- الإقليم غير مستعد

التحدي الأساسي: البيئة الجيوسياسية في الإقليم غير جاهزة حاليًا لتحول بهذا الحجم والتعقيد.

المؤشرات الرئيسية:

تدخل الرئيس ترامب بتلويحه بتعليق المساعدات لإسرائيل في حالة استمرار محاكمة نتنياهو

استعداد نتنياهو للانخراط في خطة ترامب للمنطقة بشكل كامل

احتمالية إجراء انتخابات إسرائيلية مبكرة لاستبدال الطاقم المتطرف

ارتفاع شعبية نتنياهو عقب حرب الـ12 يومًا مع إيران

2- مسار التطبيع اللبناني

التحديات:

  • المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل بعد حربها مع حزب الله تضع علامات استفهام حول مسار التطبيع
  • الحكومة اللبنانية تعتبر بقاء إسرائيل في هذه المناطق عائقًا أمام تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار

عوامل ضاغطة:

  • الأزمة الاقتصادية في لبنان قد تدفعها لقبول صيغة تضمن ترسيم الحدود البرية
  • إمكانية تسهيل حصول لبنان على قرض من صندوق النقد الدولي
  • حزمة مغريات أخرى قد تكون كفيلة بتمرير سيناريو التطبيع

3- شروط حركة حماس

المطالب المحورية:

  • عدم المساس بالمكتب السياسي أو التعرض لأعضائه في الخارج
  • عدم مصادرة أو احتجاز أموال الحركة
  • وجود ممثلين للحركة في إدارة غزة وقطاع الأمن مستقبلًا
  • ضمان أمريكي بإنهاء الحرب
  • السيطرة على معبر رفح

النقاط الخلافية المستمرة:

  • إصرار حماس على تطبيق آلية الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات
  • مطالبة بانسحاب إسرائيل من جميع المناطق المحتلة بعد 1 مارس 2025
  • رفض إسرائيل للعودة للآلية القديمة في توزيع المساعدات
  • رفض إسرائيل الانسحاب من محور "موراج" لاعتبارات استراتيجية
  • احتمال تجدد المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية

المؤشرات الخطيرة:

  • تأكيد إيران عدم تدمير برنامجها النووي
  • تهديد إسرائيل والولايات المتحدة بالتصعيد العسكري
  • منع إيران مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول للمواقع المستهدفة
  • اتهامات أمريكية بنقل أنشطة التخصيب إلى مواقع أخرى

التداعيات المحتملة:

  • دخول حزب الله على خط التصعيد
  • تصعيد إيراني في مناطق أخرى ضمن نطاق المصالح الأمريكية في الخليج
  • مخاوف دول الخليج من تكرار سيناريو حرب الخليج الأولى

التقييم الاستراتيجي

نقاط القوة:

  • الزخم السياسي بعد تولي ترامب الرئاسة
  • وجود رغبة إقليمية في الاستقرار
  • الضغوط الاقتصادية على عدة أطراف

نقاط الضعف:

  • عدم جاهزية البيئة الجيوسياسية الإقليمية
  • التعقيدات الداخلية في كل طرف من الأطراف
  • استمرار الخلافات الأساسية حول البنود الجوهرية

الفرص المتاحة:

  • الرغبة الأمريكية في تحقيق إنجاز دبلوماسي
  • الحاجة الإقليمية لتهدئة التوترات
  • إمكانية ربط التسوية بحوافز اقتصادية

التهديدات المحتملة:

  • تجدد التصعيد الإيراني-الإسرائيلي
  • عدم استقرار الوضع الداخلي في الأطراف المختلفة

التوقعات والسيناريوهات

السيناريو الأكثر احتمالًا:

تسوية جزئية تحقق وقف إطلاق النار في غزة دون تحقيق الهدف الأوسع للتطبيع الإقليمي الشامل، وذلك بسبب:

  • عدم نضج الظروف الإقليمية
  • استمرار الخلافات الأساسية
  • التعقيدات الداخلية لكل طرف

السيناريو البديل:

فشل التوصل لأي تسوية شاملة مع إمكانية تحقيق ترتيبات مؤقتة محدودة النطاق.

التوصيات الاستراتيجية

التعامل مع الجذور السياسية للصراع وليس فقط الأعراض العسكرية

وضع ضمانات دولية قوية لتنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه

التحضير لسيناريوهات التصعيد خاصة على الجبهة الإيرانية-الإسرائيلية

إعطاء الأولوية للاستقرار طويل المدى على الإنجازات الدبلوماسية قصيرة المدى

استشراف:

  • صفقة غزة ليست ناضجة بعد، بل محاطة بألغام سياسية وعسكرية متعددة الأطراف.
  • البيئة الإقليمية هشة وغير مؤهلة لتسوية شاملة تربط غزة بالتطبيع.
  • محاولة استغلال المعاناة الفلسطينية كأداة تفاوضية تُعد مخاطرة استراتيجية ستُفاقم عدم الاستقرار.

الخلاصة

رغم وجود زخم سياسي واضح نحو التسوية، تشير المؤشرات الحالية إلى أن البيئة الإقليمية لا تزال غير جاهزة لتسوية شاملة بالحجم والتعقيد المطروح. النجاح في تحقيق تسوية مستدامة يتطلب معالجة الجذور السياسية للصراع وليس فقط إدارة أعراضه العسكرية، إلى جانب إشراك جميع الأطراف الإقليمية الفاعلة في عملية التسوية.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo